بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه نود و شش
الثالث:
الاخبار الدالة علي حلية كل مالم يعلم حرمته،فإنها بظاهرها وان عمّت الشبهة المحصورةالا ان مقتضي الجمع بينها وبين ما دل علي وجوب الاجتناب بقول مطلق، هو حمل اخبار الرخصة علي غير المحصور وحمل اخبار المنع علي المحصور.
وفيه:
اولاً: ان المستند في وجوب الاجتناب في المحصورة هو اقتضاء دليل نفس الحرام المشتبه لذلك بضميمة حكم العقل، وقد تقدم بما لامزيد عليه، ان اخبار حل الشبهة لاتشمل صورة العلم الاجمالي بالحرام.
وثانياً:
لوسلمنا شمولها لصورة العلم الاجمالي حتي تشمل الشبهة الغير المحصورة، لكنها تشمل المحصورة ايضاً، واخبار وجوب الاجتناب مختصة بغير الشبهة الابتدائية اجماعاً، فهي علي عمومها للشبهة الغير المحصورة ايضاً اخص مطلقاً من اخبار الرخصة.
والحاصل:
ان اخبار الحل نص في الشبهة الابتدائية، وأخبار الاجتناب نص في الشبهة المحصورة، وكلا الطرفين ظاهران في الشبهة الغير المحصورة، فإخراجها عن احدهما وادخالها في الآخر ليس جمعاً،بل ترجيحاً بلا مرجح.
الا ان يقال:
ان اكثر افراد الشبهة الابتدائية ترجع بالآخرة الي الشبهة الغير المحصورة، لأنانعلم اجمالاً غالباً بوجود النجس والحرام في الوقائع المجهولة الغير المحصورة، فلو اخرجت هذه الشبهة عن اخبار الحل لم يبق تحتها من الافراد الا النادر، وهو لايناسب مساق هذه الاخبار فتدبر.
الرابع:
بعض الاخبار الدالة علي ان مجرد العلم بوجود الحرام بين المشتبهات لايوجب الاجتناب عن جميع ما يحتمل كونه حراماً مثل مافي محاسن البرقي عن ابي الجارود.
رواه ابوعبدالله احمد بن نحمد بن خالد البرقی، عن أبيه محمد بن خالد،عن محمد بن سنان،عن أبي الجارود، قال:
سألت أباجعفرعليه السلام عن الجبن فقلت له: أخبرني من رأى أنه يجعل فيه الميتة؟
فقال: أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم في جميع الأرضين؟ ! إذ اعلمت أنه ميتة فلا تأكل هو إن لم تعلم فاشترو به وكل، والله إني لاعترض السوق فاشترى به اللحم والسمن والجبن، والله ماأظن كلهم يسمون هذه البربر وهذه السودان.»[1]
فإن قوله (علیه السلام): «امن اجل مكان واحد... الخبر»، ظاهر في ان مجرد العلم بوجود الحرام لايوجب الاجتناب من محتملاته.
وكذا قوله (علیه السلام):«والله ما اظن كلهم يسمون»، فإن الظاهر منه ارادة العلم بعدم تسمية جماعة حين الذبح كالبربر والسودان.
الا ان يدعي:
ان المراد ان جعل الميتة في الجبن في مكان واحد لايوجب الاجتناب عن جبن غيره من الاماكن، ولاكلام في ذلك، لا انه لايوجب الاجتناب عن كل جبن يحتمل ان يكون من ذلك المكان، فلادخل له بالمدعي.
وأما قوله:«ما اظن كلهم يسمون»، فالمراد منه عدم وجود الظن او القطع بالحلية، بل يكفي اخذها من سوق المسلمين، بناءً علي ان السوق امارة شرعية لحل الجبن المأخوذ منه ولومن يد مجهول الاسلام.
الا ان يقال:
ان سوق المسلمين غير معتبر مع العلم الاجمالي بوجود الحرام، فلامسوغ للارتكاب الا كون الشبهة غير محصورة فتأمل.
الخامس: اصالة البرائة.
بناءً علي ان المانع من اجرائها ليس الا العلم الاجمالي بوجود الحرام، لكنه انما يوجب الاجتناب عن محتملاته من باب المقدمة العلمية، التي لاتجب الا لأجل وجوب دفع الضرر وهو العقاب المحتمل في فعل كل واحد من المحتملات.
وهذا لايجري في المحتملات الغير المحصورة، ضرورة ان كثرة الاحتمال توجب عدم الاعتناء بالضرر المعلوم وجوده بين المحتملات.
الا تري الفرق الواضح بين العلم بوجود السم في احد الانائين او واحد من الفياناء، وكذلك بين قذف احد الشخصين لابعينه وبين قذف واحد من اهل بلد؟ فإن الشخصين كليهما يتأثران بالاول، ولايتأثر احد من اهل البلد بالثاني.
وكذا الحال لو اخبر شخص بموت الشخص المردد بين ولده وشخص اخر، وبموت المردد بين ولده وبين كل واحد من اهل بلده، فإنه لايضطرب خاطره في الثاني اصلاً.
[1].وسائل الشیعة (آل البیت)، ج25، الباب 61 من أبواب الاطعمۀ المباحۀ، ص119، الحدیث31380/5.