بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه پنجاه و هفت
واستدل في هذه الرواية بقوله (عليه السلام): «فاسبكها حتى تخلص الفضة ويحترق الخبيث ثم تزكي ما خلص من الفضة لسنة واحدة»
حيث امر الامام (عليه السلام) بالفحص بالسبك لتبين مقدار الفضة الخالصة حتي يؤدي زكاتها.
واورد على دلالتها على المدعي:
اولاً: ان المفروض في الرواية كون السائل عالماً بالبلوغ حد النصاب وانما امر الامام (عليه السلام) بالسبك لتعيين مقدار الزكاة بعد العلم بتعلقها بما عنده من الدراهم.
ويدل عليه قوله (عليه السلام): ان كنت تعرف ان فيها من الفضة الخالصة ما يجب عليك فيه الزكاة فزك ما كان لك فيها من الفضة الخالصة من حقه ودع ما سوى ذلك من الخبيث.
والامر بالفحص هنا مطابق للقاعدة، لانه يعلم بتعلق الزكاة واشتغال الذمة ويرجع الشك فيه الى المكلف فيه، اي المقدار الذي يلزم دفعه لتفريغ ذمته.
والمدعى في المقام الاستعلام عن بلوغ حد النصاب وعدمه فالرواية اجنبية عن مورد الكلام.
وثانياً:
ان اخراج الزكاة في المقام لا يتوقف على الفحص بالسبك مع ما فيه من المؤونة بل هو يتمكن من الفحص عن ذلك بالمحاسبة.
وذلك:
لانه يعلم بكمية العيار والتركيب بان في كل درهم ثلاث من الفضة وثلاث من مس وثلاث من الرصاص. ومعه تعادل كل ثلاثة درهم درهماً واحداً. وبما ان في كل مأتين درهماً خمس دراهم فلا حاجة في الفحص بالسبك مع ما فيه من المؤونة.
وثالثاً:
ان الدرهم الذي كان فيه الغش بمقدار الثلثين كما هو المفروض لا يصدق عليه الدرهم المسكوك الذي هو موضوع لوجوب الزكاة في الفضة. ولا زكاة الا في الدراهم المسكوكة، والدرهم هو المسكوك من الذهب بالعيار المتعارف.
هذا ما اورد السيد الخوئي (قدس سره) على دلالة الرواية.
وهو تام لا نقاش فيه:
مضافاً الى انه يمكن المناقشة علي الاستدلال بها في المقام بان مع فرض تمامية دلالتها على المدعى فان موردها باب الزكاة واسراء الحكم منه الى ساير الابواب يحتاج الى الغاء الخصوصية.
هذا كله من جهة دلالة الرواية.
اما جهة السند فيها:
فانه رواه الكليني في الكافي عن محمد بن يحيى العطار القمي، قال النجاشي فيه: شيخ أصحابنا في زمانه، ثقة، عين، كثير الحديث. له كتب، منها: كتاب مقتل الحسين [ عليه السلام ]، وكتاب النوادر.[1] ومثله عن العلامة في الخلاصة. وهو من الطبقة الثامنة.
وهو رواه عن محمد بن الحسين بن ابي الخطاب، قال فيه النجاشي: جليل من أصحابنا، عظيم القدر، كثير الرواية، ثقة، عين، حسن التصانيف، مسكون إلى روايته.[2]
وقال الشيخ في الفهرست: كوفي ثقة. وكذا في رجاله. وعدّه الكشي من العدول والثقات من اهل العلم. وهو من الطبقة السابعة.
وهو رواه عن محمد بن عبدالله بن هلال، لا تنصيص على وثاقته في كتب الرجال. روى عنه محمد بن الحسين بن ابي الخطاب كثيراً. وهو من الطبقة السادسة.
وهو رواه عن العلاء بن رزين القلّاء، قال النجاشي: وكان ثقة وجهاً. وقال الشيخ في الفهرست، ثقة جليل القدر. ووثقه ابن شهر آشوب. وهو من الطبقة الخامسة.
وهو رواه عن زيد الصائغ، لا ذكر له في كتب الرجل والظاهر انه ليس له غير هذه الرواية بنقل علاء بن رزين عنه. والظاهر انه من الطبقة الخامسة او الرابعة.
فالرواية مخدوشة سنداً من ناحيته ومن جهة محمد بن عبدالله بن هلال وحيث ان السيد الخوئي (قدس سره) كان يرى وثاقة محمد بن عبدالله بن هلال من جهة التوثيق ابن قولويه في كامل الزيارات، اورد على سند الرواية من جهة اشتمالها على زيد الصائغ.
هذا، والظاهر انه لا دليل على وجوب الفحص في مثل المقام غير ان الفحص احوط كما افاده صاحب العروة. ولم تثبت لنا جهة قوة للفحص في المقام.
قال صاحب العروة (قدس سره):
مسألة 22: لو كان بيده مقدار نفقة الذهاب والإياب وكان له مال غائب لو كان باقيا يكفيه في رواج أمره بعد العود.
لكن لا يعلم بقاءه أو عدم بقائه، فالظاهر وجوب الحج بهذا الذي بيده استصحابا لبقاء الغائب، فهو كما لو شك في أن أمواله الحاضرة تبقى إلى ما بعد العود أو لا فلا يعد من الأصل المثبت.[3]
قدمر ان المحقق للاستطاعة العرفية ما يقدر معه من الذهاب الى الحج والأياب مضافاً الى تمكنه من تأدية ضروريات معاشه بالقدرة الفعلية عليها.
والمال الغائب الذي لا يحرز بقائه له، بل يحتمل بقائه وانه لو كان باقياً لكان وافياً لرواج امره، ليس له عليه القدرة الفعلية، ومعه فلا يتحقق تمكنه الفعلي من تادية ضرورياته بعد العود، ومعه فلا وجه لتحقق الاستطاعة وبتبعه لا يجب عليه الحج.
وبهذا البيان يظهر عدم ترتب الاثر على جريان استصحاب بقاء الغائب في المقام.
وذلك، لان المال الغائب في مفروض المسألة ليس قابلاً للتصرف الفعلي والمناط حضوره والتمكن من التصرف فيه فعلاً. والحاصل في المقام التمكن بالقوة لو كان باقياً، وعليه فانه ليس مجرى الاستصحاب اثراً شرعياً ولا موضوعاً لاثر شرعي.
نعم لو كان له مال حاضر يتمكن من التصرف فيه بالفعل وشك في بقائه الى زمان عوده امكن القول بجريان الاستصحاب فيه بالالتزام بعدم الفرق في جريان الاستصحاب بين الازمنة السابقة والمستقبلة، يظهر ما يقال في باب الحيض بجريان استصحاب بقاء الدم اذا شك في بقاء الدم الموجود الى ثلاثة ايام.
واشار الى ذلك السيد البروجردي (قدس سره) في حاشيته بالاشكال على جريان الاستصحاب في المقام بأن «بينه ـ استصحاب المال الغائب في المقام ـ وبين الشك في بقاء ماله الحاضر الى ما بعد العود فرق ظاهر.»
وحاصله:
انه فرق بين استصحاب بقاء الغائب، واستصحاب بقاء المال الحاضر الى ما بعد العود، لان ما هو المناط في تحقق الاستطاعة، الرجوع الى الكفاية، واستصحاب بقاء الغائب لا يتكفل باثباته.
لان احراز بقاء الغائب بالاستصحاب لا يثبت الرجوع الي الكفاية وصرف بقاء الغائب لا يترتب عليه اثر شرعي اذ ليس بعنوانه اثراً شرعياً ولا موضوعاً لاثر شرعي.
ثم ان السيد الخوئي (قدس سره) وان اورد على جريان الاستصحاب في المقام بانه مثبت الا انه افاد (قدس سره) بان ما ذكره صاحب العروة من الحكم بوجوب الحج تام ولكن حسب ما سلكه من المبنى.
قال (قدس سره):
«هذا الاستصحاب وكذا الاستصحاب الذي بعده لا يجدي اذ ليس مجراه بنفسه اثراً شرعياً ولا موضوعاً لاثر شرعي؛ لان الشرط في تحقق الاستطاعة انما هو الرجوع الى الكفاية، والاستصحاب المزبور لا يتكفل باثباته الا على القول بالاصل المثبت الذي لا نقول بحجيته؛ فهذا التعليل عليل.
وان كان الحكم كما ذكره (قدس سره) في المتن من وجوب الحج عليه في مفروض المسألة.
وذلك:
لاجل ان الرجوع الى الكفاية لم يكن بعنوانه شرطاً في الاستطاعة لعدم وروده في شئ من النصوص المعتبرة، وانما اقتصرت فيها على الزاد والراحلة وفي بعضها صحة البدن وتخلية السرب، فهي خالية عن التعرض لهذا الشرط.
وانما المستند فيه دليل نفي الحرج نظراً الى ان الالزام بالحج المقرون بالرجوع الى غير الكفاية بحيث يبقى صفر اليد وسائلاً بالكف تكليف حرجي منفي بادلة العسر والحرج مؤيداً ببعض النصوص غير المعتبرة المتعرضة لهذا الشرط.
ومن الواضح ان التمسك بدليل نفي الحرج متوقف على احراز عنوان الحرج ولا يكفي مجرد احتماله كما في المقام سيما بعد انتفائه بمقتضى الاصل.
كيف وباب الاحتمال متطرق حتى بالاضافة الى الزاد والراحلة لجواز تلفهما في الطريق بسرقة ونحوها، فيكون السير الى الحج حرجياً عليه بقاءً مع انه لا يعتني بهذا الاحتمال جزماً.
وبالجملة:
حال ما عنده فعلاً من الاموال الحاضرة او الغائبة حال الزاد والراحلة في اشتراك الكل في احتمال عروض الحرج الذي لا يكاد يؤثر في سقوط الحج بوجه. لعدم مجال للتمسك بدليل نفي الحرج بعد عدم احرازه كما هو ظاهر جداً، فيبقى اطلاقات ادلة الحج على حالها.»[4]
وحاصل ما افاده (قدس سره) امران:
الاول: ايراده على جريان الاستصحاب في المقام بانه مثبت، لان ما هو المعتبر في الاستطاعة وهو الرجوع الى الكفاية لا يتكفل الاستصحاب المزبور باثباته الا على القول بالاصل المثبت.
وهو راجع الى ما مر في تقريب كلام السيد البروجردي (قدس سره). ويتم ايراده في ذلك.
الثاني:
ان الرجوع الى الكفاية ليس شرطاً لتحقق الاستطاعة، لعدم ذكره في النصوص المعتبرة.
بل المذكور في ما يعتبر في الاستطاعة من النصوص الزاد والراحلة وفي بعضها صحة البدن وتخلية السرب.
بل المستند لاعتبار الرجوع الى الكفاية ادلة نفي الحرج بتقريب ان الرجوع الى غير الكفاية يستلزم العسر والحرج المنفي في الشريعة.
والاستناد الى دليل الحرج انما يتوقف على احراز عنوان الحرج، ولا يكفي مجرد احتماله في جريان ادلته، خصوصاً في مثل المقام سيما بعد انتفائه بمقتضى الاصل.
ولو قلنا بكفاية الاحتمال لكان من المحتمل عدم بقاء الزاد والراحلة لجواز تلفهما في الطريق بسرقة ونحوها، فيكون السير الى الحج حرجياً بمقتضى احتماله.
وعليه فان في مثل المقام بعد جريان الاستصحاب اي استصحاب بقاء الغائب فان رجوعه الى غير الكفاية صرف احتمال فلا يحرز الحرج، ومعه تبقى اطلاقات وجوب الحج على حالها.
فيجب عليه الحج في مفروض المسألة كما التزم به صاحب العروة.
ويلاحظ عليه:
انه (قدس سره) وان كان يلتزم بوجوب الحج مع الشك في بقاء المال الغائب كصاحب العروة (قدس سره) الا انه يفترق طريقهما في ذلك.
فان صاحب العروة (قدس سره) انما يعتبر الرجوع الى الكفاية في تحقق الاستطاعة وحيث انه ليس له الا المال الغائب وانه لو بقي الى رجوعه لكفى عن ضرورياته بعد عوده، وحيث انه شاك في بقائه فانما يثبت بقاؤه بمقتضى الاستصحاب، وانما يري بقاء الغائب الثابت به كافياً في تحقق الاستطاعة.
وقد مر منا الاشكال فيه بان بقاء الغائب لا تتكفل لاثبات الرجوع الى الكفاية مادام انه غير متمكن من القدرة الفعلية في موردها في الحال او عند رجوعه.
نعم يمكن ان يدافع عنه (قدس سره) بان التمكن بالقوة عنده كاف في تحقق الاستطاعة وبقاء المال الغائب بما انه في قوة التمكن منه كاف؛ لذا، فيكون الاشكال مبنائياً.
واما السيد الخوئي فانه يرى (قدس سره) عدم تكفل الاستصحاب لذلك لعدم تكفله للرجوع الى الكفاية.
وهذا الاشكال كما مر وان كان تاماً في نفسه الا انه لا يرد على صاحب العروة والقائل بكفاية التمكن بالقوة في تحقق الاستطاعة في جميع ما يعتبر فيها ومن جملتها الرجوع الى الكفاية.
مع انه لا يتم ذلك على مبناه ايضاً حسب تصريحه لعدم كون الرجوع الى الكفاية عنواناً معتبراً في الاستطاعة بحسب الادلة.
بل المحقق للاستطاعة بحسبها التمكن من الزاد والراحلة، وصحة البدن وتخلية السرب على وجه من التأمل في الاخيرين على ما يظهر من كلامه (قدس سره).
وعليه فان بمجرد تمكنه من الزاد والراحلة كما هو المفروض في المسألة تتحقق الاستطاعة بالنسبة اليه ويجب عليه الحج.
وافاد بان بعد تحقق الاستطاعة ووجوب الحج لو احرز الحرج باحراز رجوعه الى غير الكفاية بان صار سائلاً بالكف فانما يرفع الوجوب بادلة الحرج بعد ثبوته بتحقق الاستطاعة.
وقدمر ما يرد عليه، الا انه اشكال مبنائي ايضاً فان الرجوع الى الكفاية هو المعتبر في الاستطاعة التي اعتبرنا كونها عرفية ومع عدم تحققه فلا استطاعة، ولا وجوب للحج بتبعه.
فتحصل: انه لا وجه لوجوب الحج في المقام لعدم تحقق الاستطاعة.
قال في العروة:
مسألة 23: إذا حصل عنده مقدار ما يكفيه للحج يجوز له قبل أن يتمكن من المسير أن يتصرف فيه بما يخرجه عن الاستطاعة.
وأما بعد التمكن منه فلا يجوز وإن كان قبل خروج الرفقة، ولو تصرف بما يخرجه عنها بقيت ذمته مشغولة به، والظاهر صحة التصرف مثل الهبة والعتق وإن كان فعل حراما، لأن النهي متعلق بأمر خارج.
نعم، لو كان قصده في ذلك التصرف الفرار من الحج لا لغرض شرعي أمكن أن يقال بعدم الصحة، والظاهر أن المناط في عدم جواز التصرف المخرج هو التمكن في تلك السنة. فلو لم يتمكن فيها ولكن يتمكن في السنة الأخرى لم يمنع عن جواز التصرف، فلا يجب إبقاء المال إلى العام القابل إذا كان له مانع في هذه السنة، فليس حاله حال من يكون بلده بعيدا عن مكة بمسافة سنتين.[5]
والمسألة هذه تشتمل على مسائل:
الاولى:
اذا حصل عنده مقدار ما يكفيه للحج يجوز له قبل ان يتمكن من المسير ان يتصرف فيه بما يخرجه عن الاستطاعة، فانه (قدس سره) جوز التصرف قبل ان يتمكن من المسير. وهو ناظر الى القول بان المدار في جواز التصرف قبل حضور وقت السفر، وهو بمعنى خروج الرفقة. وهو مختار جماعة من الاصحاب.
قال العلامة في المنتهى:
« لو كان له مال فباعه قبل وقت الحج مؤجلا إلى بعد فواته سقط الحج لأنه غير مستطيع وهذه حيلة يتصور ثبوتها في اسقاط فرض الحج على الموسر وكذا لو كان له ما ل فوهبه قبل الوقت أو أنفقه فلما جاء وقت الخروج كان فقيرا لم يجب عليه وجرى مجرى من أتلف ماله قبل حلول الحول.»[6]
وقال في التذكرة: « لو كان له مال فباعه نسيئة عند قرب وقت الخروج إلى أجل يتأخر عنه، سقط الفور في تلك السنة عنه، لأن المال إنما يعتبر وقت خروج الناس، وقد يتوسل المحتال بهذا إلى دفع الحج. »[7]
وقوله (قدس سره) «لان المال انما يعتبر وقت خروج الناس» ظاهر في ان المعيار في تحقق الاستطاعة وجود المال وقت خروج الناس، وان كان ربما يظهر منه سقوط الفور عنه في سنته بقوله: «سقط الفور في تلك السنة عنه»، لان مدلوله عدم سقوط الحج بذلك، بل ان ما يستلزم التصرف المذكور سقوط الفورية، وهو ينافي ما افاده في المنتهى من عدم وجوب الحج بذلك.
وقال الشهيد في الدروس:
« ولا ينفع الفرار بهبة المال أو إتلافه أو بيعه مؤجلا إذا كان عند سير الوفد.»[8]
ومفهومه نفع الفرار بها قبل سير الوفد كما مر في التذكرة.
[1]. النجاشي، رجال النجاشي، ص353، الرقم946.
[2]. النجاشي، رجال النجاشي، ص334، الرقم897.
[3]. العروة الوثقي (المحشي)، ج4، ص 383.
[4]. الشيخ مرتضي البروجردي، مستند العروة الوثقي تقرير البحث السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص130-131.
[5]. العروة الوثقي (المحشي)، ج4، ص 383-386.
[6]. العلامة الحلي، منتهي المطلب (ط ق)، ج2، ص653.
[7]. العلامة الحلي، تذكرة الفقهاء، ج7، ص59-60.
[8]. الشهيد الاول، الدروس، ج1، ص312.