بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه سي و سه
قال السيد الحكيم:
« اختار الأول في الشرائع. قال(ره): " ولو كان له مال، وعليه دين بقدره لم يجب إلا أن يفضل عن دينه ما يقوم بالحج... "
وفي القواعد: " والمديون يجب عليه الحج إن فضل ماله عما عليه - وإن كان مؤجلا - بقدر الاستطاعة، وإلا فلا... ".
وفي الدروس: " والمديون ممنوع، إلا أن يستطيع بعد قضائه، مؤجلا كان أو حالا... ".
وفي المنتهى - بعد أن صرح بالتعميم - استدل عليه بعدم تحقق الاستطاعة مع الحلول، وتوجه الضرر مع التأجيل.
واختار الثاني في المدارك. قال في رد استدلال المنتهى: " ولمانع أن يمنع توجه الضرر في بعض الموارد كما إذا كان الدين مؤجلا، أو حالا لكنه غير مطالب به وكان للمديون وجه للوفاء بعد الحج. ومتى انتفى الضرر، وحصل التمكن من الحج تحققت الاستطاعة المقتضية للوجوب... ".
لكن اعتبر في الحال غير المطالب به وجود وجه للوفاء بعد الحج.
وأما الثالث: فراجع إلى الثاني، ولا ينبغي عده قولا مقابلا له.
وأما الرابع: فاختاره في كشف اللثام. قال: " وللشافعية في المؤجل بأجل: وجه بالوجوب، ولا يخلو من قوة ".
وفي الجواهر: " هو - يعني: القول بالوجوب - جيد في المؤجل، دون الحال وإن لم يطالب به صاحبه، الذي قد خوطب المديون بوفائه قبل الخطاب بالحج. فتأمل ".
قال في المستند: " ولم أعثر للقدماء على قول في المسألة، وكذا كثير من المتأخرين نعم تعرض لها جماعة منهم، وهم بين مصرح بعدم الوجوب إذا لم يفضل عن دينه نفقة الحج، من غير تعرض للمعجل أو المؤجل - كما في الجامع وبعض كتب الفاضل - ومصرح بعدمه مع التعجيل والتأجيل - كالمنتهى والتحرير والدروس - وظاهر المدارك وكشف اللثام والذخيرة: التردد في بعض الصور.
وعن المحقق الأردبيلي: الوجوب. والظاهر أنه مذهب القدماء، حيث لم يتعرضوا لاشتراط الخلو عن الدين. وهو الحق، لصدق الاستطاعة عرفا. والمستفيضة المصرحة: بأن الاستطاعة أن يكون له مال يحج به....
إلى أن قال:
ولا شك أن من استدان مالا على قدر الاستطاعة يكون ذلك ملكا له، فيصدق عليه أن عنده مالا، وله ما يحج به من المال. للانفاق على أن ما يقرض ملك للمديون، ولذا جعلوا من ايجاب صيغة القرض: " ملكتك "، وصرحوا بجواز بيعه وصرحوا بجواز بيعه وهبته وغير ذلك من أنحاء التصرف. والأخبار المتضمنة لوجوب الحج على من عليه دين بقول مطلق... ".»[1]
هذا و قد استدل صاحب العروة (قدس سره) لما اختاره ـ من مانعية الدين الا مع التاجيل والوثوق بالتمكن من اداء الدين اذا صرف ما عنده في الحج ـ بعدم صدق الاستطاعة في غير هذه الصورة و...
و مراده عدم صدق الاستطاعة اذا كان الدين حالاً مطالباً او كونه حالاً او موجلاً مع سعة الاجل للحج والعود
و اورد عليه السيد الحكيم (قدس سره):
« هذا الاستدلال لا يخلو من إجمال، وكان الأولى التعرض لما يعتبر في الاستطاعة ليتضح حصوله في المقام وعدمه.
وقد عرفت سابقا أن الظاهر من روايتي أبي الربيع و عبد الرحيم القصير: اعتبار السعة واليسار وهما غير حاصلين مع الدين إذا لم يزد ما يحتاج إليه في الحج على ما يقابل الدين، من غير فرق بين المؤجل والحال، مع المطالبة وبدونها.
ومجرد القدرة بعد ذلك على الوفاء في المؤجل وفي الحال مع الرضا بالتأخير، غير كاف في صدق السعة واليسار فعلا. ومن ذلك يظهر أن الأقوى ما ذكره في الشرائع وغيرها.»[2]
واما ما افاده صاحب العروة (قدس سره) في مقام الاستدلال الذي اورد عليه السيد الحكيم بانه لا يخلو عن اجمال هو:
ان المناط في وجوب الحج هو صدق الاستطاعة وهي تصدق مع كون الدين مؤجلاً بان يكون للمديون الاجل الي ادائه ووثوقه بالتمكن من ادائه بعد صرف ما عنده في الحج.
وظاهره (قدس سره): ان مناط الاستطاعة ليس مجرد كونه مالكاً للمال وكونه متمكناً من التصرف فيه باي وجه شاء، وبعبارة اخرى ان القدرة الفعلية في التصرف في المال المملوك له ليس محققاً للاستطاعة فقط. بل ان التمكن من قوة التصرف كاف في تحققه، فلذا إذا كان الدين مؤجلاً، وكان عنده ما يمكن بذله للحج، وكان عنده ايضاً ما يمكن بذله في اداء الدين عند مضي الاجل، كان مستطيعاً، وكذا إذا كان عنده ما يمكن بذله للحج في فرض تأجيل الدين وامكان حصول ما يمكن بذله في اداء الدين عند مضي الاجل، بان يكون له مال عند غيره بعنوان الدين، وكان انقضاء الدين قبل مضي اجل ما يلزمه بذله في اداء الدين، او مصادفاً له، فهو مستطيع ايضاً.
والصورة الاولى: ـ اي فرض ما كان عنده ما يمكن بذله في اداء الدين ـ متفق عليه بينه وبين غيره.
واما الصورة الثانية: ـ اي كون الدين مؤجلاً، وكون ما عنده من المال وافياً للحج، ولكن ليس عنده ما يفي بأداء دينه عند مضي اجله، بل هو تمكن لأدائه من جهة الوثوق بحصول مال له قبل مضي اجل الدين يفي بأدائه ـ فهي مورد تأمل بعض اعلام محشي كلامه، لرجوعه الى كفاية الوثوق بحصول المال لأداء دينه، من دون ان تكون القدرة الفعلية على ادائه حاصلة حين صرف المال في الحج، وهو يرجع الى كفاية امكان القدرة، او قوتها دون فعليتها، وهو وان أكد ذلك بصورة وثوقه بحصولها، الا ان وجه تأمل الاعلام عدم كفاية ذلك وان ما تقتضي الاستطاعة القدرة الفعلية على أداء الدين كالقدرة الفعلية على بذل ما عنده في الحج ومع فقدان هذه القدرة على اداء الدين. فلا محالة ليس عنده مما يتمكن من التصرف فيه فعلاً غير ما يمكن بذله في الحج، مع اشتغال ذمته بالدين.
ولعل ما افاده السيد الحكيم من الاجمال في استدلاله راجع الى هذه الجهة بان يكون الدليل شاملاً لصورة فقدان القدرة الفعلية على الوفاء بالدين عند مضي اجله ولذلك افاد بان الأولى التعرض لما يعتبر في الاستطاعة واعتبر فيها السعة واليسار بمقتضى ظهور روايتي ابي الربيع الشامي وعبد الرحيم القصير. وقد صرح بانهما غير حاصلين مع الدين إذا لم يزد ما يحتاج اليه في الحج على ما يقابل الدين من غير فرق بين المؤجل والحال، مع المطالبة وبدونها.
وصاحب العروة (قدس سره) تأكيداً على ما افاده من كفاية التمكن من الأداء و لو قوة ومع الوثوق بحصول ما يتمكن معه من الأداء في الاستطاعة انه لا يكفي عدم مطالبة الدائن عند الحلول، او رضائه بالتأخير في هذا المقام لتحقق الاستطاعة.
وتردد في صدقه إذا كان واثقا بالتمكن من الاداء في فرض كون الدين حالاً، مع عدم احرازه رضا الدائن بالتأخير، وان عبر هنا بعدم فعلية الرضا بالتأخير،
وليس ذلك الا انه (قدس سره) يرى صدق الاستطاعة بإمكان استيفاء الدين له في المستقبل بالوثوق بحصول المال الوافي له، ويشترك الكل في عدم تمكنه من اداء دينه فعلاً بمعنى عدم القدرة الفعلية عليه في الوقت التي اراد بذل ما عنده في الحج.
ثم انه (قدس سره) رد الاستدلال بالأخبار الواردة في جواز الحج لمن عنده دين كما في المستند.
[1] .السيد محسن الحكيم، مستمسك العروة الوثقي، ج10، ص94-96.
[2] .السيد محسن الحكيم، مستمسك العروة الوثقي، ج10، ص96-97.