بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه صد
( مسألة 33 ) : النذر المعلق على أمر قسمان:
تارة يكون التعليق على وجه الشرطية.
كما إذا قال إن جاء مسافري فلله علي أن أزور الحسين ( عليه السلام ) في عرفة.
وتارة يكون على نحو الواجب المعلق، كأن يقول : لله علي أن أزور الحسين ( عليه السلام ) في عرفة عند مجئ مسافري.
فعلى الأول: يجب الحج إذا حصلت الاستطاعة قبل مجئ مسافره.
وعلى الثاني: لا يجب فيكون حكمه حكم النذر المنجز في أنه لو حصلت الاستطاعة وكان العمل بالنذر منافيا لها لم يجب الحج، سواء حصل المعلق عليه قبلها أو بعدها وكذا لو حصلا معا لا يجب الحج، من دون فرق بين الصورتين، والسر في ذلك أن وجوب الحج مشروط والنذر مطلق، فوجوبه يمنع من تحقق الاستطاعة.[1]
وحاصل ما افاده في هذه المسألة. انه لو لم يكن نذره مطلقاً بان يقول لله علي ان ازور الحسين (علیه السلام) ليلة عرفة بل كان معلقاً على امر، فان فيه قسمان:
الاول:
ان يكون النذر مشروطاً بمعنى ان يكون الوجوب فيه مشروطاً بامر مثل ان يقول: ان جاء مسافري، فللّه علي ان ازور الحسين (عليه السلام) في عرفة، ومعناه انه التزم على نفسه الزيارة ان جاء مسافره بان يكون في قوة ان يقول: اوجبت على نفسي زيارة الحسين إن جاء مسافري، فيكون الوجوب مشروطاً.
ففي هذه الصورة، إذا حصلت له الاستطاعة قبل مجيئ مسافره، فانه يجب عليه الحج لانه لا مانع بالنسبة الى وجوب الحج عليه، لانه لا وجوب لزيارة عرفه قبل مجيء مسافره.
واما لو لم يكن التعليق على وجه الشرطية، بل يكون على نحو الواجب المعلق كأن يقول، لله علي ان أزورَ الحسين (عليه السلام) في عرفة عند مجيء مسافري بان يكون التزامه بالزيارة مطلقاً وانه أوجب على نفسه الزيارة، الا ان الاتيان بالزيارة معلق على مجيء مسافره، فالوجوب مطلق والشرط والتعليق يرجع الى الواجب دون الوجوب.
وحيث ان الوجوب في هذه الصورة مطلق، وانه بمجرد نذره يجب عليه الزيارة الا ان اتيانه بها معلق بمجيء مسافره، فاذا جاء مسافره يصير الواجب فعلياً، واما قبله فالوجوب فعلي.
ولذلك افتى بانه: اذ حصلت الاستطاعة في هذه الصورة لا توجب وجوب الحج لمانعية وجوب النذر عنه سواء كان حصول الاستطاعة قبل مجيء مسافره او بعده؛ او حصلا معاً، فانه لا يجب عليه الحج؛ لان وجوب النذر منجز يمنع عن تحقق الاستطاعة ومعه لا وجه لوجوب الحج عليه.
هذا وافاد السيد الاصفهاني (قدس سره) في الحاشية توضيحاً عند قوله (قدس سره)
«والسر في ذلك ان وجوب الحج مشروط والنذر مطلق فوجوبه يمنع من تحقق الاستطاعة»:
«توضيحه: ان وجوب الحج مشروط شرعاً بالاستطاعة التي هي اعم من الشرعية والعقلية.
ووجوب الوفاء بالنذر ليس مشروطاً شرعاً بشيء وان كان عقلاً مشروطاً بالقدرة.
فعند مقارنة الاستطاعة المالية مع ما علق عليه النذر تنجز وجوب الوفاء بالنذر الذي لم يعلق شرعاً بعد حصول المعلق عليه بشيء ولم يزاحمه وجوب الحج. لانه مشروطه شرعاً بالاستطاعة الفعلية والشرعية، وعند وجوب الوفاء بالنذر تحقق العذر الشرعي الذي هو كالعذر العقلي مانع عن تحقق الاستطاعة التي علق عليها وجوب الحج.»
واورد عليه المحقق النائيني (قدس سره):
« ليس النذر المعلق إلا قسما واحدا ولا ما سماه بعضهم بالواجب المعلق إلا قسما من المشروط، لا قسيما له.
وكيف كان فلو حصلت الاستطاعة قبل حصول ما علق عليه النذر أو تقارنا فلا ينبغي الإشكال في وجوب الحج وانحلال النذر بذلك ولو تأخرت عنه كان من جزئيات المسألة السابقة وتقدم أن انحلال النذر بلحوق الاستطاعة هو الأقوى.»
وحاصل ما افاده (قدس سره):
عدم تمامية وجه التفريق بين الموردين، وان النذر قبل حصول ما علق عليه او مقارناً له لا يمنع عن وجوب الحج، لعدم فعلية وجوب النذر قبل حصول ما علق عليه، وان ما سماه بعضهم بالواجب المعلق كان في الحقيقة قسماً من الواجب المشروط الذي كان التعلق على الوجوب ورجوعه الى الواجب لا يوجب تنجز الواجب قبله.
وان كان النذر تحقق ما علق عليه قبل حصول الاستطاعة فهو من متفرعات المسألة السابقة وقد مر انحلال النذر ووجوب الحج عليه.
وقد افاد المحقق العراقي (قدس سره):
« بعد ما عرفت بأن القدرة في ظرف العمل بالنذر شرط شرعي لا يكاد يتصور فرق بين الصورتين للجزم بأن ما هو شرط في ظرف العمل على فرض تقديم الآخر مفقود فلا يبقى المجال لتقديم دليل النذر حينئذ مع فرض مقارنة زمان عمله مع زمان تنجز وجوب الحج أو بعد تنجزه.
نعم لو كان قبل زمان تنجز وجوب الحج بأن يكون قبل الاستطاعة أو قبل خروج الرفقة تقدم النذر لأن حفظ القدرة حينئذ شرط عقلي في طرف النذر فإطلاق دليله يرفع موضوع دليل وجوب الحج كما أن الأمر بالعكس في طرف العكس كما لا يخفى.»
وحاصله: ان في فرض تقدم حصول الاستطاعة او مقارنته مع النذر لا وجه لتقدم النذر، لان المانع لوجوب الحج حينئذٍ القدرة الشرعية في ظرف العمل بالنذر التي تمنع عن وجوب الحج وتحقق الاستطاعة والمفروض انها غير متحققة قبل ظرف العمل بالنذر.
واما مع فرض تأخر الاستطاعة، تقدم النذر، وكذا قبل خروج الرفقة لانه يجب عليه حفظ القدرة في طرف النذر ويرفع به وجوب الحج؛ فلا فرق بين ما ذكره من القسمين في هذه الجهة.
وأساس المانعية في النذر بالنسبة الى وجوب الحج عنده القدرة لاتيان النذر حين العمل به، واما نفس وجوبه كما في المقام لا مانعية له بالنسبة الى تحقق الاستطاعة.
[1] . العروة الوثقي (المحشي)، ج4، ص 396-397.