بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هفتاد دو
والتحقيق:
ان العبادة كما مر في كلام السيد الخوئي انما يتوقف تحققها على الاتيان بطبيعة المأمور به مع اضافته الى المولى. وهذا يكفي في تحقق العبادية. والحج فعل عبادي لا يخلو امره عن هذا المعيار.
والمهم في هذا المقام انه لا فرق بين الحج الواجب والحج المندوب ماهية، بل كلاهما طبيعة واحدة لا تفاوت بينهما بحسب الذات والماهية.
وانما الفارق بينهما ظرف اتيانه، فان حجة الاسلام هي الحج الصادر عن المستطيع مرة واحدة في عمره، وظرف وجوبه الفعلي السنة الاولى من الاستطاعة وان تركه لعذر فيها فالسنة الثانية وهكذا.
وهذا الظرف ذات تشخص في نفسه، والحج الواقع فيه هي حجة الاسلام.
والحج الواقع في غيره كالحج الصادر منه بعد اتيانه بحجة الاسلام هو الحج المندوب.
وعليه فان انطباق ما صدر منه على ما وجب عليه من حجة الاسلام لا يحتاج الى اكثر من اتيانه في الظرف المزبور.
وعليه فلا يحتاج انطباق ما صدر عنه على حجة الاسلام الى القصد ـ اي قصد الاتيان بالواجب ـ او قصده الاتيان بحجة الاسلام.
كما ان من صلى بعد تحقق الزوال اربع ركعات بعنوان الواجب ينطبق عليه عنوان الظهر ولا ينطبق عليه عنوان العصر. وانما يصح منه ظهراً لتحقق التشخص فيها بظرف اتيانه، فان اتى بأربعة بعد الاتيان بأربعة فانما ينطبق عليه عنوان العصر وان لم يقصده.
نعم، فيما لا تميز ولا تشخص فيها من العبادات الواجبة والمندوبة، لكان يتحقق التميز والتشخص بالقصد، كما في مثال نافلة الفجر وصلاة الفجر.
ولكن في مثلهما ايضاً لو نذر أخر الاتيان بالنوافل، وكان متعارفه الاتيان بركعتين دائماً بعنوان نافلة الفجر ثم الاتيان بصلاة الفجر، فاذا اتى بالركعتين بمجرد دخول الفجر فانما ينطبق عليه عنوان النافلة وان لم يقصدها لحصول التميز فيها بظرف اتيانها منه بعد نذره وتعارفه في ذلك.
وينطبق عنوان الفريضة على ما اذا اتى بركعتين بعد ركعتين وان لم يقصد الفريضة، بعين الملاك.
ولا فرق بين مورد الحج ومورد فريضة الفجر ونافلتها غير ان التشخص بمقتضى ظرف الاتيان في فريضة الفجر او نافلتها حسب مامر فرض نادر واما بالنسبة الى الحج لا محذور فيه وان التشخص فيه يتحقق حسب مقتضى الادلة، لانه ليس مطلقاً الى اكثر من الاتيان بالحج ـ اي طبيعة الحج ـ في ظرف وجوبه ـ اي ظرف استطاعته ـ وان كان مشتبها بحسب القصد او من جهة تحقق الاستطاعة، وقدمر عدم دخل العلم ولا التذكر في الاستطاعة العرفية، وانما يكفي في مورده الاتيان بالحج قربياً في الظرف المزبور.
ومنه ظهر ان ما افاده السيد الحكيم (قدس سره) من تنزيل مورد الحج بمورد فريضة الفجر ونافلتها في غير محله لعدم المغايرة الذاتية بين افراد طبيعة الحج، ولايحتاج فيها الى التمسك بمرآتية فرد لفرد آخر او تصوير النسبة بينهما بالاقل والاكثر فضلاً عن التباين.
كما ظهر تمامية ما افاده السيد الخوئي (قدس سره) في هذا المقام من عدم قابليته للتقييد وعدم ترتب اثر له بخلاف ما افاده هناك في ذيل مسألة 9 من تصوير التقييد كتصوير الخطأ في التطبيق في المقام.
كما قد ظهر:
ان ما افاده صاحب العروة (قدس سره) في ذيل المسألة من أنه لو علم باستطاعة وتخيل عدم فورية الحج الواجب واتى به بقصد الأمر الندبي فلا يجزي عنه بعنوان حجة الاسلام.
لا يمكن المساعدة عليه:
لمامر من كفاية الاتيان بطبيعة الحج في ظرف وجوبه وان لم يقصده او لم يتوجه اليه والحج الصادر من المكلف في مفروض المسألة حجٌ صادرٌ في ظرف استطاعة، غيرُ مسبوقٍ بما ينطبق عليه حجة الاسلام فهو اول حج اتى به بعد استطاعته.
وليس في مورد الا قصده الامر الندبي وهو لا يضر لعدم دخل القصد في تحقق العنوان بعد كفاية تشخيصه بمامر من ظرف الاتيان وهذا ما نرى القول بالإجزاء فيه من جميع من الاعلام معللاً بكونه من موارد الخطأ في التطبيق كالسيد الفيروز آبادي والسيد محمد تقي الخوانساري وغيرهم (قدس سره اسرارهم)
ثم ان السيد الخوئي (قدس سره) التزم بعدم الاجزاء في المقام بوجه آخر غير ما استدل به صاحب العروة (قدس سره):
قال في ذيل قول صاحب العروة:
«واما لو علم بذلك ـ اي بتحقيق الاستطاعة ـ وتخيل عدم فوريتها فقصد الامر الندبي فلا يجزي لرجوعه الى التقييد.»
قال:
«لا لذلك، بل لان الامر الفعلي لم يقصد وانما قصد الامر الندبي المترتب على مخالفة الامر الفعلي.»
وافاد في التقريرات:
«لا لما علله في المتن من رجوعه الى التقييد لما عرفت آنفاً من انه لا اثر لتقييد في امثال المقام،
بل لأجل انه مع الالتفاوت الى الاستطاعة وتوجه الامر الوجوبي اليه فقصده الامر الندبي والحال هذه قصد حجة اخرى مغايرة مع حجة الاسلام وان كان منشأه تخيل عدم الفورية.
ولا شك ان تلك الحجة مأمور بها ايضاً بامر واقعي لكن لا في عرض الامر بحجة الاسلام بل في طوله وبنحو الخطاب الترتبي.
حيث انه غير مشروط بعصيان الأهم بل بمجرد تركه ولو عن عذر والتعبير عن الشرط بالعصيان على ما هو المتداول في الألسن مبني على الغلبة لا خصوصية فيه.
وقد ذكرنا في الاصول ان مجرد الاذعان بامكان الترتب كاف في التصديق بوقوعه بمقتضى إطلاقات الادلة فيؤمر في المقام بحجة الاسلام اولا وعلي تقدير تركها فبالحج الندبي.
ومن ثم لو حج المستطيع نيابة يحكم بصحة النيابة وان كان آثماً في ترك حج نفسه مع إلتفاته.
وعليه فهذا الحج الندبي الصادر منه وان كان صحيحاً بمقتضى الامر الترتبي على ماعرفته الا انه طبيعة اخرى مغايرة لحجة الاسلام ولا دليل على اجزائه عنه بوجه كما هو ظاهر جداً.
ومما ذكرنا يتضح لك الفرق الواضح بين هذه الصورة وبين الصورتين السابقتين المذكورتين في المتن اعني ما لو حج ندباً معتقداً عدم الاستطاعة او غافلاً عنها، حيث حكمنا فيها بالاجزاء عن حجة الاسلام حتى مع القصد بنحو التقييد بخلاف المقام.
اذ بعد ان لم يكن معنى معقولاً للتقييد حسبما تقدم فمرجع قصده الى قصد الامر الفعلي غير انه اشتبه في التطبيق فتخيل انه استحبابي فقصده، وقدعرفت ان هذا غير ضائر بتحقيق العبادة.
وبما ان الامر الفعلي المقصود انما هو الامر بحجة الاسلام لعدم كون الامر الندبي في عرضه ـ بل في طوله حسبما عرفت ـ فهو في الحقيقة قاصد لحجة الاسلام وان لم يعلم به فيجزي بطبيعة الحال.
وهذا بخلاف المقام:
اذ هو ملتفت الى كونه مأمور بحجة الاسلام ومع ذلك لم يقصده باعتقاد عدم الفورية، وان كان معذوراً في اعتقاده فمثله غير قاصد لحجة الاسلام بالضرورة، وانما قصد امراً اخر في طوله بنحو الخطاب الترتبي حسبما عرفت، وهو غير مجز عن حجة الاسلام بوجه.» [1]
[1]. الشيخ مرتضي البروجردي، مستند العروة الوثقي تقرير البحث السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص142-143.