بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه چهل و شش
وافاد السيد الخوئي(قدس سره):
« فما عن المحقق وغيره من كون الدين بنفسه مانعاً عن الحج مطلقاً ـ كما تقدم ـ لا يمكن المساعدة عليه بوجه لمخالفة النص والقاعدة حسبما عرفت. وما اشتهر وتداول علي الألسن من تفسير الاستطاعة الشرعية بما كان مرخصاً فيه من قبل الشارع بقول مطلق من غير مزاحمته لاي تكليف آخر بحيث إن اي تكليف آخر مضاد له معجز عنه وموجب لسلب القدرة شرعاً، فهو كلام مشهوري لا أساس له من الصحة حسبما فصلنا القول فيه في الاصول. واما مع المزاحمة بين التكليفين كما في الحال غير المأذون في التاخير او المؤجل غير الموثوق بادائه، فحينئذٍ يسقط وجوب الحج لا لما علله في المتن من انتفاء الموضوع وعدم صدق الاستطاعة لتحققها بالمعني المفسر في الاخبار حسبما عرفت بل لتقديم وجوب اداء الدين عليه الذي هو من أجل تضمنه حقوق الناس مضافا الي حق الله مقدم علي وجوب الحج الذي هو متمحض في حق الله محضا لكونه اهم منه اما جزما او لااقل احتمالا.
وقد عرفت أن التوزيع لو ثبت فلا شهادة فيه على عدم اهمية الدين بالإضافة الى حال الحياة التي هي ظرف فعلية التكليفين.
على انه غير ثابت. بل قد ثبت تقديم الحج في صحيحة بريد المتقدمة، وكذا في صحيحة معاوية بن عمار....
ولا يخفي انه لو لا هاتان الصحيحتان لكان مقتضى القاعدة في محل الكلام اعني صورة المزاحمة والدوران بين صرف التركة في الدين او في الحج تقديم الاول.اذ تارة يفرض سعة المال لهما معاً كما لو كان عليه دين خمسمائة واجرة الحج خمسمائة وقد خلف ألف فانه يوزع حينئذٍ عليهما، من غير أية مزاحمة. واخرى يفرض عدم الوفاء لهما كما هو مورد الصحيحة الثانية لعدم التمكن من الجمع بينهما ـ الذي هو محل الكلام ـ كما لو كان عليه مائتان واجرة الحج ايضاً مائتان وقد ترك مأتيين، فان التوزيع حينئذٍ لا معنى له ابداً، اذ لو صرف النصف في الدين لم يبق مجال لصرف النصف الاخر في الحج، اذ المفروض ان اجرتها مائتان فالنصف الاخر وهو المائة لا يفي بذلك، فمرجع التوزيع الى الغاء الحج بالكلية مع عدم الأداء من الدين الا نصفه، فيبقى النصف الآخر من التركة بلا مصرف.
وبالجملة:
فالتوزيع في محل الكلام أعنى فرض المزاحمة لا وجه له بتاتاً، بل اما ان يقدم الدين بمقتضى القاعدة لمكان الأهمية، ولو احتمالاً كما تقدم او ان يقدم الحج بمقتضى هاتين الصحيحتين وهو الاصح تحكيماً للنص على القاعدة. ثم ان الفرق بين ما ذكرناه وما ذكره السيد الماتن يظهر فيما لو خالف وصرف المال في الحج، فانه لا يجزيه عن حجة الاسلام على مسلك الماتن (قدس سره) لعدم كونه مستطيعاً حسب الفرض.والحج الصادر من غير المستطيع لا يجزي عن حجة الاسلام.
واما على ما سلكناه فيجزي بناءً على ما هو الصحيح من امكان الخطاب الترتبي، فان المعجز عن الحج انما هو الصرف الخارجي في الدين لا مجرد الامر به، فيؤمر اولاً بالأهم، وهو الصرف في الدين، وعلى تقدير العصيان يؤمر بالمهم وهو الحج لتحقق موضوعه حسبما عرفت. فيكون حجه مجزيا عن حجة الاسلام وان كان آثماً.»[1]
ويمكن ان يقال:
ان فيما افاده (قدس سره) جهات من النظر:
الاولى:
ان الاستطاعة مفسرة في الاخبار بالزاد والراحلة وتخلية السرب والسعة واليسار و قد مر ان المستفاد من مجموعها الاستطاعة العرفية، وهي تتقوم بعدم وجود مانع يمنع عن تحققها ومن جملتها ما يجب عليه صرفه في مؤونته ومؤونة عياله فهو تكليف معجز عن الحج، ويتبعه كل تكليف يمنع عن تحقق الاستطاعة عرفاً ومدعى المحقق وغيره كالعلامة والشهيد في الدروس ان اداء الدين من جملتها وهو معجز عن تحقق الاستطاعة وعليه، فان ما اختاره (قدس سره) من الاقتصار في تحقق الاستطاعة على الزاد و الراحلة وسلامته عن المزاحم ليست قاعدة تامة عند الجميع حتى مثل المحقق، لانه (قدس سره) لا يرى وجوب الاداء مزاحماً للحج بل يراه مانعاً عن تحقق الاستطاعة، كما عرفت في كلام السيد صاحب العروة في الدين غير المؤجل وما لا يثق بادائه في وقته.
وكذا الكلام فيما استند اليه من الرواية، فان قوله (عليه السلام): ان حجة الاسلام واجبة على من اطاق المشي من المسلمين بعد سؤال الراوي عن رجل عليه دين اعليه ان يحج؟ في صحيحة معاوية بن عمار مما اعرض عنه الاصحاب كما عرفت في حاشية المحقق النائيني ولذلك تخلصوا عن هذا المدلول بوجوه للحمل على خلاف ظاهره.
وعليه: فان مدار البحث في المقام على صدق الاستطاعة مع الدين مطلقاً او في بعض انحائه.
وما التزم به (قدس سره) بيان لما ادعاه ولا يتم استظهاره من الادلة عند غيره.
الثانية:
قد عرفت ان المزاحمة بين وجوب الحج ووجوب اداء الدين لا تتحقق الا في صورة استقرار الحج على المكلف سابقاً. لفرض عدم تحقق الاستطاعة مع الدين اما مطلقاً واما في بعض انحائه، في غير صورة الاستقرار لفرض عدم تحقق الاستطاعة.
وفي فرض الاستقرار ان تقدم التكليف باداء الدين على التلكيف بالحج له وجه قوي، وما افاده في وجهه تام كما عرفت.
وهذا التقدم وان كان له وجه حتى بعد الموت لما عرفت من ان الوجه له اما اهمية الملاك واما احتمال الاهمية، لان المقام عليه مقام التزاحم، وهو لا يتحقق الا بين الملاكين، وتبديل التكليف بالوضع بعد الموت كما افاده (قدس سره)، او تعلق الحكم باعيان التركة كما مر في كلام المحقق النائيني لا يمنع عن اهمية الملاك او احتمالها في احد الحكمين.
وعليه فان لتقدم الدين على الحج وجه قوي مطلقاً.
وما افاده صاحب العروة من توزيع التركه عليهما بعد الموت.
وان كان مذكوراً في كلمات الفقهاء ولا يدل عليه نص صريح الا ان الظاهر تسالمهم على ذلك.
ولعل وجهه ما ورد في بعض الاخبار من ان الحج المستقر بمنزلة الدين بعد الموت.
نظير:
ما رواه الكليني (قدس سره) ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في رجل توفى وأوصى أن يحج عنه ، قال : إن كان صرورة فمن جميع المال ، إنه بمنزلة الدين الواجب... الحديث.[2]
وما رواه الصدوق باسناده عن حارث بياع الأنماط ، أنه سئل أبو عبد الله ( عليه السلام ) عن رجل أوصى بحجة ، فقال : إن كان صرورة فهي من صلب ماله ، إنما هي دين عليه ، وإن كان قد حج فهي من الثلث .[3]
والظاهر: ان كونه ديناً كساير الديون ولزوم اخراجه من جميع المال كدين الناس في هذه الاخبار اوجب لزوم توزيع التركة بينهما بعد الموت اذا لم يكن المال وافياً بهما، اذ لا فرق بين دين ودين وقد مر مثله منه (قدس سره) من تبديل التكليف بعد الموت بالوضع وكذا ما مر من المحقق النائيني من تعلق الحكم باعيان التركه. فاذا لم يمكن ادائهما منه بان يكون المال غير واف بهما ولا ترجيح لاحدهما على الاخر يوزع المال بينهما.
الثالثة:
ان ما افاده (قدس سره) من لزوم تقديم الحج على الدين بعد الموت بمقتضى صحيحة بريد العجلي وصحيحة معاوية بن عمار، قد عرفت عدم تمامية دلالتهما على مدعاه (قدس سره).
وحينئذٍ فمع فرض تمامية دلالتهما، فان معنى تسالم الاصحاب على لزوم التوزيع بعد الموت اعراضهم عن مدلول الخبرين.
فلا وجه للاستدلال بهما بعد كونهما في مرآهم ومنظرهم.
و كذا لو تم هذا التسالم لزم رفع اليد عمامر من تقديم الدين بمقتضى اضافة حق الناس فيه على حقه تعالى.
نعم، لو لم يتم هذا التسالم، او لم يكن ذلك اجماعاً بينهم، بالمناقشة فيه باي وجه كان مقتضى التحقيق تقديم الدين دون الحج.
كما انه (قدس سره) قد افاد لو لا الصحيحتين لكان مقتضى القاعدة تقديم الدين لمكان اهميته و لو احتمالاً.
الرابعة:
قد افاد (قدس سره) بان مرجع التوزيع الغاء الحج بالكلية اذا كان نصف التركة غير واف بالحج. حيث انه ربما لا يكون المال بقدر لا يفي نصفه لمصارف حجه، فلا معنى لتوزيع المال فافاد بان التوزيع حينئذٍ لا معنى له ابداً.
وفيه:
ان التزامهم بالتوزيع بعد الموت بعد عدم وفاء التركة بهما معاً انما يتفرع على امكانه ومعنى امكانه، التمكن من الاتيان بالحج عنه بصرف مقدار، ولو كان الاتيان بالحج من اقرب ما يكون مثل استنابة النائب من الميقات وصرف الباقي في الدين.
كما يدل عليه صحيحة معاوية بن عمار فان الرجل مات و عليه خمس مأئة درهم وعليه حجة الاسلام، وترك ثلاثمائة درهم، فافاد الامام (عليه السلام) يحج عنه من اقرب ما يكون و يخرج البقية في الزكاة.
وعليه فلو فرض عدم وفاء تركته بالحج ولو من اقرب الطرق، او لا يبقى مع صرفها فيه ما يصرف في الدين، فلا محالة ينتفي الموضوع للتوزيع، لانه فرع امكانه. وليس النظر فيه الى التوزيع باي وجه وفي اي صورة، حتى يلزم اختصاص مقدار بالحج ولا يمكن الاتيان به بهذا المقدار فيبقى الوجه المزبور من التركة بلا مصرف.
الخامسة:
افاد (قدس سره) بان صاحب العروة التزم بان المديون لو خالف و صرف المال في الحج، فانه لا يجزيه عن حجة الاسلام لعدم كونه مستطيعاً حسب الفرض، و لا حج الصادر عن غير المستطيع لا يجزي عن حجة الاسلام و اما على مسلكه فان يمكن تصحيحه بالخطاب الترتبي، اذا المفروض تمامية الاستطاعة ومعه يجب الحج وكان على ذمته واجبان الحج واداء الدين، واداء الدين أهم، فلو عصاه لصار الخطاب بالحج فعلياً بمقتضى الترتب.
و يمكن ان يقال:
ان في صورة استقرار الحج سابقاً، فانه يتم تصحيح الامر بالحج بالخطاب الترتبي وكفايته عن حجة الاسلام.
واما لو اراد الاتيان بالحج في عام الاستطاعة مع كونه مديوناً فبما انه لا تتحقق الاستطاعة عند صاحب العروة (قدس سره) وغيره فلا وجوب للحج ومعه لا امر به حتى في صورة عصيان الاهم فلا يكون موضوعاً للخطاب الترتبي، لانه فرع وجود خطابين مترتبين احدهما اهم، فعصاه واتى بالمهم.
هذا. والمختار في المسألة مانعية الدين عن الاستطاعة.
[1]. الشيخ مرتضي البروجردي، مستند العروة الوثقي تقرير البحث السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص120-121.
[2] . وسائل الشيعة (آل البيت)، ج11، الباب 25 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، ص67، الحديث14258/4.
[3] . وسائل الشيعة (آل البيت)، ج11، الباب 25 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، ص67، الحديث14259/5.