بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه نود و هفت
الخامس: اصالة البرائة.
بناءً علي ان المانع من اجرائها ليس الا العلم الاجمالي بوجود الحرام، لكنه انما يوجب الاجتناب عن محتملاته من باب المقدمة العلمية، التي لاتجب الا لأجل وجوب دفع الضرر وهو العقاب المحتمل في فعل كل واحد من المحتملات.
وهذا لايجري في المحتملات الغير المحصورة، ضرورة ان كثرة الاحتمال توجب عدم الاعتناء بالضرر المعلوم وجوده بين المحتملات.
الا تري الفرق الواضح بين العلم بوجود السم في احد الانائين او واحد من الفياناء، وكذلك بين قذف احد الشخصين لابعينه وبين قذف واحد من اهل بلد؟ فإن الشخصين كليهما يتأثران بالاول، ولايتأثر احد من اهل البلد بالثاني.
وكذا الحال لو اخبر شخص بموت الشخص المردد بين ولده وشخص اخر، وبموت المردد بين ولده وبين كل واحد من اهل بلده، فإنه لايضطرب خاطره في الثاني اصلاً.
وإن شئت قلت: ان ارتكاب المحتمل في الشبهة الغير المحصورة لايكون عند العقلاء الا كارتكاب الشبهة الغير المقرونة بالعلم الاجمالي.
وكأن ما ذكره الامام (علیه السلام) في الرواية المتقدمة من قوله:«من اجل مكان واحد... الخبر»، بناءًعلي الاستدلال به، اشارة الي هذا المعني، حيث انه جعل كون حرمة الجبن في مكان واحد منشأ لحرمة جميع محتملاته الغير المحصورة، من المنكرات المعلومة عند العقلاءالتي لاينبغي للمخاطب ان يقبلها، كما يشهد بذلك كلمة الاستفهام الانكاري.
لكن عرفت: ان فيه احتمالاً اخر يتم معه الاستفهام الانكاري ايضاً.
وحاصل هذا الوجه:
ان العقل اذا لم يستقل بوجوب دفع العقاب المحتمل عند كثرة المحتملات فليس هنا ما يوجب علي المكلف الاجتناب عن كل محتمل، فيكون عقابه حينئذ عقاباً من دون برهان.
فعلم من ذلك: ان الآمر اكتفي في المحرم المعلوم اجمالاً بين المحتملات بعدم العلم التفصيلي بإتيانه، ولم يعتبر العلم بعدم اتيانه، فتأمل.
السادس:
«السادس: أن الغالب عدم ابتلاء المكلف إلاببعض معين من محتملات الشبهة الغير المحصورة ويكون الباقي خارجا عن محلا بتلائه، وقد تقدم عدم وجوب الاجتناب في مثله معحصر الشبهة، فضلا عن غيرالمحصورة.»
هذا ما افاده الشيخ (قدس سره) في مقام بيان ما يمكن ان يستدل به لعدم وجوب الاجتناب في الشبهة غير المحصورة، وأفاد نفسه بعد ذكر هذه الوجوه:
«هذا غاية ما يمكن أن يستدل به على حكم الشبهة الغير المحصورة، و قدعرفت: أن أكثرها لايخلو من منع أو قصور، لكن المجموع منها لعله يفيد القطع أو الظن بعدم وجوب الاحتياط في الجملة. والمسألة فرعية يكتفى فيها بالظن. »
كما انه (قدس سره) افاد في الأمر الاول من الأمور التي ذكرها بعد ذكر الوجوه المذكورة بقوله: الا ان الكلام يقع في موارد:
«الأول أنه هل يجوز ارتكاب جميع المشتبهات في غير المحصورة بحيث يلزم العلم التفصيلي، أم يجب إبقاء مقدارالحرام؟
ظاهرإطلاق القول بعدم وجوب الاجتناب هوالأول، لكن يحتملأ فيكون مرادهم عدم وجوب الاحتياط فيه في مقابلة الشبهة المحصورة التي قالوا فيها بوجوب الاجتناب، وهذا غير بعيد عن مساق كلامهم.
فحينئذ لايعمم عقد إجماعه ملحكم ارتكاب الكل، إلا أن الأخبار لوعمت المقام دلت على الجواز. و أما الوجه الخامس، فالظاهر دلالته على جواز الارتكاب، لكن مع عدم العزم على ذلك من أول الأمر، و أما معه فالظاهر صدق المعصية عند مصادفة الحرام، فيستحق العقاب.