بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه نود و دو
الرابع:
افاد السيد الخوئي(قدس سره) بان مع تسلم اشتراط الحج بالقدرة الشرعية، فانه يكون غير النذر من الواجبات معذراً شرعياً بالنسبة الى الحج وان وجوبها رافع للاستطاعة لاشتراط وجوب الحج حينئذٍ بعدم المزاحمة.
واما في النذر فكلا، لان مزاحمته فرع صحته وانعقاده وقد عرفت انه منحل وغير منعقد في نفسه، لكونه مشروطاً بان يكون مرتبطاً ومضافاً الى الله ولا تتحقق هذه الإضافة إذا كان محللاً لحرام او محرماً لحلال.
وتمام المشكل في كلامه هو ان وجوب الوفاء بالنذر ما الفرق بينه وبين وجوب الوفاء بالشرط او العهد، فان وجوب الوفاء بالنذر حكم شرعي وهو انما ينفذ ويتنجز بانعقاد النذر ولا نحتاج في انعقاد الا الالتزام بعمل راجح ذاتي لله.
وبمجرد انعقاده يصير وجوب الوفاء فعلياً، فان كان الوجوب في وجوب الوفاء بالشرط رافعاً للاستطاعة فكذلك وجوب الوفاء بالنذر، فان في المقام ليس وجوب الوفاء رافعاً، بل انما يمنع عن تحقق الاستطاعة المتأخرة، فان المفروض على ما مر رجحان النذور ذاتاً وكونه لله وعدم كونه كذلك انما يتبع إرادة الناذر، فلو اتى بالفعل لغير الله لا يتحقق الوفاء في مورده، فلا يبقى الا كونه محللاً للحرام او محرماً للحلال، فانه مع عدم اثر لاشتراطه في ادلة النذر كما افاده نفسه، فان المفروض رافعية وجوب الوفاءحسب الفرض لتحقق الاستطاعة فلا وجوب للحج حينئذٍ حتى كان الوفاء بالنذر موجباً لتفويته.
والقول بانه لو لم يكن نذر لأتى هو بالحج، وقد تكرر ذلك في كلامه وفي كلام استاذه المحقق النائيني(قدس سرهما)؛ فان المانع على ما قالا صرف وجود النذر، وانه لو لم يتحقق لصار الحج واجباً لإمكان تحقق الاستطاعة له.
وهذا لو تم يجري في جميع الواجبات التي لا يتحقق الموضوع له لاشتغال المكلف في ظرفه لواجب آخر، حتى في مثل الحج فانه يجب عليه نفقة عياله، وانه لو لا نفقة عياله لصار مستطيعاً وتمكن من كونه موضوعاً لوجوب الحج، فهل يوجب ذلك منع وجوب النفقة لكونه باعثاً لتفويت الواجب وهل يلتزم به أحد، وهل يلتزم أحد بوجوب الحج حينئذٍ مع اشتغال المال او الظرف بواجب اخر لا يتمكن معه من الحج، وهل يلتزم أحد بتحقق الاستطاعة في هذا المقام.
نعم يحسن الرجاء بذلك، اي رجاء ان لا يشتغل بواجب آخر حتى يتمكن من الموضوعية للحج.
واين هذا من انحلال التكاليف وارتفاع الواجبات بصرف استلزامها لعدم تحقق الاستطاعة.
الخامس:
افاد السيد الخوئي(قدس سره) انه لو عصى الاتيان بالحج، مع فرض وجوبه في المقام، واتى بنذره اي ذهب الى زيارة الحسين (عليه السلام) يوم عرفة، فانه ليس وفاء بنذره الذي فرض انعقاده قبل تحقق الاستطاعة وذلك:
قال:
«الظاهر عدم جريان الترتب في مثل المقام لاختصاصه بالواجبين الحاويين للملاك الفعلي، غايته عجز المكلف عن الجمع بينهما في مقام الامتثال.
وهنا ليس كذلك، لما عرفت من ان وجوب الوفاء بالنذر ليس حكماً ابتدائياً بل بتبع ما انشأه الناذر وامضاء لما التزم به لا بشيء آخر خارج عن مركز التزامه»
وافاد بعد هذه المقدمة:
«ومن البين ان الناذر لم يكن له الا التزام واحد وهو المبيت عند الحسين ليلة عرفة على سبيل الاطلاق اي سواء استطاع ام لا.
وهذا الالتزام منحل وغير منعقد بمقتضى الاستطاعة اللاحقة حسبما عرفت.
واما التزام آخر وهو المبيت عنده (عليه السلام) على تقدير ترك الحج فلم يصدر منه حسب الفرض لكي ينعقد النذر ويجب الوفاء به على سبيل الترتب.
فما صدر منه لم ينعقد وما هو قابل للانعقاد لم يصدر منه حسب الفرض.
نعم، لو كان مصب نذره من بادي الامر هكذا، اي ان يزور الحسين (علیه السلام) على تقدير ترك الحج وعصيانه، وحصل المعلق عليه صح نذره وقتئذٍ وكان من باب الترتب»[1]
وفيه:
ان المفروض في المقام: انه نذر ان يزور الحسين (علیه السلام) يوم عرفة من غير ان يخطر بباله انه يستطيع بعد ذلك للحج او لا، لان المفروض اتفاقية تحقق الاستطاعة بعد نذره، فلو علم بتحققه فربما يمنع عن انعقاد النذر من اساسه وليس الاطلاق، بمعنى تحقق الاستطاعة بعده او عدم تحققه، في فرض امكانه داخلاً في حقيقة الالتزام النذري، فان وجوب الوفاء حتى لو كان امضاء لالتزام الناذر كما ادعاه (قدس سره) فان المراد منه الالتزام النذري الذي ينعقد به النذر وهو الالتزام بإتيان فعل راجح لله، واما غير ذلك من نسبة التزامه مع مقارناته او ما ربما يتفق بعد ذلك من شرائط الواجبات فهو غير داخل في الالتزام النذري بأجمعها.
وكذا ان عنوان التعليق اي تعليق التزامه على تقدير ترك الحج، فهو ايضاً غير داخل في الالتزام النذري، فانه ظرف الاتيان به، فتارة يكون ظرف اتيان النذر ترك واجب آخر، وتارة يكون ظرفه عدم تركه والظرف للإتيان غير داخل في متعلق الالتزام.
بل ربما يقال: انه لو نذر ذلك على نحو الشرط بانه ان ترك الحج عمداً لاتي بزيارة الحسين يوم عرفة وقرر على نفسه ذلك بالالتزام النذري، لما انعقد نذره لاشتراط متعلقه بأمر محرم وما يبتني على الحرام ليس راجحاً.
هذا مع ان في باب الترتب كان اساس البحث على احياء الامر بالواجب عند العزم على عصيان الواجب الاهم، وان شئت قلت فعلية الامر به بعد سقوطه عن الفعلية لمزاحمته بالواجب الاهم في مقام الامتثال.
وفي المقام ان الامر بوجوب الوفاء قد سقط ـ حسب ما صوره (قدس سره)ـ عن الفعلية بمقتضى فعلية الامر بالواجب الاهم، فاذا عصاه لصار الامر به فعلياً ومعه يتحقق الوفاء إذا اتى بنذره.
وفي مثل المقام ان قلنا بانحلال النذر بمقتضى تحقق الاستطاعة المتأخرة كما التزم به (قدس سره) فلا موضوع للترتب، لان موضوعه سقوط فعلية الامر بالمهم لفعلية الامر بالاهم في مقام التزاحم.
وان قلنا بان المورد داخل في موضوع الترتب ولو على نحو الذي صوره، فانه يكشف عن عدم انحلال النذر بتحقق الاستطاعة، بل لا يتفق هنا الا سقوط الامر بالوفاء عن الفعلية وهو ينافي ما ادعاه من عدم كون المورد صغرى التزاحم.
كما انه لا شبهة في ان بناءً على التزاحم، فصار المورد موضوعاً للترتب ولا ينافي ذلك ما ادعاه من كون النذر موجباً لتفويت الواجب فلا يمكن اضافته الى الله، وذلك لان الصلاة ايضاً يجب اتيانها اضافة الى الله بلا فرق في ذلك مع النذر ولا شبهة في صحة الصلاة إذا عصى وجوب أداء الدين.
لفعلية الامر بالصلاة بعد عصيان الاهم.
والعجب انه أجري عين البحث في مورد الاجارة وافاد:
«ومن هذا القبيل ما لو آجر نفسه للنيابة في الحج في هذه السنة فاستطاع فانه يجب عليه حينئذ الحج عن نفسه، فلو خالف وحج عن غيره لا يمكن تصحيحه بحيث يستحق الأجرة بنحو الترتب.
لان مورد الإجارة الحج في هذه السنة مطلقا سواء استطاع ام لا.
وهذا لم يتم له لكشف الاستطاعة اللاحقة عن بطلان هذه الاجارة لعدم انعقادها على الحرام.
واما كونه اجيراً على تقدير العصيان وعدم الحج عن نفسه فهذا لم يقع مورداً لعقد الاجارة حسب الفرض.
فالحج المزبور وان كان صحيحاً عن الغير عملاً بإطلاقات ادلة النيابة بعد امكان الترتب، ولكن لا يستحق شخص الاجرة المسماة في عقد الاجارة لما عرفت من ان المسمى لم ينعقد وغيره لم يجر عليه العقد.»[2]
وفيه:
اولاً: ان الإجارة يمنع بتحققها عن الاستطاعة اللاحقة كما مر في كلام المحقق النائيني، فان المفروض فيها كون عمله في أشهر الحج مملوكاً للغير فلا يقدر على الاتيان بالحج ولذلك لا تتحقق له الاستطاعة ولو مع حصول ما يكفي للحج له من المال، وهذا اما التزم به المشهور.
وثانياً:
ان موضوع عقد الاجارة تمليك المنفعة بالعوض، ومع انشائه تحقق الاجارة واما كون الاجير كان تمليكه المذكور مستلزماً لترک واجب او غير ذلك فليس دخيلاً في الاجارة وكذا كونه حين تملیك المنفعة قاصداً للاطلاق بان كان نظره الى تمليك المنفعة سواء تحققت له الاستطاعة ام لا، فغير داخل في مفاد عقد الاجارة وما تنعقد به الاجارة، وكذلك كون بنائه على التمليك اذا عصى ما كان واجباً عليه، لو لم نقل ببطلان الاجارة حينئذ بالتعليق.
ومعه فان مع انعقاد الاجارة، فانه ليس للاجير الا الحكم الوضعي وهو كون عمله مملوكاً للغير ويجب عليه العمل بالتزامه وضعاً لا تكليفاً، فلو عصى فانه ليس له غير عدم مالكيته للعوض.
نعم، ان في استئجار الحج فانما يتعلق بالاجير الامر التكليفي المتعلق بالمستأجر وهذا الامر في فرض مزاحمته مع الواجب الأهم وهو وجوب الحج عليه بمقتضى الاستطاعة يسقط عن الفعلية، لو امكن فرض وجوب الحج على نفسه بفرض تحقق الاستطاعة.
فلو عصى الامر بالأهم، فلا مانع من فعلية الامر بالمهم وهو الامر بالحج استئجاراً ولا محذوراً فيه وانما يصح حجه عن غيره ويستحق اجرته بمقتضى عقد الإجارة، واطلاقات النيابة انما تدل عليه وفقاً للقاعدة.
اذا عرفت هذا،
[1]. الشيخ مرتضي البروجردي، مستند العروة الوثقي تقرير البحث السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص156.
[2]. الشيخ مرتضي البروجردي، مستند العروة الوثقي تقرير البحث السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص156-157.