بسم الله الرحمن الرحيم
جسله هفتاد و نه
قال صاحب العروة:
مسألة 28:
يشترط في وجوب الحج بعد حصول الزاد والراحلة بقاء المال إلى تمام الأعمال، فلو تلف بعد ذلك ولو في أثناء الطريق كشف عن عدم الاستطاعة. وكذا لو حصل عليه دين قهرا عليه، كما إذا أتلف مال غيره خطأ، وأما لو أتلفه عمدا فالظاهر كونه كإتلاف الزاد والراحلة عمدا في عدم زوال استقرار الحج. 1
افاد السيد الخوئي (قدس سره):
«اذ الاستطاعة شرط لوجوب الحج الذي هو اسم لتمام الاعمال، فلابد من بقائها واستمرار ها الي نهايتها، فهي شرط في البقاء كالحدوث بمناط واحد.
ونتيجة ذلك:
انه لو تلف الزاد او الراحلة بعد حصولهما و لوفي اثناء الطريق او اثناء العمل بحيث لا يتمكن من اتمام العمل عن الاستطاعة كشف ذلك عن عدم الاستطاعة من اول الامر.»2
كما انه افاد في ذيل قول صاحب العروة (قدس سره): «وكذا لو حصل عليه دين قهراً، كما اذا اتلف مال غيره خطاً...».
«فيجري عليه حكم الدين بشوقه المتقدمة من انه قد يكون حالاً مطالباً او غيره واخري موجلاً يثق بادائه أو لا.
وقد تقدم ان الدين بنفسه لا يكون مانعاً عن الاستطاعة الا مع المزاحمة المختصة ببعض الفروض فيتقدم الدين حينئذ لكونه اهم كما تقدم.
هذا في الاتلاف خطاً. واما الاتلاف عمداً فلا ينبغي الشك في انه كاتلاف نفس الزاد والراحلة عامداً موجب لاستقرار الحج لعدم جواز تقويت الاستطاعة بعد فعلية التكليف وان كان الواجب متاخرا.
وبالجملة: ان لم تكن مزاحمة قدم الحج والا قدم الدين مع الالتزام باستقرار الحج لدي الاتلاف العمدي.»3
ويمكن ان يقال:
انه قدمر ان الاستطاعة تتحقق بالتمكن الفعلي من الزاد والراحلة وكل ما يحتاج اليه حتي يعود الي موطنه مضافاً الي ما يحتاج اليه في معاشه الضرورية.
وعليه فلو اتفق انتفاء تمكنه في اثناء الطريق، او في حال الاشتغال بالاعمال بحيث لا يتمكن من الاتمام، فلا تتحقق الاستطاعة وان تخيل تحققها. هذا مما لا كلام فيه.
وكذا انه لو اتلف تمكنه عمداً فانما يستقر الحج علي ذمته لمامر من لزوم التحفظ علي ما حصل له من الاستطاعة.
ومثله ما لو اتلف مال الغير عمداً الموجب لضمانه بحيث لا يمكن منه الا بصرف مؤونة الحج فيه.
وهذا ايضاً لا كلام فيه وقدمر بحثه.
انما الكلام فيما اذا اتفق تلف ما عنده بعد وصول الي مكة وبعد الاحرام او حين الاعمال واتي بحجه ولو متسكعاً، فهل يعد حجه حجة الاسلام أو لا؟
فربما يقال: انه لو احرم بنية حجة الاسلام، او بوصف كونه مستطيعاً ولا يستلزم الاتمام الحج بالنسبة اليه، لكان ما اتي به حجة الاسلام، وذلك لانه يلزمه الخروج من الاحرام خصوصاً اذا احرم باحرام الحج، ولا دافع لهذا اللزوم الا الحرج ومعه فلو اتي بالاعمال ولو متسكعاً ولكن لا علي حد لزوم الحرج لايبعد القول بكونه من حجة الاسلام، لانه بدء بالعمل مستطيعاً وبنية حجة الاسلام.
فلو امكنه اتمام الاعمال بوجه يشكل عدم عده من حجة الاسلام.
نعم، بعد الاحرام بعمرة التمتع لو اتفق تلف ما عنده من الزاد ولايتمكن بعده من اتمام التمتع والاحرام بالحج فبما انه يمكنه تبديل عمرته بالمفردة، فان كاشفية تلف ما عنده عن عدم استطاعته ينافي ان يعد حجه من حجة الاسلام، وان كان لا يبعد ذلك لمامر؛ وان كان يقتضي الاحتياط الاتيان بحجة الاسلام بعد ذلك، لو اتفق له حصول الاستطاعة.
وسياتي تتمة ذلك في المسالة اللاحقة.
قال صاحب العروة (قدس سره)
مسالةه 29:
إذا تلف بعد تمام الأعمال مؤنة عوده إلى وطنه أو تلف ما به الكفاية من ماله في وطنه بناء على اعتبار الرجوع إلى كفاية في الاستطاعة، فهل يكفيه عن حجة الإسلام أو لا ؟
وجهان، لا يبعد الإجزاء، ويقربه ما ورد من أن من مات بعد الإحرام ودخول الحرام أجزأه عن حجة الإسلام، بل يمكن أن يقال بذلك إذا تلف في أثناء الحج أيضا. 4
ومحصله: انه اذا تلف مؤوونةه العود بعد تمام الاعمال او ما به الكفاية في ماله في وطنه فهل يكفي ما اتى يبه عهن حجة الاسلام ام لا؟
فنفي البعد عن كفايته.ة
وذكر بعنوان وجه التقريب ما دل على الكفاية عن حجة الاسلام لمن مات بعد الاحرام ودخول الحرم.
وهذا وافاد السيد الحكميم (قدس سره) في تقريبه:
«كما قطع به في المدارك. قال ( ره ):
" فوات الاستطاعة - بعد الفراغ من أفعال الحج - لم يؤثر في سقوطه قطعا، وإلا لوجب إعادة الحج مع تلف المال في الرجوع، أو حصول المرض الذي يشق السفر معه، وهو معلوم البطلان... ".
وقريب منه ما في الذخيرة.
لكن في الجواهر: " قد يمنع معلومية بطلانه، بناء على اعتبار الاستطاعة ذهابا وإيابا في الوجوب.. ".
وهو في محله بالنظر إلى القواعد المتقدمة، فإنما يحتاج إليه في الإياب إذا كان دخيلا في حصول الاستطاعة، يكون فقده موجبا لانتفائها من أول الأمر. فالاجزاء لابد أن يكون قبيل إجزاء غير الواجب عن الواجب، وهو محتاج إلى دليل يوجب الخروج عن القواعد. ولا سيما وأن المكلف إنما نوى حج الاسلام، فإذا لم يصح لم يصح غيره، لأنه لم ينوه. فالبناء على الاجزاء فيه مخالفة للقواعد من جهتين:
من جهة صحة العمل ولم ينوه، لأنه لم ينو غير حجة الاسلام، ومن جهة إجزائه عن حج الاسلام، والدليل عليه غير ظاهر.
نعم، سكوت النصوص عن التعرض لذلك، مع كثرة الطوارئ الحادثة في كل سنة على بعض الحجاج - من مرض، وتلف مال، ونحو ذلك مما يوجب زوال الاستطاعة - مع الغفلة عن ذلك، وارتكاز المتشرعة على صحة الحج، ربما يكون دليلا على الاجزاء.
لكن لو تم ذلك لم يكن فرق بين زوال الاستطاعة بعد تمام الأعمال وفي أثنائها وقبلها، لاشتراك الجميع فيما ذكرنا، فإن تم تم في الجميع، والتفكيك غير ظاهر.
اللهم إلا أن يقال ما دل على اشتراط الزاد والراحلة في حجة الاسلام إنما يدل على اعتبار ذلك في الذهاب ولا يشمل الإياب، واشتراط ذلك في الإياب إنما كان بدليل نفي الحرج ونحوه، وهو لا يجري في الفرض لأنه خلاف الامتنان.
هذا إن أمكن الاعتماد عليه، والتعدي عن مورده، كان اللازم البناء على الاجزاء إذا تلفت الاستطاعة بعد الاحرام ودخول الحرم، فإذا لم يمكن الاعتماد عليه في ذلك لم يكن مقربا للمدعى.» 5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. العروة الوثقي (المحشي)، ج4، ص 390.
2. الشيخ مرتضي البروجردي، مستند العروة الوثقي تقرير البحث السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص144-145.
3. الشيخ مرتضي البروجردي، مستند العروة الوثقي تقرير البحث السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص145.
4. العروة الوثقي (المحشي)، ج4، ص 391.
5. السيد محسن الحكيم، مستمسك العروة الوثقي، ج10، ص115-116.