بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه نود و پنج
هذا و اورد السيد الخوئي علي ما افاده صاحب العروة (قدس سره) من التفريق بين صورة تقدم الاستطاعه وتاخره:
«فصل (قدس سره) في الواجب المطلق الفوري بين ما لو تحقق اولاً ثم استطاع وبين العكس فحكم (قدس سره) بانه مانع عن الاستطاعۀ في الاول وداخل في باب المزاحمۀ ويقدم الاهم منهما في الثاني.
ولکنك خبير بعدم وضوح وحهه لهذا التفصيل؛ لان الاستطاعۀ الشرعيۀ المشروط بها الحج ان فسرت بوجدان الزاد و الراحلة علي ما نطقت به الاخبار وهو الصحيح كما تقدم كان شان الحج حينئذ شان سائر الواجبات لدي تحقق موضوعها وكان داخلاً في باب المزاحمة علي التقديرين كما هو ظاهر.
وان فسرت بعدم المزاحمة مع اي واجب آخر كما يراه القوم بحيث بحيث ان ثبوت اي واجب اخر يمنع عن تحقق الاستطاعة فحينئذ كما ان الوجوب الفوری السابق مانع عن حدوث الاستطاعۀ فکذا اللاحق مانع عن بقائها، فالمانعیۀ ثابتة علي التقديرين بعد وضوح ان شرطيۀ الاستطاعۀ عامۀ لمرحلتي الحدوث والبقاء.
غايته ان ذاك الواجب الفوري دافع علي تقدير ورافع علي التقدير الاخر، فالتفكيك بين حصول الاستطاعۀ سابقاً او لاحقاً في غير محله.
ومخلص ما قدمناه حول هذه المسألة لحد الان: ان المشهور حكموا بتقدیم اي واجب فوري يتنافي مع الحج اذا كان وجوبه سابقاً عليه ومنه النذر المعلق علي شيء اذا حصلت الاستطاعة بعد حصول المعلق عليه، اما المنجز من حين النذر مستدلين عليه بما اشار اليه السید الماتن (قدس سره) من ان الحج مشروط بالقدرة الشرعيۀ. واما الواجب الاخر فهو مطلق لم تؤخذ القدرة فيه الا عقلاً فوجوبه مانع عن تحقق الاستطاعۀ. وقد عرفت عدم امكان المساعدۀ عليه بوجه بعد خلوا النصوص المتعرضۀ لتفسير الاستطاعۀ عن اعتبار شيء اخر اكثر من الزاد و الراحلة وفي بعضها صحة البدن وأمن الطريق، واما القدره الشرعيۀ بمعني عدم المزاحمۀ مع اي واجب اخر فلم يكن منها في شي من النصوص عين والا اثر.
نعم ربما يستدل له بصحیحة الحلبي عن ابي عبدالله(علیه السلام) قال: «اذا قدر الرجل علي ما يحج به ثم دفع ذلك وليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعۀ من شرايع الاسلام». [1]
وفيه:
ان أقصي ما تدل عليه الصحيحۀ ان الشغل الذي يعذر به مانع عن تحقق الاستطاعۀ، واما أن اي شغل يكون عذراً او ان أياً منه لا يكون عذراً فلا دلالۀ لها عليه بوجه، فهي غير متكلفۀ لحال الصغري ولا تعرض لها لبيان المصداق.
ودعوي الاطلاق كما تري فان الحكم المعلق علي الموضوع غير مبين لحال الموضوع، بل لابد من اثبات ذلك من الخارج، وقد ثبت العذر في موارد الحرج والضرر او الابتلاء بالواجب الاهم كانقاذ نفس محترمه وإنجائه عن الهلكۀ ونحو ذلك مما هو ثابت العذريۀ، واما ان مطلق الواجبات حتي مثل رد التحيۀ او الوفاء بالنذر يكون عذراً فهو اول الكلام، وقد عرفت ان الصحيحة غير ناظرۀ لذلك ولاتکاد تدل عليه بوجه، اذن فوجوب الحج غير مشروط بشي ما عدا الزاد والراحلة.
واما وجوب الوفاء بالنذر، فهو مشروط بالرجحان الفعلي للمتعلق بما يحتف به من الخصوصيات والملابسات المقرنۀ به، ولا يكفي مجرد رجحانه بالذات وان استلزم ارتكاب الحرام؛ لان ذلك هو نتيجۀ كونه امضاء لما التزم به الناذر من جعل شي علي نفسه لله وعدم كونه حكماً ابتدائیا، فان رعايۀ الاضافۀ الفعليۀ منه سبحانه تستدعي كونه محبوباً له تعالي بمقدماته ومقارناته، اذ لو استلزم المبغوض لم يكن عندئذ مضافاً ومرتبط اليه سبحانه.
وقد ذكرنا في الاصول ان البحث عن وجوب المقدمۀ او حرمۀ الضد بحث عن الامر الاعتباري وان ايجاب شي هل يستلزم اعتبار الوجوب لمقدمته او الحرمة الضده ام لا؟
واما ان الشوق الي شي مستلزم الشوق الي مقدمته والي عدم الاتيان بما يضاده ويعانده فامر وجدانی غير قابل للانكار.
فان المشتاق الي اللحم يشتاق الي الذهاب الي السوق لشرائه بطبيعۀ الحال غايته انه يختص ذلك بالمقدمۀ الموصلۀ.
وعليه فكون شيء لله علي نحو يقع محبوباً يستلزم محبوبيۀ مقدماته ومقارناته وما يحتف به من الخصوصيات، ومن الواضح ان الحصۀ من زيارۀ الحسين(علیه السلام) المستلزمۀ لترك الحج فاقدۀ للمحبوبيۀ الفعليۀ فلا تصلح للاضافة منه سبحانه فلا يكون نذرها منعقداً.
فان قلت:
لا مناص من الالتزام بكفايۀ الرجحان الذاتي مع الغض عن المقارنات والملابسات والا لما انعقد نذر ما يستلزم الوفاء به ترك ما هو الافضل منه كزيارۀ مسلم ليلۀ عرفۀ المستلزمۀ لترك زيارۀ الحسين (علیه السلام)، وصلاۀ ركعتين في مسجد المحلۀ المستلزمۀ لترك الاتيان بها في المسجد الاعظم او الحرم الشريف او اعطاء درهم لفقير المستلزم لترم الدفع الي من هو اهم منه، فان تلك الحصة المستلزمۀ لهذا لترك لامحبوبيۀ فيها وان كانت هي راجحة في نفسها.
قلت:
كلاً بل هي محبوبة غيایته ان المحبوبیة اضعف درجة واقل مرتبۀ من الفرد الافضل فلا يقاس بما اذا استلزم ترك الواجب او فعل الحرام ـ كما في المقام ـ فان ذلك فاقد للمحبوبيۀ حينئذ من اصلها وغير صالح للاضافة منه سبحانه بوجه كما لو نذر ترك زيارۀ الحسين (علیه السلام) ابتداء لا زيارۀ مسلم المستلزمۀ لترك زيارۀ الحسين فانها ايضاً محبوبة وان اختلفت درجات المحبوبيۀ.
وبالجملة: فالحج غير مشروط بشيء والنذر مشروط بان لا يكون محللاً للحرام او محرما للحلال حسبما عرفت، فيتقدم الحج عليه في جميع الفروض المذكورة في المتن.
بل وكذا علي مسلك القوم، لان انشاء الحج غير مشروط بشي غايته ان فعليته مشروطۀ بان لا يزاحمه واجب اخر فالشرط ـ علي تقدير تسليمه ـ راجع الي مرحلة المجعول دون الجعل، فان جعل الحج مطلق وغير متوقف علي شيء فانه يتعلق بكل مستطيع فلم يؤخذ في موضوع هذا الجعل ان لا يكون هناك واجب اخر لعدم المنافاة بين الجعلين بوجه.
وانما التنافي في مرحلة المجعول ومقام الفعليۀ، حيث ان الوجوب الاخر يزيل الاستطاعۀ ويرفعها فيسقط الوجوب عن مقام الفعليۀ بانعدام موضوعه، واما النذر فيما انه حكم امضائي لما التزم به الناذر فهو في مقام جعله مشروط بعدم استلزام العمل به ترك واجب او فعل محرم، وعليه فوجوب الحج يمنع عن انعقاده وموجب لانحاله لانه يصلح لرفع موضوع النذر اعني الالتزام بالمحبوب.
ولا يمكن ان يكون وجوب النذر رافعاً، لان تعلق الجعل به موقوف علي ان يكون قابلاً للاضافۀ الي الله ولا عكس، فوجوب الحج مانع عنه دون العكس فلاحظ.
ثم انا أشرنا في ما الي انه لو عصي وترك الحج ليس له الوفاء بالنذر حينئذ من باب الترتب لعدم جریانه فی مثل المقام لان الذی تعلق به النذر قد انحل بمقتضی الاستطاعۀ اللاحقۀ وغيره لم يتعلق به النذر ليجب الوفاء به.
ولاينتقض ذلك بموارد حكم الشارع بصحته مع عدم تعلق القصد به بتلك الخصوصيۀ كما في بيع الصرف او السلم والهبة، حيث ان الشارع امضاها بشرط التعقب بالقبض مع كون القصد مطلقا او فی العقد علي بنت الاخ او بنت الاخت او البكر حيث انه امضاه شريطة اذن العمۀ او الخالۀ او الولي، ضرورة ان ذلك كله حكم علي خلاف القاعدۀ قد ثبت بدلیل خاص، ولم يقم دليل علي الصحة في المقام.
وبالجملۀ: لا يقاس الواجب الامضائي بالواجب الابتدائي؛ لان الوجوبات الابتدائيۀ كل واجب مقدور في ظرف ترك الاخر، فاذا كان احدهما اهم اختص الوجوب به فاذا اعصاه وتركه كان الاخر مقدوراً حينئذ فيشمله الاطلاق وهذا هو وجه جريان الترتب فيها.
واما الواجب بالنذر فان شمله دليل الامضاء فهو، واما ان لم يشمله كما هو المفروض لكونه محلاً للحرام، ومن ثم لم ينعقد نذر السجدۀ المستوعبۀ للوقت المستلزمۀ لترك الفريضۀ كما مر، فوجوب الوفاء علي تقدير العصيان وترك ذاك الواجب لم يقم عليه اي دليل بعد عدم تعلق النذر به، والموارد المزبورة قدثبت الحكم فيها بالدليل الخاص فلا یقاس عليه المقام، فان للشارع ان يمضي الانشاء اما مطلقاً او مقيداً بقيد اخر من قبض او اجازة ولم یقم دليل الامضاء فيما نحن فيه ونظائره كالاجارة المستوعبة للوقت المستلزمة لترك الفريضة فانها ايضاً غير منعقدة لعدم جواز الاجارة علي الحرام ومقيداً بكونه علي تقدير الترك خارج عن مصب الاجارة فلاحظ.»[2]
وحاصل ما افاده (قدس سره) التعريض لإمور:
الاول:
انه لا وجه لتفصيل صاحب العروة (قدس سره) بين المقامين.
وذلك لانه لو قلنا بعدم اشتراط الحج بالقدرة الشرعية ـ واختاره (قدس سره) ذلك ـ فان وجوب الحج و وجوب الواجب المطلق يدخلال في باب المزاحمة على التقديرين وان قلنا بمسلك المشهور ومختار صاحب العروة من اشتراط وجوب الحج بالقدرة الشرعية، فانه كما يمنع وجوب الواجب المطلق عن حدوث الاستطاعة اللاحقة كذلك يمنعها اذا كانت سابقۀ الا انه في هذا التقدير دافع للاستطاعة وفي التقدير السابق رافع.
الثاني:
انه لا يتم المساعدة مع ما افاده المشهور من اشتراط الحج بالقدرة الشرعية وكذلك لانه لايعتبر الحج الاخبار اكثر من الزاد الراحلة وفي بعضها صحة البدن وامن الطريق.
واما القدرة الشرعية بمعنى عدم المزاحمة مع اي واجب اخر فلم يكن منها في النصوص اثر. نعم، في صحيحة الحلبي عن ابي عبدالله(علیه السلام) «إذا قدر الرجل على ما يحج به ثم دفع ذلك وليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعة من شرائع الاسلام».
بتقريب: ان الاشتغال بعذر يمنع عن تحقق الاستطاعة.
فاورد عليه:
ان غاية ما تدل عليه الصحيحة، ان الشغل الذي يعذر به مانع عن تحقق الاستطاعة ولكنها لا تبيّن ان اي شغل يكون عذراً، فلا تتكفل لحال الصغري ولا تعرض لها لحال الموضوع، لان الحكم المعلق على الموضوع غير مبين لحال الموضوع فيلزم اثبات ذلك من الخارج.
ودعوى الاطلاق كما ترى. وانما ثبت النذر في موارد كالحج والضرر والابتلاء بالواجب الاهم كانقاذ نفس محترمة ونحو ذلك. واما كون مطلق الواجبات كالوفاء بالنذر و رد التحية عذراً فهو اول الكلام.
الثالث:
ان رعاية الاضافة الفعلية منه سبحانه في النذر تستدعي كونه محبوباً له تعالى بمقدماته ومقارناته و لا يكفي فيه الرجحان الذاتي، بل لو استلزم المبغوض لم يكن مضافاً اليه سبحانه.
والبحث في ان ايجاب شيء هل يستلزم اعتبار الوجوب لمقدمته او لحرمته هذه بحث عن الامر الاعتباري.
واما البحث في ان الشوق الى شيء مستلزم للشوق الى مقدمته او الى عدم الاتيان بما يضاده ویعانده امر وجداني غير قابل للانكار. والبحث في المقام من قبيل الثاني، فان الحصة من زيارة الحسين(علیه السلام) المستلزمة لترك الحج فاقد للمحبوبيۀ الفعلية فلا تصلح للاضافة منه سبحانه فلا يكون نذره منعقداً.
فان قلت:
لا مناص من الالتزام بكفاية الرجحان الذاتي في النذر مع غض النظر عن مقارناته وملابساته
والا يلزم عدم انعقاد نذر ما يستلزم الوفاء به ترك ما هو الافضل منه كنذر زيارة مسلم ليلة عرفة المستلزمة لترك زيارة الحسين(عليه السلام) ونذر الركعتين من الصلاة في مسجد المحلة المستلزمة لترك الاتيان بها في المسجد الاعظم او الحرم الشريف. او اعطاء درهم للفقير المستلزم لترك الدفع الى ما هو أهم، لان الحصة المستلزمة لترك الاهم لا محبوبية فيها.
قلت:
هذا يفترق مع مورد البحث، فان المحبوبية في ذلك اضعف درجة واقل مرتبة من الفرد الافضل، ولا تكون منتفية من رأسها.
وهذا لا يقاس بما اذا استلزم النذر المذكور ترك الواجب او فعل الحرام، فانه فاقد للمحبوبية من اصلها و غير صالح للاضافة منه سبحانه.
الرابع:
ان على مسلك المشهور ان انشاء الحج غير مشروط بشيء، غايته ان فعليته مشروط بان لا يزاحمه واجب آخر فالشرط على تقدير تسليمه راجع الى مرحلة المجعول دون الجعل واما الجعل فهو مطلق يتعلق بكل مستطيع من غير اي اشتراط.
وعليه فان قيام الواجب الاخر انما يزيل الاستطاعة ويرفعها فيسقط الوجوب عن مقام الفعلية بانعدام موضوعه.
ولكن النذر، فلا يمكنه ذلك اي ازالة الاستطاعة و رفعها لانه ـ بمقتضى كون وجوب الوفاء به امضائياً ـ في مقام جعله مشروط بعدم استلزام العمل به ترك واجب او فعل محرم.
وعليه:
فان وجوب الحج يمنع عن انعقاد النذر وموجب لانحلاله، لانه يصلح لرفع موضوع النذر اعني الالتزام بالمحبوب.
ولا يمكن وجوب النذر رافعاً، لان تعلق الجعل به موقوف على ان يكون قابلاً للاضافة الى الله، بان يتصف بالمحبوبية.
الخامس:
انه لا يقاس الواجب الامضائي بالواجب الابتدائي، لان في الوجوبات الابتدائية يكون كل واجب مقدوراً في ظرف ترك الآخر، فاذا كان احدهما اهم اختص الوجوب به، ولو عصاه وتركه كان الاخر مقدوراً يشمله اطلاق دليله، وهذا هو وجه جريان الترتب فيها.وبالنسبة الى النذر لا يجري الترتب، لان الذي تعلق به النذر قد انحل بمقتضى الاستطاعة اللاحقة، واما غيره فلم يتعلق به النذر ليجب الوفاء به. فانه يلزم ان يكون انعقاد النذر تابعاً لقصده، والنذر المنعقد على نحو الاطلاق ـ اي سواء استطاع او لا ـ قد انحل والوفاء بالنذر على تقدير ترك الحج غير واجب لعدم كونه مقصوداً وليس ذلك الا من جهة كون دليل النذر امضاءً لما التزم الناذر على نفسه بعين قصده.
ولا ينقض ذلك بموارد حكم الشارع بصحته مع عدم تعلق القصد به بتلك الخصوصية:
كما في بيع الصرف او السلم و الهبة، حيث ان الشارع امضاها بشرط التعقب بالقبض، مع كون القصد فيه مطلقا.
وكذا في العقد على بنت الاخ او بنت الاخت او البكر حيث ان الشارع امضاه بشرط اذن العمة والخالة والولي.
وذلك:
لان ذلك كله حكم على خلاف القاعدة قد ثبت بدليل خاص ولم يقم دليل على الصحة في المقام.
وذلك: لان للشارع ان يمضي الانشاء اما مطلقا او مقيداً بقيد آخر من قبض او اجازة ونحوهما.
ولم يقم دليل على الامضاء فيما نحن فيه ونظائره كالاجارة المستوعبة للوقت المستلزمة لترك الفريضة، فانها غير منعقدة لعدم جواز الاجارة على الحرام ومقيداً بكونه على تقدير الترك خارج عن مصب الاجارة.
[1]. وسائل الشيعة (آل البيت)، ج11، الباب 6 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، ص26، الحديث14152/3.
[2]. الشيخ مرتضي البروجردي، مستند العروة الوثقي تقرير البحث السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص157-162.