بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هشتاد
وما افاده الشيخ (قدس سره) بتفصيله وإن ربما اورد عليه بعدم ابتناء عدم المنجزية في بعض ما افاده من الأمثله علي الخروج عن الابتلاء، كما ذكره المحقق الاشتياني في الشرح وغيره الا ان المهم فيه أمران:
الأول: في وجه عدم منجزية العلم الاجمالي فيما اذا خرج بعض اطرافه عن محل الابتلاء، وهو اختصاص النواهي بحكم العقل والعرف بمن يعدمبتلى بالواقعة المنهي عنها ويعد خطاب غيره بالترك مستهجناً، لأن غير المبتلى تارك للنهي عنه بنفس عدم ابتلائه من غير حاجة الي نهيه.
نعم: يحسن خطابه علي وجه التقييد بصورة الابتلاء، فإن التقييد المذكور يخرج الخطاب عن الاستهجان.
الثاني:
ان في صورة الشك في خروج بعض الاطراف عن محل الابتلاء، افاد بأنه يحتمل فيه امران:
1 – الرجوع الي البرائة، لأن مع الاشتباه لايعلم المكلف بتنجيز التكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعي.
وبعبارة اخري:
ان مع الشك في حسن التكليف التنجيزي عرفاً بالاجتناب وعدم حسنه الا معلقاً يكون المرجع هو البرائة من التكليف المنجز، كما هو المقرر في كل ما شك فيه في كون التكليف منجزاً او معلقاً علي امر محقق العدم او علم التعليق علي امر لكن شك في تحققه، او كون المتحقق من افراده.
2 – ان الخطابات الواقعة بالاجتناب عن المحرمات مطلقاً غير معلقة، والمعلوم تقييدها بالابتلاءفي موضع العلم بتقبيح توجيهها من غير تعلق بالابتلاء، وإذا شك في قبح التنجيز فيرجع الي الاطلاقات.
فمرجع المسألة الي:
ان المطلق المقيد بقيد مشكوك التحقق في بعض الموارد ـ لتعذر ضبط مفهومه علي وجه لايخفي مصداق من مصاديقه كما هو الشأن في اغلب المفاهيم العرفية ـ هل يجوز التمسك به اولا.
والاقوي الجواز، فيصير الأصل في المسألة وجوب الاجتناب.
وأفاد قدس سره بأن الأمر الاول ليس بأولي من الثاني.
كما ايد الاول بصحيحة علي بن جعفر المتقدمة، حيث المستفاد منها كون الماء وظاهر الاناء من قبيل عدم تنجز التكليف، فيكون ذلك ضابطاً في الابتلاء وعدمه لبعد حملها علي خروجه عن قاعدة الشبهة المحصورة لأجل النص.
هذا كما ان ظاهر الشيخ اختصاص البحث بالنواهي، وقدمر من صاحب الكفاية تعميم البحث بالأوامر ايضاً بلافرق بينها وبين النواهي.
وهنا بحثان:
الأول: ان الخروج عن محل الابتلاء هل يوجب سقوط العلم الاجمالي عن التنجيز ام لا؟
والوجه العمدة لسقوطه في كلام العلمين لزوم امكان الانبعاث وجعل الداعوية في التكليف، وإن مع عدم امكانه لكان توجيه الخطاب لغواً او تحصيلاً للحاصل او مستهجناً كما صرح به الشيخ.
وربما اورد علي ما افادهما بوجوه نقضاً وحلاً.
الأول:
النقض بصحة خطاب العصاة من المسلمين، فإن المولي مع علمه بعدم انبعاث العبد وانزجاره فإنما يوجه الخطاب اليهم.
وكذلك النقض بصحة تكليف الكفار بالفروع.
وكذا عدم قبح تكليف غالب المكلفين خصوصا ارباب المردات، ونهيهم عن بعض المحرمات كأكل الحشرات والقاذورات وكشف العورة مع ان دواعيهم مصروفة عنها.
وكذا امرهم بالانفاق علي الزوجة والأولاد ونحوه مما يكون بناءهم علي العمل به.
الثاني:
ما افاده المحقق الاصفهاني قدس سره في حاشيته بما محصله:
«أن حقيقة التكليف ليست هي جعل الداعي الفعلي إلى الفعل والترك حتى يستحيل في فرض وجود الداعي النفساني، بل هي جعل ما يمكن أن يكون داعيا بحيث لو انقاد العبد للمولى لانقدح الداعي في نفسه بدعوة البعث والزجر، وغاية ما في عدم الابتلاء بالمتعلق هو عدم وجود الداعي له، ولكنه غير مانع من جعل الداعي الامكاني، ولولاه لم يصح توجيه الخطاب إلى العاصي، فإنه لا داعي له إلى الامتثال بل له الداعي إلى الخلاف.
ولو بطل التكليف مع عدم الداعي الفعلي للزم بطلان النهي لمن لا داعي له حتى إذ كان المتعلق محل ابتلائه. وليس كذلك قطعا، لصحة التكليف في الفرض. فتمام المناط هو إمكان الدعوة، ولا معنى للامكان الا الذاتي والوقوعي، فيجتمع مع الامتناع بالغير أي بسبب حصول العلة فعلا أو تركا من قبل نفس المكلف. وبهذا يرتفع محذور اللغوية وطلب الحاصل.
ويبقى محذور الاستهجان العرفي، وقد دفعه بما حاصله: عدم ارتباط حقيقة التكليف بالعرف بما هم أهل العرف، إذ مدار صحة الخطاب على حسنه العقلي، ومرجعية العرف انما هي في فهم الخطاب الملقى إليهم، و تعيين حدود مفهوم متعلقه، ومن المعلوم أن العقل بمجرد قدرة العبد يحكم بحسن الخطاب وان كان بعض الأطرافخارجا عن محل الابتلاء.»[1]
الثالث:
ما ذهب اليه في تهذيب الأصول.
ان قبح التكليف بما هو الخارج عن ابتلاء المكلف انما هو في الخطابات الشخصية المتوجهة الىآحاد المكلفين.
كما اذا خوطب زيد و عمرو بوجوب الاجتناب عن الخمر الموجود في بلاد الكفر، وأما الاحكام الشرعية الكلية التي هي مجعولة علي جميع المكلفين نظير القوانين العرفية المجعولة لحفظ النظام، فليس فيها الاخطاب واحد قانوني يعم جميع المكلفين المختلفين بحسب الحالات والعوارض.
فلايصرح في صحة خطاب (يا ايها الذين امنوا) و(يا ايها الناس)عجز بعضهم عن الامتثال، فالحكم في حق الجميع غير ان العجز والجهل عذر عقلي مانع عن تنجز التكليف في حق العاجز والجاهل.
فالملاك في صحة الخطاب صلوحه لبعث عدد معتدبه لاتمامهم، والاستهجان انما يلزم لوعلم المتكلم بعدم تأثير ذلك الخطاب العام في كل المكلفين، وعليه فلاتتقيد التكاليف الشرعية بالدخول في محل الابتلاء.
[1]. الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني، نهاية الدراية في شرح الكفاية، ج 4، ص364-365.