بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه پنجاه و دو
قال صاحب العروة:
مسألة 20: اذا كان عليه دين مؤجل باجل طويل جداً ـ كما بعد خمسين سنة ـ فالظاهر: عدم منعه عن الاستطاعة.
وكذا، اذا كان الديان مسامحاً في اصله.
كما في مهور نساء اهل الهند، فانهم يجعلون المهر ما لا يقدر الزوج على ادائه ـ كمائة ألف روبية، او خمسين ألف ـ لإظهار الجلالة، وليسوا مقيدين بالإعطاء والاخذ.
فمثل ذلك لا يمنع من الاستطاعة ووجوب الحج.
وكالدين ممن بناؤه على الابراء، إذا لم يتمكن المديون من الاداء، او واعده بالابراء بعد ذلك.[1]
قد مرّ من صاحب العروة (قدس سره) مانعية الدين عن وجوب الحج الا فيما كان مؤجلاً وكان المديون واثقاً بالتمكن من ادائه في وقته.
وعليه فان في صورةكون الدين مؤجلاً باجل طويل، يلزم مانعيته عن وجوب الحج إذا لم يكن واثقاً بتمكنه من الاداء في وقته.
وظاهره (قدس سره) استظهار عدم المانعية حتى مع عدم حصول الوثوق المذكور له بمجرد كون الاجل طويلاً.
وذكر السيد الحكيم في المستمسك في بيان وجهه:
«لعدم الاعتداد به عند العرف»
وظاهره، عدم الاعتداد وعدم الاعتناء في عرف العقلاء باداء الدين اذا كان مؤجلاً باجل طويل.
وافاد السيد الخوئي(قدس سره):
«الامثلة المذكورة في هذه المسألة لا خصوصية لها، بل المناط الوحيد ملاحظة الكبرى الكلية التي أشرنا اليها من مزاحمة اداء الدين ـ فعلاً او فيما بعد ذلك ـ لوجوب الحج وعدمها، فيسقط الوجوب في الأول دون الثاني.
وعليه فالدين المؤجل باجل طويل كخمسين سنة ان كان بحيث يوثق بادائه في ظرفه وجب الحج، والا بان احتمل احتمالاً عقلائياً العجز عن الاداء بمثابة سلب معه الوثوق لم يجب بل لزم عليه حفظ القدرة، وان طالت المدة، لعدم جواز تفويت مال الغير المقدم على وجوب الحج.» [2]
وايراده (قدس سره) على صاحب العروة وارد حسب ما اختاره من المبنى لان المفروض اشتغال ذمة المديون، ومجرد طول المدة لا يوجب تفويت مال الدائن، فلو فرض حصول الوثوق له بامكان تأديته في وقته حسب ما قررنا في بيان مراده، فلا مانعية للدين المذكور عن الاستطاعة، واما مع عدم حصوله فان تحقق الاستطاعة بما انه يسلتزم تفويت مال الغير محل منع و تأمل، لانه يجب عليه التحفظ على قدرته باقتناء ما عنده لتادية دينه وتفريغ ذمته في وقته،
وعدم الاعتداد به عرفاً حسب ما عرفت في كلام السيد الحكيم ايضاً محل تأمل، لانه لو فرض عدم الاعتداد بصرف طور المدة فهو غير مقبول شرعاً، لاستلزامه تفويت حق الغير، ولا يتم ذلك الا فيما اذا كان له الوثوق بادائه في وقته بوجه لا مطلقاً، لان اشتغال ذمته بالدين المذكور لا يفرغها الا دفعه في وقته، ولا يمكن تصوير عدم اعتناء الشارع به.
ومن العجب انه لا يتعرض لهذه المقالة من صاحب العروة الا السيد الخوئي (قدس سره)، مع ان ما ذكره هنا خلاف لما مر منه من مانعية الدين عن تحقق الاستطاعة في فرض عدم الوثوق بامكان تأديته.
هذا ثم ان صاحب العروة (قدس سره) افاد في ذيل المسألة بان الظاهر ايضاً عدم منع الدين عن تحقق الاستطاعة اذا كان الديان مسامحاً في اصله.
ومثل له بمهور نساءالهند وكذا الدين ممن كان بنائه على الابراء.
وقد مر في كلام السيد الخوئي بان ماذكره من الامثلة لا خصوصية لها.
وقد اورد على الماتن المحقق النائيني (قدس سره) في الحاشية:
«لا تتحقق الاستطاعة الفعلية الا مع فعلية الإبراء، دون البناء عليه او الوعد به على الاقوى.»
وافاد السيد البروجردي (قدس سره) في حاشيته:
«حصول الاستطاعة له بمجرد البناء على الإبراء او الوعد به محل اشكال.»
واساس ما افادهما ان المكلف باخذه الدين صارت ذمته مشغولة به وانما يجب عليه تفريغه، ومجرد اشتغالها يكفي لعدم تحقق الاستطاعة اذا لم يكن عنده ما آخر ـ غير ما اراد صرفه في الحج ـ لتأدية دينه ولم يحصل له الوثوق بامكان تحصيل ما يفي بادائه بما مر من التقريب.
وانما يستثنى من ذلك ما اذا ابرأ الدائن ذمته عن الدين بالفعل، واما تخيل الابراء او احتماله بالبناء عليه او وعده لا يكفي لذلك.
وكذلك الامر في ما مثل به من مهور نساء اهل الهند، فان المشكل فيه ما وقع عليه العقد من المهر، فانه دين يوجب اشتغال ذمة الزوج به وتسامح الزوجة في اخذه اواحتمال تسامحه او بنائه على الابراء يكفي لتفريغ الذمة.
نعم اذا فرض فعلية الابراء فلا مانعية حينئذٍ له بالنسبة الى تحقق الاستطاعة. كما انه لو فرض عدم بناء الزوج من اول الامر على ادائه، فانه ربما يشكل الامر في صحة العقد.
قال السيد الخوئي (قدس سره):
«... وكذا الحال في مهور نساء اهل الهند، فان ذكر ذلك المهر العظيم ان كان مجرد لقلقة اللسان بلا قصد اصلا، جرى عليها حينئذٍ حكم العقد بلا مهر.
وان كان مع القصد، غير انهم غير مقيدين خارجاً بالإعطاء والاخذ كما افترضه في المتن، فان وثق بعدم المطالبة قدم الحج، واما لو لم يوثق فاحتمل عدم الجري على البناء المعهود بينهم، اما بمطالبة الزوجة او ورثتها وجب حفظ القدرة وكان الدين مقدماً حينئذٍ.
ومنه يظهر الحال في الدين ممن بناؤه على الإبراء او واعده بذلك من الفرق بين صورتي الوثوق بالوفاء بوعده، والعمل ببنائه وعدمه والضابط ما عرفت من حصول المزاحمة وعدمها.»[3]
فان المتعارف بين الناس في مهور النساء، لزوم الاداء عند المطالبة، فانه لا شبهة في ان المهر دين على ذمة الزوج، على مبنى صاحب العروة لو كان له الوثوق بامكان التأدية عند مطالبته، فلازمه عدم مانعية الدين المذكور.
واما مع عدم الوثوق بذلك، فانه دين، وفي فرض عدم مطالبته مؤجل الى وقت المطالبة، وعدم مانعيته عن تحقق الاستطاعة انما يتوقف على كون الزوج واثقاً من امكان ادائه في فرض المطالبة ووجب له حفظ القدرة على ادائه.
ومنه يظهر انه لا يكفي لعدم المانعية كون الزوج واثقاً بعدم المطالبة، لانه في فرض عدم المطالبة لا تفرغ ذمته عن الدين المذكور، وانه يلزم دفعه عن اصل ماله لو مات، لان عدم مطالبة الزوجة إنما يوجب اندارج الدين في المؤجل ولو الى زمان طويل ولا يكفي في مورد الوثوق بعدم المطالبة، بل المؤثر في عدم المانعية الوثوق بامكان تأديته.
كما ان ما افاده السيد الخوئي (قدس سره) يبتني على ما اختاره من المبنى في تحقق المزاحمة بين وجوب اداء الدين، ووجوب الحج، فانه (قدس سره) يرى الوثوق بعدم المطالبة من ناحية الزوجة او الوثوق بابراء الدين من ناحية الدائن، والوفاء بما وعده من ابراء ذمته كافياً في خروج الدين عن المزاحمة مع وجوب الحج.
واما مثل صاحب العروة (قدس سره) القائل بمانعية الدين عن وجوب الحج ـ دون المزاحمة بينهما ـ الا مع حصول الوثوق له بامكان ادائه في وقته مع فرض التأجيل لا يمكنه الالتزام بمقالة السيد الخوئي (قدس سره) وتبقى شبهة وجوب حفظ القدرة على الاداء، وصرف المال في الحج يستلزم تفويت مال الغير.
وبالجملة؛ المسألة في جميع صورها محل تأمل، ويشكل الالتزام بما يرى صاحب العروة من السهولة فيها.
[1]. العروة الوثقي (المحشي)، ج4، ص 382.
[2]. الشيخ مرتضي البروجردي، مستند العروة الوثقي تقرير البحث السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص126.
[3]. الشيخ مرتضي البروجردي، مستند العروة الوثقي تقرير البحث السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص126.