بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه چهل و يك
قال (قدس سره):
« بل لنا أن نقول: إنه متعلق بالجامع بملاحظة المعلوم بالذات، وهو الصورة الحاصلة في الذهن ومتعلق بالفرد المردد، باعتبار أن مطابق الصورة الكلية فرد واحد خارجي معين في الواقع مردد لدى العالم نفسه، لما عرفت من سراية الجامع المعلوم إلى الخارج وارتباطه به. ولا يخفى ان ما التزمنا به من تعلق العلم الاجمالي بالجامع المرتبط بالخارج الساري إليه، يختلف من حيث الأثر مع الالتزام بان العلم الاجمالي متعلق بصرف الجامع بلا سراية إلى الخارج.»[1]
وافاد في تفصيل ذلك:
« بان الذي يلتزم به تعلق العلم بمفهوم أحدهما بلا ملاحظة المصداق الخارجي، والترديد المزبور بين المعين والمردد انما يتأتى في مصداق الجامع لا نفس المفهوم كما لا يخفى.ويتلخص من ذلك: أنه لا مانع ثبوتا من تعلق العلم بالجامع الانتزاعي وهو عنوان أحدهما، بل لذلك شواهد عرفية كثيرة، فإنه كثيرا ما يتعلق العلم بالشئ بتوسط عنوان كلي يشير إليه.
بيان ذلك: ان العلم... تارة: يتعلق بالشئ بمميزاته عن طريق الحس، كما إذا رأى زيدا يدخل الدار فيعلم تفصيلا أنه فيها.
وأخرى: يتعلق به بمميزاته عن طريق العناوين الكلية التي يوجب انضمام بعضها إلى بعض تميز المصداق لانحصاره بالفرد، فيعلم به تفصيلا، كما إذا قال القائل: " دخل الدار ابن زيد الطويل المعمم الأبيض " وكانت هذه العناوين المنضم بعضها إلى بعض ذات مصداق واحد وهو عمرو، مع أنها جميعها عناوين كلية.
وثالثة:
ان يعلم به بعنوان عام ولكنه مردد الانطباق بين فردين، كما إذا قال: " دخل الدار ابن زيد الطويل " وكان مرددا بين بكر وعمرو، فان ما علمه هو العنوان الكلي المردد الانطباق على شخصين، فيصير العلم إجماليا، وهذه الصورة هي محل الشاهد فيما نحن فيه. والذي تحصل لدينا - لحد الآن - هو امكان تعلق العلم بالفرد المردد - بالنحو الذي صورناه - وتعلقه بالجامع الانتزاعي، وانه لا محذور في كل منهما.والذي نلتزم به خارجا: ان العلم الاجمالي له صور ثلاث:
الأولى:
ان تكون الصورة الحاصلة في الذهن لمتعلق الحكم صورة شخصية مماثلة للوجود الخارجي، لكنها مرددة بين كونها هذا الفرد أو ذاك، فيحصل لديه العلم بثبوت الحكم لتلك الصورة المرددة بين شخصين، كما إذا رأى شخصا يدخل الدار مرددا بين كونه زيدا أو أخاه لعدم رؤيته المائز بينهما، فإنه يعلم بدخول ذلك الوجود الذي انطبعت صورته في ذهنه من طريق الرؤية، وبما أنه متردد بين شخصين يكون العلم إجماليا.
الثانية:
ان يتعلق العلم بالجامع، ولكن يكون للجامع ارتباط ومساس بواقع خارجي متعين في نفسه، بحيث يصح ان يشار إليه إذا علم تفصيلا بمعروض الحكم، فيقول هذا هو معلومي بالاجمال فالصورة الحاصلة في الذهن صورة كلية لكن لها مطابق في الخارج واقعي متعين في نفسه، كما لو علم اجمالا بنجاسة أحد الإناءين لوقوع قطرة البول في أحدهما، فان المعلوم بالاجمال هو نجاسة ما وقع فيه قطرة البول. ولا يخفى ان هذا العنوان وهو: " أحدهما الذي وقع فيه قطرة البول " عنوان كلي، لكن مطابقه في الخارج شخصي لا يتعدد، الا انه مردد بين فردين، فإذا حصل العلم التفصيلي بما وقع فيه قطرة البول صح أن يقول: هذا هو معلومي بالاجمال. وبعبارة أخرى: يكون الجامع ملحوظا طريقا إلى الخارج وعنوانا مشيرا إليه.
الثالثة:
ان يتعلق العلم بالجامع بلا أن يكون للجامع ارتباط ومساس بالخارج أصلا كما إذا تعلق العلم بكذب أحد الدليلين لامتناع اجتماع الضدين، فإنه لا يعلم سوى كذب أحدهما لا أكثر بلا إضافة أي شئ لهذا العنوان مما يوجب ربطه بأحد الطرفين واقعا، وهذا العنوان وحده - وهو عنوان أحدهما - لا يرتبط بواحد منهما على التعيين في الواقع، بل نسبته إلى كل من الطرفين على حد سواء، ولأجل ذلك لو علم تفصيلا بكذب أحدهما لا يستطيع أن يقول: ان هذا هو معلومي بالاجمال.
وأثر هذه الصورة قد يختلف عن أثر الصورتين الأولتين اللتين يجمعهما وجود واقع معين للمعلوم بالاجمال يرتبط به ويحمل عليه.
وبالجملة: المعلوم بالاجمال في الصورة الثالثة لا يمكن تعلق العلم التفصيلي به وتميزه، لان المعلوم بالاجمال، وهو مجرد عنوان أحدهما، لا واقع له معين كي يقبل العلم التفصيلي. بخلافه في الصورتين الاخرتين، فإنه قابل لتعلق العلم التفصيلي، لأنه مما له واقع معين قابل لان ينكشف بالتفصيل، لأنه أمر زائد على عنوان أحدهما كما لا يخفى، إذ هو أحدهما الخاص كأحدهما الذي وقعت فيه قطرة البول، ونحوه. ولعله هو مراد العراقي فيما تقدم حكايته عنه من انطباق المعلوم بالاجمال على المعلوم بالتفصيل بتمامه. فيريد مجرد صحة حمل المعلوم بالاجمال على المعلوم بالتفصيل، لا أنه ينطبق عليه بخصوصياته، كي يلزم الكل في قبال الكلي، فإنه لا يحمل على الفرد على أنه عينه، بل بما أنه فرده. فالتفت. ولا يخفى عليك ان الغالب في صور العلم الاجمالي هو تعلقه بالجامع مع ارتباطه بالخارج ومساسه به. ويمكن ارجاع الصورة الأولى إلى الصورة الثانية بالدقة والتأمل. فيكون للعلم الاجمالي صورتان يجمعهما تعلقه بالجامع، لكنه في إحداهما مما له ارتباط بواقع خارجي معين، وفي الأخرى لا ارتباط له بالخارج أصلا. والغالب هو الصورة الأولى. وعليه، فما التزمنا به فيها هو حد وسط بين تعلق العلم بالفرد المردد، لأنه لم يتعلق بالأمر الشخصي، بل بعنوان كلي، وبين تعلقه بالجامع الانتزاعي، لأنه لم يتعلق بصرف الجامع بلا ربط له بالخارج، بل تعلق بالجامع المرتبط بالخارج الساري إليه. بل لنا أن نقول: إنه متعلق بالجامع بملاحظة المعلوم بالذات، وهو الصورة الحاصلة في الذهن ومتعلق بالفرد المردد، باعتبار أن مطابق الصورة الكلية فرد واحد خارجي معين في الواقع مردد لدى العالم نفسه، لما عرفت من سراية الجامع المعلوم إلى الخارج وارتباطه به.ولا يخفى ان ما التزمنا به من تعلق العلم الاجمالي بالجامع المرتبط بالخارج الساري إليه، يختلف من حيث الأثر مع الالتزام بان العلم الاجمالي متعلق بصرف الجامع بلا سراية إلى الخارج، كما سيظهر في البحث عن الجهات الأخرى.
وأما ما أفاده العراقي ( قدس سره ): من أن العلم الاجمالي متعلق بالصورة الاجمالية المعبر عنها بأحد الامرين، والعلم التفصيلي متعلق بعنوان تفصيلي للشئ حاك عن شراشر وجوده، فيكون الفرق بينهما من حيث المعلوم لا من حيث العلم...
فقد يورد عليه: بان المراد بالاجمال في قبال التفصيل: ان كان هو الاجمال في باب الحدود الراجع إلى ملاحظة المركب من الاجزاء المتعددة شيئا واحدا بنحو الاجمال، كملاحظة الدار أمرا واحدا مع أنها في الواقع أمور متعددة. ففيه: ان هذا لا يقابل العلم التفصيلي، فان كثيرا من موارد العلم التفصيلي يكون المعلوم بالتفصيل الذي لا ترديد فيه ملحوظا إجمالا بهذا المعنى.وان كان هو الاجمال بمعنى الابهام الذي يذكر في باب الصحيح والأعم في مقام بيان الجامع وأنه أمر مبهم قابل للانطباق على الزائد والناقص كما تقدم ذكره. ففيه: انه لا ينطبق على المعلوم بالاجمال بتمامه لابهامه. لكن الانصاف: انه يمكن أن يكون مراده ما ذكرناه من تعلق العلم بعنوان جامع مرتبط بالخارج المعين واقعا المردد بين فردين، بحيث ينطبق على المعلوم بالتفصيل لو تحقق العلم التفصيلي، فلا إشكال عليه....»[2]ويمكن ان يقال: ان في متعلق العلم الاجمالي لابد من ملاحظة جهات.
الاولي:
ان في متعلق العلم جهة يكشف عنها العلم، وبه يتحقق الايصال، وخصوصية الطريقية والكاشفية، وإن كانت في ذات العلم الا ان المهم في المقام ان الاجمال الموجود في المتعلق لا يمنع عن هذه الكاشفية، وقدمر في كلام المحقق العراقي ان المكشوف والمعلوم بالعلم الاجمالي هي الصورة الاجمالية المعبر عنها بأحد الأمرين او احد الأمور، وكل ما للعلم من الكاشفية والتنجيز ونحوه، انما يتعلق بهذه الصورة الاحتمالية بحدها، وهذا ما يعبر عنه بأن العلم الاجمالي هو العلم التفصيلي بالجامع، وإن الاجمال في ناحية الخصوصيات دون الجامع، والمراد ان له بالنسبة الي الجامع والمتعلق كاشفية وطريقية كالعلم التفصيلي.وهذا مما كلام فيه.
الثانية:
ان في متعلق العلم الاجمالي جهة اجمال يعبر عنها بالصورة الاجمالية، او الصورة المتعلقة بالفرد المردد وامثاله، وحيث ان العلم المتعلق بهذه الصورة لا يختلف عن العلم التفصيلي في الكاشفية او الطريقية، فهذه الصورة بحدها تنكشف لدي بالعلم الاجمالي لا محالة ويتبعه التنجز، والاجمال فيه ربما يعبر عنه بالجهل او الشك المشوبين بالعلم، كما افاد المحقق النائيني (قدس سره):
« أن العلم الاجمالي عبارة عن خلط علم بجهل، وتنحل القضية المعلومة بالاجمال إلى قضية معلومة بالتفصيل على سبيل منع الخلو في ضمن جميع الأطراف وقضيتين مشكوكتين في كل طرف بالخصوص.فلو علم بوجوب أحد الشيئين أو الأشياء، فهنا قضية معلومة تفصيلا وهي وجوب أحدهما على سبيل منع الخلو، وقضيتان مشكوكتان إحداهما: وجوب هذا الطرف بالخصوص، والأخرى: وجوب الطرف الآخر كذلك. ولو كانت الأطراف متعددة فالقضايا المشكوكة تزيد بمقدار عدد الأطراف.»[3]
« صرف الطبيعي والجامع بين الافراد بما هو في حيال ذاته أو بما هو حاك عن منشئه محضا نظير الجوامع المأخوذة في حيز التكاليف القابلة للانطباق عرضيا أو تبادليا على أي فرد.»
كطبيعي الصلاة والحج وامثاله الذي يقبل الانطباق علي الخارج. بل الجامع المتعلق للعلم الاجمالي هو العنوان المأخوذ من الخصوصيات الخارجية والحاكي عنها، وفي الحقيقة ينتزع هذا الجامع عن نفس الخارجيات، وأنها هي المنشأ لحضوره في الذهن وتعلق العلم به، ولو لا الخارجيات والخصوصيات لا وجود له ولا صورة حتي يتعلق به العلم، لأن العلم انما يتعلق دائماً بالصورة، والصورة الاحتمالية التي يتعلق بها العلم هي الصورة الحاصلة من الخصوصيات الخارجية الحاكية عنها. وكأنها مرآة يري بها الخارج وعنوان لا يري المقصود في الخارجيات الا بها. والجامع بهذا المعني يمتنع عدم سرايته الي الخصوصيات الخارجية، لأنه لا وجود لها الا بها، وإنما يؤخذ صورته في الذهن بما انه لا يمكن تصوير الخارجيات المقصودة الا بها، فلا محالة تكون ناظرة الي الخارجية حاكية عنها. وقد مر في كلام المحقق العراقي (قدس سره) « وان الجامع المتعلق للعلم الاجمالي انما هو العنوان الاجمالي بما هو حاك عن الخصوصية الواقعية المرددة في نظر القاطع بين خصوصيات الأطراف بنحو تكون نسبته إليها نسبة الاجمال والتفصيل.»[4]
وفي الحقيقة انه عنوان مشير الي الخارج بحيث لا يمكن الحكم علي الخارجيات الا به. وهو كما ان الشخص عند عدم تمكنه من احصاء الافراد الموضوعة لحكمه يقول احد هذه الافراد، لصعوبة الاحصاء، وسهولة الحكم عليها بالعنوان المشير اي احد هذه الافراد. وعليه فإن كل ما يترتب علي الجامع المذكور، من الحكم عقلاً او شرعاً يترتب علي ما يشير به اليه بلا شبهة، وبلا كلام.
ومن جملتها التنجيز عقلاً، فإن العلم بما هو طريق وكاشف اذا اثر في تنجيز الجامع فكان في الحقيقة يؤثر في تنجيز ما يشير به اليه. نعم، في نفس العنوان المشير اجمال وتردد وشك بالنسبة الي الافراد والخصوصيات والجامع، وإن كان حاكياً عن الخصوصية الخارجية، الا ان الخصوصية المذكورة مرددة عند العالم بها، ومنه منشأ القول بأن متعلق العلم هو الفرد المردد. ولكن يلاحظ فيه ان ما هو المردد في الصورة الحاصلة في الذهن معلوم تفصيلاً في الواقع بمشخصاته، ولا يخلو الطرفان او الاطراف عنها، الا ان التردد في صورة الحاكية عنها او العنوان المشير اليها. وهذا ما في كلمات سيدنا الاستاذ من ان التردد كان في نظر العالم لا في الواقع. ومعه يفترق المورد عن تعلق العلم بالفرد المردد المصطلح الذي اكد الاعلام علي امتناعه.
[1]. الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم، منتقى الأصول تقرير البحث السيد محمد الروحاني، ج5، ص60.
[2]. الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم، منتقى الأصول تقرير البحث السيد محمد الروحاني، ج5، ص57-61.
[3]. الشيخ محمد علي الكاظمي، فوائد الاصول تقرير البحث السيد النائيني، ج4، ص10-12.
[4]. الشيخ محمد تقي البروجردي، نهاية الافكار تقرير بحث المحقق ضياء الدين العراقي، ج3، ص 309.