بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه پنجاه و پنج
وقرر المحقق العراقي (قدس سره) الالتزام بالتخيير في جريان الاصول المرخصة من محذورات القول بالاقتضاء وايراداته.
وقد انكر المحقق النائيني (قدس سره) القول بالتخيير مع التزامه بالاقتضاء. ببيان ان جريان الاصل المرخص في احدهما لا بعينه غير صحيح، لأن الاصول انما تجري في كل طرف بعينه.
قال (قدس سره) بما محصله:
ان الالتزام بالتخيير قول بلا دليل ولا يساعد عليه العقل ولا النقل، وفيما ليس فيه دليل علي التخيير بالصراحة اما عقلاً او نقلاً فإنما يمكن الالتزام بالتخيير في موردين:
الاول: ما لو كان التخيير ناشئاً من ناحية الدليل علي الحكم.
نظير ما لو ورد اكرم العلماء. وورد الدليل علي عدم اكرام زيد العالم وعمرو العالم الا انه يشك في ان خروجهما بنحو الاطلاق بمعني انه لا يجب اكرام كل منهما، فيخرجان عن عموم وجوب الاكرام.
او ان عدم وجوب اكرام كل منهما مقيدا باكرام الآخر، فإنه يلتزم بخروج واحد منهما علي نحو التخيير.
وذلك: لأن دليل العام اي اكرم العلماء يكون حجة في مدلوله، وإنما نرفع اليد عنه في المقدار الذي قام الخاص عليه، ومع الشك في مدلول الخاص انما يقصر فيه علي القدر المتقين وهو خروج كل واحد منهما عند اكرام الآخر، وأما في ما زاد عنه اي خروج الآخر لكان عموم العام حجة فيه، ونتيجة ذلك هو التخيير، اي اكرام واحد منهما وعدم اكرام الآخر.
والتخيير هنا جاء من ناحية اقتضاء الدليل.
الثاني:
ان يلتزم بالتخيير من جهة اقتضاء نفس المدلول والمنكشف للتخيير، وإن كان الدليل يقتضي التعيين.
وذلك: كموارد تزاحم الواجبين في مقام الامتثال، وعدم القدرة علي امتثالهما معاً، فإنما يلتزم في موردهما بالتخيير.
ووجه ذلك:انه يعتبر في التكاليف الشرعية القدرة علي امتثالهما، وحيث انه لا يقدر المكلف علي الاتيان كل واحد منهما في المقام، وإنما تنحصر قدرته علي الاتيان بكل واحد منهما عند ترك الاخر، فالعقل يري لزوم صرف القدرة في احدهما تخييراً.
لأنه يمتنع عليه الاتيان بالضدين، ولاوجه لترجيح احدهما معيناً، فيلتزم بالتخيير، إما من جهة تقييد اطلاق دليل كل واحد منهما بصورة ترك الآخر، وإما من جهة سقوط التكليفين معاً عند المعارضة، واستكشاف العقل لزوم الاتيان بأحدهما تخييراً لوجود الملاك التام في كل منهما علي اختلاف المسلكين في باب التزاحم.
والتخيير هنا جاء من ناحية المدلول لا الدليل.
والتخيير في باب تعارض الاصول مما لا شاهد عليه لا من ناحية الدليل ولا من ناحية المدلول.
أما من ناحية الدليل، لأن دليل الاصل النافي للتكليف انما يتكفل جريانه عينا سواء عارضه اصل آخر أو لا. وليس في الادلة ما يوجب التخيير في اجراء احدهما، اي احد الاصول المتعارضة.
وأما من ناحية المدلول:
فلأن المجعول في ادلة الاصول المرخصة، الحكم بتطبيق العمل علي مؤدي الاصل. وهذا الحكم انما يتقوم باجتماع قيود ثلاثة:
1 – الجهل بالواقع.
2 – امكان الحكم علي المؤدي بأنه الواقع.
3 – عدم لزوم المخالفة العملية.
وبانتفاء احد هذه القيود يمتنع جعل الاصل.
وحيث انه يلزم من جريان الاصول في اطراف العلم الاجمالي المخالفة العملية فلا يمكن جعلهما معاً، وأما جعل احدهما تخييراً فهو وان كان بمكان من الامكان الا انه لا دليل عليه، لا من ناحية دليل الاصل، ولا من ناحية المجعول والمنكشف.