بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه نود و شش
وحاصل ما افاده (قدس سره) التعريض لإمور:
الاول:
انه لا وجه لتفصيل صاحب العروة (قدس سره) بين المقامين.
وذلك لانه لو قلنا بعدم اشتراط الحج بالقدرة الشرعية ـ واختاره (قدس سره) ذلك ـ فان وجوب الحج و وجوب الواجب المطلق يدخلال في باب المزاحمة على التقديرين وان قلنا بمسلك المشهور ومختار صاحب العروة من اشتراط وجوب الحج بالقدرة الشرعية، فانه كما يمنع وجوب الواجب المطلق عن حدوث الاستطاعة اللاحقة كذلك يمنعها اذا كانت سابقۀ الا انه في هذا التقدير دافع للاستطاعة وفي التقدير السابق رافع.
الثاني:
انه لا يتم المساعدة مع ما افاده المشهور من اشتراط الحج بالقدرة الشرعية وكذلك لانه لايعتبر الحج الاخبار اكثر من الزاد الراحلة وفي بعضها صحة البدن وامن الطريق.
واما القدرة الشرعية بمعنى عدم المزاحمة مع اي واجب اخر فلم يكن منها في النصوص اثر. نعم، في صحيحة الحلبي عن ابي عبدالله(علیه السلام) «إذا قدر الرجل على ما يحج به ثم دفع ذلك وليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعة من شرائع الاسلام».
بتقريب: ان الاشتغال بعذر يمنع عن تحقق الاستطاعة.
فاورد عليه:
ان غاية ما تدل عليه الصحيحة، ان الشغل الذي يعذر به مانع عن تحقق الاستطاعة ولكنها لا تبيّن ان اي شغل يكون عذراً، فلا تتكفل لحال الصغري ولا تعرض لها لحال الموضوع، لان الحكم المعلق على الموضوع غير مبين لحال الموضوع فيلزم اثبات ذلك من الخارج.
ودعوى الاطلاق كما ترى. وانما ثبت النذر في موارد كالحج والضرر والابتلاء بالواجب الاهم كانقاذ نفس محترمة ونحو ذلك. واما كون مطلق الواجبات كالوفاء بالنذر و رد التحية عذراً فهو اول الكلام.
الثالث:
ان رعاية الاضافة الفعلية منه سبحانه في النذر تستدعي كونه محبوباً له تعالى بمقدماته ومقارناته و لا يكفي فيه الرجحان الذاتي، بل لو استلزم المبغوض لم يكن مضافاً اليه سبحانه.
والبحث في ان ايجاب شيء هل يستلزم اعتبار الوجوب لمقدمته او لحرمته هذه بحث عن الامر الاعتباري.
واما البحث في ان الشوق الى شيء مستلزم للشوق الى مقدمته او الى عدم الاتيان بما يضاده ویعانده امر وجداني غير قابل للانكار. والبحث في المقام من قبيل الثاني، فان الحصة من زيارة الحسين(علیه السلام) المستلزمة لترك الحج فاقد للمحبوبيۀ الفعلية فلا تصلح للاضافة منه سبحانه فلا يكون نذره منعقداً.
فان قلت:
لا مناص من الالتزام بكفاية الرجحان الذاتي في النذر مع غض النظر عن مقارناته وملابساته
والا يلزم عدم انعقاد نذر ما يستلزم الوفاء به ترك ما هو الافضل منه كنذر زيارة مسلم ليلة عرفة المستلزمة لترك زيارة الحسين(عليه السلام) ونذر الركعتين من الصلاة في مسجد المحلة المستلزمة لترك الاتيان بها في المسجد الاعظم او الحرم الشريف. او اعطاء درهم للفقير المستلزم لترك الدفع الى ما هو أهم، لان الحصة المستلزمة لترك الاهم لا محبوبية فيها.
قلت:
هذا يفترق مع مورد البحث، فان المحبوبية في ذلك اضعف درجة واقل مرتبة من الفرد الافضل، ولا تكون منتفية من رأسها.
وهذا لا يقاس بما اذا استلزم النذر المذكور ترك الواجب او فعل الحرام، فانه فاقد للمحبوبية من اصلها و غير صالح للاضافة منه سبحانه.
الرابع:
ان على مسلك المشهور ان انشاء الحج غير مشروط بشيء، غايته ان فعليته مشروط بان لا يزاحمه واجب آخر فالشرط على تقدير تسليمه راجع الى مرحلة المجعول دون الجعل واما الجعل فهو مطلق يتعلق بكل مستطيع من غير اي اشتراط.
وعليه فان قيام الواجب الاخر انما يزيل الاستطاعة ويرفعها فيسقط الوجوب عن مقام الفعلية بانعدام موضوعه.
ولكن النذر، فلا يمكنه ذلك اي ازالة الاستطاعة و رفعها لانه ـ بمقتضى كون وجوب الوفاء به امضائياً ـ في مقام جعله مشروط بعدم استلزام العمل به ترك واجب او فعل محرم.
وعليه:
فان وجوب الحج يمنع عن انعقاد النذر وموجب لانحلاله، لانه يصلح لرفع موضوع النذر اعني الالتزام بالمحبوب.
ولا يمكن وجوب النذر رافعاً، لان تعلق الجعل به موقوف على ان يكون قابلاً للاضافة الى الله، بان يتصف بالمحبوبية.
الخامس:
انه لا يقاس الواجب الامضائي بالواجب الابتدائي، لان في الوجوبات الابتدائية يكون كل واجب مقدوراً في ظرف ترك الآخر، فاذا كان احدهما اهم اختص الوجوب به، ولو عصاه وتركه كان الاخر مقدوراً يشمله اطلاق دليله، وهذا هو وجه جريان الترتب فيها.وبالنسبة الى النذر لا يجري الترتب، لان الذي تعلق به النذر قد انحل بمقتضى الاستطاعة اللاحقة، واما غيره فلم يتعلق به النذر ليجب الوفاء به. فانه يلزم ان يكون انعقاد النذر تابعاً لقصده، والنذر المنعقد على نحو الاطلاق ـ اي سواء استطاع او لا ـ قد انحل والوفاء بالنذر على تقدير ترك الحج غير واجب لعدم كونه مقصوداً وليس ذلك الا من جهة كون دليل النذر امضاءً لما التزم الناذر على نفسه بعين قصده.
ولا ينقض ذلك بموارد حكم الشارع بصحته مع عدم تعلق القصد به بتلك الخصوصية:
كما في بيع الصرف او السلم و الهبة، حيث ان الشارع امضاها بشرط التعقب بالقبض، مع كون القصد فيه مطلقا.
وكذا في العقد على بنت الاخ او بنت الاخت او البكر حيث ان الشارع امضاه بشرط اذن العمة والخالة والولي.
وذلك:
لان ذلك كله حكم على خلاف القاعدة قد ثبت بدليل خاص ولم يقم دليل على الصحة في المقام.
وذلك: لان للشارع ان يمضي الانشاء اما مطلقا او مقيداً بقيد آخر من قبض او اجازة ونحوهما.
ولم يقم دليل على الامضاء فيما نحن فيه ونظائره كالاجارة المستوعبة للوقت المستلزمة لترك الفريضة، فانها غير منعقدة لعدم جواز الاجارة على الحرام ومقيداً بكونه على تقدير الترك خارج عن مصب الاجارة.
ويمكن ان يقال:
اما الامر الاول:
فالظاهر تمامية ما افاده من الايراد علی صاحب العروة، كما مر ايراده من بعض اعلام محشي العروة.
وذلك:
لان بناءً على ما ذهب اليه المشهور والتزم به صاحب العروة ان وجوب الحج مشروط بالقدرة الشرعية والواجب المطلق في المقام يمنع عن تحقق الاستطاعة، لأنه عذر شرعي وهذه المانعية كما تكون في تحقق الاستطاعة اللاحقة، كذلك انما تؤثر في المنع عن الاستطاعة السابقة اذ المفروض في الاستطاعة بقائها الى حال الاتيان بأفعال الحج و الواجب المطلق الحادث بعد تحقق الاستطاعة انما يمنع عن بقاء المكلف عليها الى زمان الحج، ومعه لا يحدث الوجوب للحج في الصورتين ولا معنى للتزاحم بين الواجبين في المقام، اذ ليس على المكلف الا واجب واحد وهو الواجب المطلق دون الحج.
الا ان يقال:
ان في صورة تأخر الاستطاعة، كان الواجب المطلق انما يمنع تحققها من رأسها ولو اقتضاءً بخلاف صورة تقدمها، فإنها تحققت ويتم اقتضائها للوجوب واما حدوث الواجب المطلق بعد ذلك فحد مانعيتها المنع عن الاتيان بواجب الحج الحادث بمقتضى الاستطاعة لمضادته مع الاتيان بالواجب المطلق، فالتنافي بين الواجبين انما كان في مقام الامتثال، ولو لا هذا التمانع والتنافي لأتى المكلف بهما لثبوت المقتضي فيهما.
وبعبارة اخرى ان المشكل حينئذٍ جاء من ناحية المانع مع تمامية المقتضي والمانع لزوم الاتيان بالحج في ظرف الاتيان بالواجب المطلق، فالمقام مقام التزاحم ويلزم فيه تقديم ما هو اهم ملاكاً منهما ان كان الملاك في أحدهما اهم.
لكنه يمكن ان يقال:
ان الحج في المقام مشروط بالاستطاعة، وهي غير القدرة العقلية التي يشترط بها جميع التكليف، بل تمكن خاص محدد من ناحية الشارع يتمكن معه المكلف من الاتيان بالحج عرفاً بلا اي عذر شرعي او عقلائي، واشتغال ذمة المكلف بواجب آخر عذر شرعي بلا فرق بين كونه اهم من الحج اولا، بشرط ان يكون الواجب المذكور منع عن التمكن من الحج من جهة اشتغال المكلف به من جهة المال او من جهة الوقت اي ظرف الاتيان. فأي واجب يمنع عن هذه الظرفية فإنما يمنع عن التمكن الذي اشترط وجوب الحج به شرعاً وكذلك الامر في الاعذار العرفية العقلائية، فان التحفظ على كسبه ورأس ماله بحيث لو تركه لاختل معاشه في سنته عذر عقلائي يمنع عن الاستطاعة المذكورة.
بلا فرق في ذلك بين زمان حدوثه فالمدار في البحث على هذه المانعية وحدها والقائل بالتزاحم في الصورتين انما يلتزم بان الاستطاعة المقتضية لوجوب الحج من جهة المال يوجب حدوث الوجوب للحج، كما ان انعقاد النذر والتزامه النذري يقتضي وجوب الوفاء فهنا مقتضيان كل منهما يوجب الاتيان بمقتضاه ولذا لو ترك اي واحد منهما عمداً لكان الاخر تام المتقضي للإتيان وتمام المشكل تمانعهما في مقام الامتثال بعدم امكان الجمع بينهما.
وتمام المشكل فيه هو ان حدوث الاستطاعة المالية انما يوجب وجوب الحج او يقتضيه على الاصح مع امكان الاتيان به في سنته من جهة بدنه، وامن الطريق، وامن معاشه، وعدم حدوث عذر مانع، والنذر الحاصل قبل الاستطاعة او قيام الواجب المطلق قبلها انما يمنع هذا الامكان، ومع عدم ضم الامكان المذكور بالاستطاعة المالية، لم يتحقق التمكن المقتضي للوجوب.
ولكن هذا المعنى جار بعينه في الاستطاعة المتقدمة، لانه وان تحققت في ظرف امكان الاتيان بالحج من الجهات المتقدمة الا ان حدوث العذر يرفع هذا الامكان؛ وقد عرفت ان الاستطاعة المالية حتى في ظرف الامكان المذكور لا يكون اكثر من المقتضي لوجوب الحج دون العلة التامة وان العلة التامة للوجوب هو التمكن من اتمام افعال الحج اي بقاء الامكان المذكور الى نهاية الاعمال، فلو حدث له حادث اوجب الاخلال في صحة بدنه او امن الطريق بعد ذلك، فانه يرفع الامكان البدوي الحاصل له في ظرف حصول الاستطاعة المالية. وان شئت قلت: ان الاستطاعة المقتضية لوجوب الحج لم تصل الى الفعلية التامة له حدوث المانع وهذا ما يعبر عنه في كثير من الكلمات بانه يكشف عن عدم الاستطاعة.
ولكن عرفت عدم تمامية هذا التعبير، وان الاولى التعبير بقيام المانع عن المقتضي الذي حصل له بحيث يمنع عن صيرورة المقتضي علة لحدوث الوجوب.
اما الامر الثاني:
فانه يمكن الاستدلال بالصحيحة وغيرها لاشتراط الحج بالقدرة الشرعية اما بالنسبة الى الصحيحة، فانها صريحة في مانعية العذر عن تحقق الاستطاعة و هي ان لم تتكفل حال الصغرى ولا تعرض لها بيان المصداق، الا ان المدار في تشخيص الموضوع في هذه الموارد على فهم العرف؛ لانه اذا بين الشارع الموضوع لكان الموضوع شرعياً وان لم يبين هذا الموضوع كما هو الغالب في الاخبار المتكفلة لبيان الحكم، فانه ليس المرجع الاطلاق بل المرجع في نظائره العرف، فكل ما كان عذراً عرفاً بحيث لا يذمون العقلاء تارك الواجب لاجله، ويرونه معذوراً فهو عذر وما اوجبه عليه الشارع بما انه مولى من الموالي فان الاشتغال به عذراً عندهم، فلا ينحصر ذلك بموارد والضرر وامثاله.
نعم لو لا اعتبار القدرة الشرعية في الحج لكان المعيار في امثاله عند العقلاء تقديم الاهم، وكان بنائهم على ذلك، واما مع اعتبار القدرة الخاصة وان ما كان عذراً يمنع عن هذا التمكن، فالعذر يكون ما لا يتبعه ذم العقلاء بترك الفعل لأجله.
اما الامر الثالث:
ان الثابت في النذر بمقتضى ادلة اعتباره التزام المكلف باتيان عمل راجح في نفسه و بذاته لله ومعنى ذلك ان يكون التزامه بذلك لله لا لغيره، واما اضافة العمل اليه اكثر من ذلك فلا تقتضيه الادلة، ولذلك اذا كان ما التزم باتيانه توصلياً، فلا يلزم حين الاتيان قصد القربة فيه، بل يكفي اتيانه بداعي التزامه، وان كان التزامه يرجع اليه سبحانه.
والقابلیة للاضافة يكفيها رجحان الفعلي ذاتاً، ونفس الاضافة يكفيها التزام الاتيان به له واما التحفظ على رجحانه الفعلي في جميع الاحوال حتى بالنظر الى مقارناته وملابساته فلا دليل عليه فان الفعل مع كونه راجحاً ذاتاً ربما لا يكون راجحاً بالنسبة الى ما امكنه الاتيان به، بل ربما يكون الاتيان به ملازماً لترك واجب، او فعل حرام ولكنه انما يكون عاصياً بترك الواجب ومطيعاً بمقتضى الامر بالوفاء.