بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هشتاد و سه
ويمكن ان يقال:
ان ما افاده (قدس سره) من عدم كون المورد من موارد التقييد وحمل المطلق على المقيد متين على ما حقق في محله:
مضافاً الى ان اللام في قوله: «بان يكون له زاد وراحلة» انما يكون ظاهراً في الاختصاص، ومن اظهر مصاديقه الملكية، واما الاباحة انما يكون من مصاديقه ايضاً خصوصاً اذا كانت لازمة، والتمكن من الزاد والراحلة كما يتحقق بالملكية كذلك يتحقق بالاباحة.
واما ما أفاده من عدم الوجه لكون الاباحة لازمة فهو راجع الى ما افاده (قدس سره) سابقاً من كفاية الملكية المتزلزلة وقد مر هناك عدم كفايتها، لأن التمكن من الزاد والراحلة وهو معنى الاستطاعة انما يتحقق اذا لم يكن على ما عنده يد الغير من حيث التصرف بالرجوع او الخيار وامثاله. وهذا الكلام يجري بعينه في الاباحة، فانها اذا كانت قابلة للرجوع لا يتحقق معه التمكن المحقق للاستطاعة حسب مامر تفصيله فما افاده السيد الخوئي (قدس سره) في المقام وكذا في حاشيته من أن الظاهر هو كفاية الاباحة غير اللازمة لا تتم المساعدة عليه، وما افاده صاحب العروة في المتن هو الوجه.
قال صاحب العروة:
مسالة 31: لو أوصى له بما يكفيه للحج فالظاهر وجوب الحج عليه بعد موت الموصى خصوصا إذا لم يعتبر القبول في ملكية الموصي له، وقلنا بملكيته ما لم يرد، فإنه ليس له الرد حينئذ.[1]
وظاهره: انه لو اوصى أحد بإعطاء مال الاخر يكفيه للحج ومات، فانه يجب عليه الحج لتحقق الاستطاعة له بذلك كما في المسالة السابقة أي اباحة ما يكفيه للحج لازماً.
هذا ولكن وجوب الحج في هذا المقام يتوقف على عدم اعتبار القبول في الوصية، فلو قلنا باعتباره كما هو المشهور فانه لا يتم وجوب الحج لعدم تحقق الاستطاعة الا مع قبول الوصية.
واحتمل صاحب العروة عدم اعتبار القبول وكفاية عدم الرد، فان بعد عدم رد الوصية في حياة الموصي لا وجه لرده بعد موته كما انه ربما يقع الكلام في الوصية بانه اوصى له بمصارف حجه، او اوصى له بإعطاء ما يكفي للحج له، فان في الأول يندرج المورد في البدل لان الموصي بذل له الزاد والراحلة بعد موته، ولا يعتبر القبول في البذل الا في بعض موارده؛ واما في الثاني فهو يكون كالهبة ولا يجب قبوله.
قال المحقق النائيني(قدس سره) بعد قول صاحب العروة: «فالظاهر وجوب الحج عليه بعد موت الموصي.»
«بناءً على توقف الملك في الوصية على القبول كما هو الأقوى وعليه المعظم فعدم الوجوب ظاهر.
نعم، لو قيل بكون الوصية كالميراث مملكاً قهرياً اتجه الوجوب بموت الوصي، لكنه من الشذوذ والضعف بمكان.»
وافاد السيد الاصفهاني (قدس سره): « بناء على اعتبار القبول الظاهر عدم الوجوب قبله نعم لو أوصى له بذلك ليصرف في الحج فالظاهر وجوب القبول ووجوب الحج عليه لكونه من الاستطاعة البذلية ولعل مراد الماتن هذه الصورة»
وافاد المحقق العراقي (قدس سره): «في الاكتفاء بمجرد ذلك مع فرض اعتبار القبول اشكال، فلا يجب حينئذ قبوله ليستطيع كما هو الظاهر.»
وافاد السيد البروجردي: « لا وجه للوجوب بناء على القول باعتبار القبول في الوصية التمليكية. نعم، إن أوصى له بمصارف حجه إن أراد الحج وبذله إليه الوصي وجب عليه بالاستطاعة البذلية بلا حاجة إلى قبوله.»
وأفاد السيد الخوانساري(قدس سره): «لا وجه للوجوب بناء على القول باعتبار القبول في الوصية التمليكية.»
وافاد السيد الخوئي(قدس سره): «اما بناءً على القول بان الوصية المزبورة من قبيل الايقاعات، ولا تحتاج الى القبول، غايته ان الموصي له له الرد رعاية لسلطنة الناس على اموالهم كما هو الاصح، ويعضده ماورد من ان الموصى له لو مات قبل القبول وفي زمان حياة الموصي انتقل الى ورثته وكان لهم الرد الكاشف عن تحقيق الملكية، والا لم يكن مجال للانتقال. فالأمر على هذا المبنى ظاهر، ضرورة صدق الاستطاعة بعد فرض حصول الملكية، وليس له الرد حينئذ اذ لا يسوغ له تفويت الاستطاعة بعد حصولها كما تقدم.
واما على القول بانها من قبيل العقود وتتوقف الملكية فيها على القبول فيشكل وجوب الحج حينئذ، اذ لا استطاعة قبل تحقق القبول ووجوبه تحصيل لها غير الواجب عليه، فحكم هذه الوصية حكم الهدية في عدم كونها محققاً للاستطاعة قبل الاقتران بالقبول.
فما يظهر من المتن من حصول الاستطاعة على هذا القول ايضاً لايمكن المساعدة عليه بوجه.
ويحتمل بعيداً ان يكون مراده الوصية بالبذل، حيث ان البذل موجب للاستطاعة من غير توقف على القبول كما نطقت به النصوص على ما تقدم.
وسيجيئ ان شاء الله تعالى، ولا فرق بين البذل الصادر من الحي او الميت بمقتضى اطلاق الأدلة.
لكن هذا الاحتمال بعيد عن سياق العبارة كما عرفت، لكونه بصدد بيان فروع الاستطاعةالحاصلةبالملك دون البذل.»[2]
والتحقيق:
انه افاد صاحب العروة (قدس سره) في مسالة (1) من كتاب الوصية:
« الوصية العهدية لا تحتاج إلى القبول وكذا الوصية بالفك كالعتق، وأما التمليكية فالمشهور على أنه يعتبر فيها القبول جزءا، وعليه تكون من العقود أو شرطا على وجه الكشف أو النقل فيكون من الإيقاعات.
ويحتمل قويا عدم اعتبار القبول فيها بل يكون الرد مانعا، وعليه تكون من الإيقاع الصريح.
ودعوى أنه يستلزم الملك القهري - وهو باطل في غير مثل الإرث - مدفوعة بأنه لا مانع منه عقلا، ومقتضى عمومات الوصية ذلك، مع أن الملك القهري موجود في مثل الوقف. »[3]
ومنه يستفاد ان مراده في المقام يمكن ان تكون هي الوصية التمليكية، وحيث انه يراها ايقاعاً غير محتاج الى القبول وعبر عنه بانه يحتمل قوياً وذكر هناك ان المانع هو الرد، فلا محالة ان مع عدم ردها فإنما تحقق له الاستطاعة بمجرد موت الموصي ويجب الحج ولا يمكنه ردها بعد موته.
[1]. العروة الوثقي (المحشي)، ج4، ص 392.
[2]. الشيخ مرتضي البروجردي، مستند العروة الوثقي تقرير البحث السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص150-151.
[3]. العروة الوثقي (المحشي)، ج5، ص 643-645.