بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه شصت و دو
ناظر الي ما افاده الشيخ (قدس سره) في التنبيه الخامس من تنبيهات الشبهة المحصورة قال هناك:
«لو اضطر الي ارتكاب بعض المحتملات:
فإن كان بعضا معينا، فالظاهر عدم وجوب الاجتناب عن الباقي إن كان الاضطرار قبل العلم أو معه، لرجوعه إلى عدم تنجز التكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعي، لاحتمال كون المحرم هو المضطر إليه، وقد عرفت توضيحه في الأمر المتقدم.
وإن كان بعده: فالظاهر وجوب الاجتناب عن الآخر، لأن الإذن في ترك بعض المقدمات العلمية بعد ملاحظة وجوب الاجتناب عن الحرام الواقعي، يرجع إلى اكتفاء الشارع في امتثال ذلك التكليف بالاجتناب عن بعض المشتبهات.
ولو كان المضطر إليه بعضا غير معين، وجب الاجتناب عن الباقي وإن كان الاضطرار قبل العلم الإجمالي، لأن العلم حاصل بحرمة واحد من أمور لو علم حرمته تفصيلا وجب الاجتناب عنه، وترخيص بعضها على البدل موجب لاكتفاء الأمر بالاجتناب عن الباقي.»[1]
وحاصل ما افاده الشيخ (قدس سره)
انه عرض الاضطرار علي ارتكاب بعض المحتملات:
ان كان البعض معيناً، فالتزم بعدم وجوب الاجتناب عن الباقي، ووجهه: عدم تنجز التكليف المعلوم بالعلم الاجمالي، بالاجتناب عن الحرام الواقعي، لاحتمال كون المحرم هو المضطر اليه.
هذا اذا عرض الاضطرار علي ارتكاب بعض المحتملات قبل العلم الاجمالي.
وأما اذا عرض عليه بعد حصول العلم الاجمالي:
فالتزم بوجوب الاجتناب عن الآخر، ووجهه: ان الأذن في ترك بعض المقدمات العلمية، وهو ما عرض عليه الاضطرار، بعد حصول العلم الاجمالي وملاحظة وجوب الاجتناب عن الحرام الواقعي، يرجع الي اكتفاء الشارع في مقام امتثال التكليف المعلوم بالاجتناب عن بعض المشبهات.
وإن كان بعض المحتملات الذي عرض عليه الاضطرار غير معين.
فالتزم بوجوب الاجتناب عن الباقي مطلقا، سواء كان الاضطرار قبل العلم الاجمالي او بعده.
ووجهه:
ان بمقتضي العلم الجمالي فإنما حصل العلم بحرمة واحد من امور لو علم حرمته تفصيلاً وجب الاجتناب عنه.
وترخيص بعضها علي البدل لا يوجب اكثر من الاكتفاء بالأمر بالاجتناب عن الباقي.
بعين الوجه الذي استدل به علي وجوب الاجتناب عن الآخر فيما اذا عرض الاضطرار بعد حصول العلم الاجمالي.
وأفاد السيد الخوئي (قدس سره):
«ان الكلام في انحلال العلم الاجمالي وعدمه للاضطرار إنما هو فيما إذا كان الاضطرار رافعا لجميع الآثار للحكم المعلوم بالاجمال، كما إذا علمنا بنجاسة أحد الخلين مثلا، مع الاضطرار إلى شرب أحدهما، فان الأثر المترتب على هذا المعلوم بالاجمال ليس الا الحرمة المرتفعة بالاضطرار، فيمكن القول بانحلال العلم الاجمالي في هذا الفرض، باعتبار ان التكليف في الطرف المضطر إليه مرتفع بالاضطرار، وفي الطرف الآخر مشكوك فيه، فيرجع فيه إلى الأصل.
وأما إذا لم يكن الاضطرار رافعا لجميع آثار المعلوم بالاجمال، بأن تكون له آثار يرتفع بعضها بالاضطرار دون بعض آخر، كما إذا علمنا بنجاسة أحد المائعين الماء أو الحليب مع الاضطرار إلى شرب الماء، فان الأثر المترتب على هذا المعلوم بالاجمال تكليف، وهو حرمة الشرب، ووضع وهو عدم صحة الوضوء بالماء والمرتفع بالاضطرار انما هو التكليف وحرمة الشرب فقط دون الوضع، فان الاضطرار إلى شرب النجس يوجب جواز التوضي به كما هو ظاهر.
هذا فيما إذا كان الاضطرار إلى أحد الأطراف على التعيين، وكذا الحال فيما إذا كان الاضطرار إلى أحدها لا على التعيين، كما إذا علمنا اجمالا بنجاسة أحد الماءين مع الاضطرار إلى شرب أحدهما لا بعينه، فان المرتفع بالاضطرار إنما هو حرمة الشرب لا عدم صحة الوضوء به، ففي مثل ذلك لا ينحل العلم الاجمالي بالاضطرار بلا اشكال.
ولا خلاف لبقاء اثر المعلوم بالاجمال في الطرف المضطر إليه بعد الاضطرار أيضا، فانا نعلم اجمالا - ولو بعد الاضطرار - أن هذا الماء لا يجوز التوضي به أو هذا الحليب لا يجوز شربه وهذا العلم منجز للتكليف لا محالة، فلا يجوز التوضي بالماء ولا شرب الحليب، وكذا الحال في مثال الاضطرار إلى أحد الأطراف لا علي التعيين، فانا نعلم اجمالا بعدم صحة الوضوء بهذا الماء أو بذلك الماء وان جاز شرب أحدهما للاضطرار.
وبالجملة:
رفع بعض الآثار لأجل الاضطرار ليس الا مثل انتفاء بعض الآثار من غير جهة الاضطرار، ومن غير ناحية النجاسة، كما في الحليب، فإنه لا يجوز التوضي به مع قطع النظر عن عروض النجاسة وكونه طرفا للعلم الاجمالي ففي مثال دوران الامر بين نجاسة الماء والحليب يكون اثر المعلوم بالاجمال قبل الاضطرار عدم جواز الشرب وحده في طرف، وهو الحليب وعدم جواز الشرب، وعدم صحة التوضي في الطرف الآخر وهو الماء.
وبعد الاضطرار إلى شرب الماء ترتفع حرمة شربه فقط، ويبقى الحكم الوضعي وهو عدم صحة الوضوء به بحاله، فيكون المعلوم بالاجمال ذا اثر في الطرفين، فيكون العلم الاجمالي منجزا لا محالة، ولا يكون الاضطرار موجبا لانحلاله.
فتحصل:
ان الكلام في انحلال العلم الاجمالي للاضطرار وعدمه انما هو فيما إذا كان الاضطرار موجبا لرفع جميع الآثار، كما إذا علمنا بنجاسة أحد الحليين أو أحد الخلين مثلا.»[2]
هذا ما افاده (قدس سره) بعنوان المقدمة لتنقيح البحث وبيان محل النزاع في هذا التنبيه، وهو صورة عروض الاضطرار علي بعض اطراف العلم الاجمالي.
[1]. الشيخ الانصاري، فرائد الاصول، ج2، ص245.
[2]. البهسودي، مصباح الاصول تقرير البحث السيد الخوئي، ج2، ص380-381.