بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه پنجاه و هفت
وحاصله:
ان ما افاده المحقق النائيني في تصوير التخيير من ناحية اقتضاء الدليل قابل للانطباق في المقام.
وذلك:لأن عموم دليل الأصل مثل قوله (عليه السلام): «كل شيء لك حلال» يقتضي بنفسه الشمول للشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي، مثل عموم اكرم العلماء.
وحكم العقل بقبح الترخيص في المخالفة القطعية الموجب لإخراج كلا المشتبهين في مفروض الكلام، مثل قيام المخصص المخرج لزيد العالم وعمرو العالم عن عموم اكرام العلماء، وكذا ان الشك في خروج المشتبهين معاً عن عموم دليل الحلية مطلقاً، اي الشامل لحال ارتكاب الآخر وعدمه، او لا علي وجه الاطلاق، بل مقيداً بحال عدم ارتكاب الآخر.
يكون مثل الشك في ان مقتضي دليل المخصص خروج زيد وعمرو العالمين عن عموم اكرام العلماء معاً، بعدم كون خروج احدهما مقيداً بعدم خروج الآخر، او ان خروج كل واحد منهما مقيد بعدم خروج الآخر وبقائه تحت العام.
ومقتضي عموم العام في كلا المقامين التخيير، تحفظاً علي القدر المتيقن من الدليل المخرج، وهو اخراج احدهما دون اخراج كليهما بلا فرق، وعليه فما الوجه للتفريق بين المقامين.
وأفاد (قدس سره) بأن التخيير في المقام اوضح مما مثله (قدس سره).
وذلك: لأن المنع العقلي انما يقتضي المنع عن جريان اصالة الحلية في كل واحد من المشتبهين، الذي هو مقتضي اطلاق دليل الحلية ـ باطلاقه الحالي ـ اي ان كل واحد منهما موضوع لجريان الحلية ولو في حال جريان الاصل في الآخر، لا عن جريان الاصل في كل واحد منهما ولو مقيداً بحال دون آخر.
فإن اطلاق دليل الحلية انما يشمل بدواً كلا طرفي المشتبه في العلم الاجمالي من دون تقييد فيهما بحال دون حال، اي سواء كان في حال عدم جريان الاصل في الاخر أو لا.
وبالتقييد الحالي ـ اي جواز اجراء الاصل في احدهما مقيداً بحال عدم جوازه في الآخر بمقتضي المنع العقلي ـ صارت النتيجة اجراء الاصل في احدهما دون الآخر.
هذا بالنسبة الي المقام.
وأما في المثال الذي ذكره المحقق النائيني (قدس سره)، فإن دليل اكرم العلماء باطلاقه يشمل المشتبهين.
وبعد اجمال المخصص والأخذ بالقدر المتيقن في مدلوله، ودوران الأمر بين كون التخصيص افرادياً، اي يشمل كل واحد من زيد العالم وعمرو العالم ويخرجهما عن عموم اكرم العلماء ، او احوالياً، بأن يشمل كل واحد منهما في حال عدم شمول الآخر انما يوجب التخيير.
فالتخيير في الاول ناشيء من اقتضاء المنع العقلي التقييد الحالي، وفي الأخير ناشيء من الاقتصار علي المتيقن بعد فرض اجمال المخصص، ودلالة العقل علي منع ذلك اوضح.
هذا فيما افاده (قدس سره) بالنسبة الي ثبوت التخيير من ناحية اقتضاء الدليل.
وأما ثبوت التخيير من ناحية اقتضاء المدلول والمنكشف.
فإنه لا فرق بين جريان التخيير في باب المتزاحمين مع جريانه في المقام ايضاً.
وذلك:
لأن الموجب للحكم بالتخيير بين المتزاحمين عدم امكان الجمع بين الفعلين، لأن الأخذ باطلاق التكليفين في الفعلية يكون من التكليف بما لا يطاق.
وفي المقام ايضا: ان حكم العقل بامتناع الجمع بين الحليين لاستلزامه المناقضة مع الواقع المعلوم بالاجمال، انما يوجب المنع عن الأخذ باطلاق دليل الحلية فيهما.
وأما المنع عن احدهما فلا يستلزم ذلك.
كما ان الأخذ بأحد المتزاحمين لا يستلزم الامتناع.
فالمانع في المقام ايضاً انما يقتضي رفع اليد عن احد الحليين، ونتيجته التخيير.
وأفاد (قدس سره):
بأن الالتزام بالتخيير في المقام انما يكون:
اما بالتقييد الحالي في اطلاق الحلية لكل من المشتبهين بتقييد شمولها له بحال عدم شمول الآخر.
وأما لأن العقل انما يكشف الحلية التخييرية بعين كشف الحكم التخييري في المتزاحمين بعد سقوط التكليفين.
وذلك لأن الملاك التام ـ مثل التسهيل ـ في جريان الأصل في كل واحد من المشتبهين موجود، ومعه لا وجه للتساقط واخراج كلا الفردين عن عموم دليل الحلية حسب ما هو المفروض في المقام.
هذا، والظاهر تمامية ما اورده المحقق العراقي (قدس سره) علي مقالة المحقق النائيني وأنه لا تفاوت اساسي بين ما ذكره من الوجهين الباعثين للتخيير ومفروض الكلام في المقام، لا من جهة اقتضاء الدليل ولا من جهة اقتضاء المدلول والمنكشف.
والمهم في هذا المقام: ان المحقق العراقي (قدس سره) انما يعترف بامكان التخيير في المقام وان الذي بني عليه مختاره هو عدم الدليل علي التخيير.
ويمكن ان يقال:
ان دليل الاصل كالحلية والبرائة مطلق – في فرض شموله لأطراف العلم الاجمالي – بالنسبة الي جريان الأصل في كل طرف من اطراف العلم الاجمالي، لأن موضوعه وهو الشك متحقق فيه، واطلاقه يشمل حالتي ترك الاخر وفعله، وإنما المانع عن جريانه في كل طرف من اطرافه المحذور العقلي وهو الترخيص في المخالفة القطعية، فإذا رفعنا اليد عن اطلاق دليل الاصل لحالتي ترك الآخر وفعله، بالتقييد بحالة ترك الآخر، فلا محذور في جريان الاصل فيه، فلا يشمل الاطلاق – في دليل الاصل – اباحة كل طرف في صورة ارتكاب الطرف الآخر. بل يقيد جريانه في كل طرف بصورة ترك الآخر.
وبما ان الضرورات تتقدر بقدرها وأن المحذور العقلي وهو الترخيص في المعصية انما يرفع بالتقييد المذكور، فيتعين جريان الاصل في كل طرف عند ترك الآخر تمسكاً بدليل الاصل المفروض شموله لأطراف العلم الاجمالي.
وبالجملة:
ان مقتضي دليل الاصل اجرائه في كل طرف في كلتا الحالتين، اي حالة فعل الآخر وتركه، ولما لم يمكن الأخذ به في احدي الحالتين وهي حالة فعل الآخر، فلا يرفع اليد عن اقتضاء الدليل الا في تلك الحالة – اي حالة فعل الآخر – ويبقي دليل الاصل في حالة ترك الاخر محكماً. فيكون مقتضي دليل الاصل بضميمة امتناع الترخيص في المعصية القطعية، هو اجرائه في كل طرف مشروطاً بترك الآخر.
وهو تخيير المكلف في اجرائه بين اطرافه.
وعليه فلا نحتاج في اثبات التخيير في المقام الي دليل خاص قائم عليه، بل مجرد دليل الاصل كاف في اثباته.
تتمه: في انحلال العلم الاجمالي:
اذا تعلق العلم الاجمالي بحكم الزامي مردد بين طرفين. وحصل العلم التفصيلي بثبوت الالزام في احد الطرفين المعين، او قامت الامارة علي ذلك.
فتارة:
يتعلق العلم التفصيلي بنفس المعلوم بالاجمال او مؤدي الامارة، بأن يعلم تفصيلاً ان ذلك الحكم الالزامي المردد هو في هذا الطرف او قامت الامارة علي ذلك.
وتارة:
يعلم تفصيلاً بثبوت الحكم الالزامي في هذا الطرف المعين، بلا بيان انه هو المعلوم اجمالاً، بل مع احتمال كونه هو المعلوم بالاجمال.
اما في الصورة الأولي، فلا كلام فيه من حيث الانحلال حقيقة عند قيام العلم التفصيلي او حكماً عند قيام الامارة.
وسيجئ البحث فيه.
والمهم في البحث النحو الثاني:
وهو ما كان المعلوم بالتفصيل او مؤدي الامارة ليس معلوم الانطباق علي المعلوم بالاجمال، بل يحتمل انطباقه عليه.