بسم الله الرحمن الرحیم
جلسه شصت و نه
وافاد السيد الخوئی (قدس سره):
فی ذيل قول صاحب العروة فی مقام تقريب کلام المحقق النراقی: وقد يقال بوجوبه اذا لم يکن حرجاً عليه...
«واستدل ـ المحقق النراقی ـ له بوجهين:
الأوّل: صدق الاستطاعة العرفية.
الثاني: أنّ كل شخص مالك لمنافع نفسه كما يملك منافع الأعيان من العقار والدواب والعبيد فيكون مستطيعاً قبل الاجارة.
وقد عرفت: أنّ الاستطاعة تحصل بوجود ما يحجّ به عيناً أو بدلاً، فكما أنّ من يملك من العقار أو منافعها ما يفي بمصاريف حجّه يجب عليه الحجّ، كذلك من يملك منافع نفسه يجب عليه تبديلها بالأثمان بإجارة ونحوها ليحجّ بها.
ويندفع الأوّل:
بأنّ العبرة في الاستطاعة الموجبة للحجّ ليست بالاستطاعة العرفية أو العقلية، وإنما العبرة بالاستطاعة الشرعية المفسرة في الروايات، وهي استطاعة خاصة من وجود الزاد والراحلة عيناً أو بدلاً، سواء حصلت بالملك أو بالبذل وكلاهما مفقود في المقام ولا إطلاق للآية من هذه الجهة.
ويندفع الثاني:
بأنّ الإنسان وإن كانت له القدرة والسلطنة على منافع نفسه، ولكن لا تتحقق بذلك الملكية الاعتبارية نظير ملكية منافع الدار والعقار والدواب، ولا يقال له إنّه ذو مال باعتبار قدرته على أعماله ومنافعه، ولذا تسالم الفقهاء على أنّه لو حبس شخص حراً لا يضمن منافعه التي فاتت منه بالحبس بخلاف ما لو حبس عبداً فإنه يضمن منافعه الفائتة.
وممّا يدلّنا على أنّ الإنسان ليس بمالك لمنافعه بالملكية الاعتبارية، أنّه لو كان مالكاً لها لا يتوقف وجوب الحجّ عليه على طلب الاستئجار منه، بل يجب عليه بنفسه أن يتصدّى لذلك ويجعل نفسه معرضاً للإيجار كما لو كان مالكاً للدار والعقار في لزوم العرض، وهذا مقطوع الخلاف.
فالصحيح ما ذكره في المتن من عدم وجوب الحجّ عليه، لعدم وجوب القبول عليه إذا طلب منه إجارة نفسه، لأنّ ذلك من تحصيل الاستطاعة وهو غير واجب.» [1]
وافاد السید الاستاذ (قدس سره) ناظرا الی ما افاد السید الخوئی (قدس سره):
«وقع الكلام في ملكية الحر لمنافعه و ذكر بها آثار: كضمان المنفعة بتفويتها عليه بحبس أو نحوه لقاعدة الإتلاف، و صحة إجارة نفسه مدة من الزمن، لأن الاجارة تمليك المنفعة.
و الحقيقة أنه لا حاجة لنا الى البحث في ذلك، فهو موكول إلى محله.
و لكن الذي نقوله هنا- مختصرا- هو:
أن الحر له سلطنة حقيقة واقعية على منافعه، فلا حاجة الى اعتبار الملكية في حقه، فأنها- على بعض الاقوال- لا تعدو اعتبار السلطنة و جعلها له و المفروض أنها ثابتة له واقعا فيكون الاعتبار لغوا و الضمان ثابت بذلك لأن موضوع الضمان هو إتلاف مال الغير.
و من الواضح صدق المال على المنفعة و هي مضافة الى الغير بالإضافة الواقعية. كما تصح المعاوضة عليها للاكتفاء في صحتها بمالية العوضين و ارتباط كل منهما بطرف معين و المفروض ارتباط المنفعة بذيها ربطا واقعيا.
إذن، فالحر له استيلاء على منفعته، فقد يدّعى استطاعته بذلك لاستيلائه على ما يحج به.
لكن الحق أنه لا يجب عليه الحج بذلك، لأنّه و إن كان فعلا مستول على ما يحج به إلا أن الانتفاع به في سبيل الحج لمّا كان يتوقف على اتعاب النفس بالخدمة لا يكون بنظر العرف مستطيعا بل يكون من مصاديق تحصيل الاستطاعة، و إن أبيت إلا عن دعوى صدق الاستطاعة بذلك فأدلة وجوب الحج على المستطيع منصرفة عن مثل هذا الفرد.
نعم، اذا كان من عادته اجارة نفسه للخدمة بحيث لا يعدّ ذلك اتعابا له غير اعتيادى، بل هو أمر يتحقق منه على أي حال، و الفرق أنه تزاد أجرته لخدمة الحج كان بنظر العرف مسئول على تلك الزيادة من دون عناء و تعب، فقد يدعى كونه مستطيعا بنظر العرف و ان كانت دعوى الانصراف قويّة. فتدبر. »[2]
وقد تبین (قدس سره) وجه ذهاب صاحب العروۀ الی تصویر الاستطاعۀ فی مثله بقوله (علیه السلام): کما اذا کان من عادته اجارۀ نفسه للاسفار.
[1] . الشيخ مرتضي البروجردي، مستند العروة الوثقي تقرير البحث السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص202.
[2] . السيد محمد الروحاني، المرتقى إلى الفقه الأرقى، كتاب الحج؛ ج1، ص 130-131.