بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه سي و دو
قال صاحب العروة:
«مسألة 17: إذا كان عنده ما يكفيه للحج وكان عليه دين ففي كونه مانعا عن وجوب الحج مطلقا، سواء كان حالا مطالبا به أو لا، أو كونه مؤجلا.أو عدم كونه مانعا إلا مع الحلول والمطالبة.
أو كونه مانعا إلا مع التأجيل أو الحلول مع عدم المطالبة.
أو كونه مانعا إلا مع التأجيل وسعة الأجل للحج والعود. أقوال:
والأقوى كونه مانعا إلا مع التأجيل والوثوق بالتمكن من أداء الدين إذا صرف ما عنده في الحج.
وذلك لعدم صدق الاستطاعة في غير هذه الصورة، وهي المناط في الوجوب، لا مجرد كونه مالكا للمال وجواز التصرف فيه بأي وجه أراد، وعدم المطالبة في صورة الحلول أو الرضا بالتأخير لا ينفع في صدق الاستطاعة، نعم لا يبعد الصدق إذا كان واثقا بالتمكن من الأداء مع فعلية الرضا بالتأخير من الدائن.
والأخبار الدالة على جواز الحج لمن عليه دين لا تنفع في الوجوب، وفي كونه حجة الإسلام.
وأما صحيح معاوية ابن عمار، عن الصادق(عليه السلام) عن رجل عليه دين أعليه أن يحج ؟ قال: نعم إن حجة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين.
وخبر عبد الرحمان عنه(عليه السلام) أنه قال: الحج واجب على الرجل وإن كان عليه دين.
فمحمولان على الصورة التي ذكرنا، أو على من استقر عليه الحج سابقا وإن كان لا يخلو عن إشكال كما سيظهر.
فالأولى الحمل الأول.
وأما ما يظهر من صاحب المستند من أن كلا من أداء الدين والحج واجب، فاللازم بعد عدم الترجيح التخيير بينهما في صورة الحلول مع المطالبة، أو التأجيل مع عدم سعة الأجل للذهاب والعود، وتقديم الحج في صورة الحلول مع الرضا بالتأخير، أو التأجيل مع سعة الأجل للحج والعود، ولو مع عدم الوثوق بالتمكن من أداء الدين بعد ذلك حيث لا يجب المبادرة إلى الأداء فيهما فيبقى وجوب الحج بلا مزاحم. ففيه:
أنه لا وجه للتخيير في الصورتين الأوليين، ولا لتعيين تقديم الحج في الأخيرتين بعد كون الوجوب تخييرا أو تعيينا مشروطا بالاستطاعة الغير الصادقة في المقام، خصوصا مع المطالبة وعدم الرضا بالتأخير.
مع أن التخيير فرع كون الواجبين مطلقين وفي عرض واحد.
والمفروض أن وجوب أداء الدين مطلق، بخلاف وجوب الحج فإنه مشروط بالاستطاعة الشرعية.
نعم، لو استقر عليه وجوب الحج سابقا، فالظاهر التخيير لأنهما حينئذ في عرض واحد. وإن كان يحتمل تقديم الدين إذا كان حالا مع المطالبة، أو مع عدم الرضا بالتأخير لأهمية حق الناس من حق الله.
لكنه ممنوع، ولذا لو فرض كونهما عليه بعد الموت يوزع المال عليهما، ولا يقدم دين الناس ويحتمل تقديم الأسبق منهما في الوجوب، لكنه أيضا لا وجه له كما لا يخفى.»[1]
و حاصله:
انه لو كان عنده ما يقدر معه من الحج ولكن كان عليه دين فهل يكون الدين مانعاً عن كونه مستطيعاً فلا يجب عليه الحج او لا؟
ففي المسالة اقوال اربعة:
الاول: ان الدين مانع عن وجوب الحج مطلقا بلا فرق بين كونه حالاً او مؤجلاً، وفي صورة كونه حالاً بلا فرق بين كونه مطالباً او غير مطالب.
الثاني: عدم كون الدين مانعاً الا مع الحلول و المطالبة، فلو كان عنده مال يفي للحج و كان عليه دين فلا يكون الدين مانعاً الا اذا كان حالاً ومطالباً.
الثالث: ان مانعية الدين تتوقف على كونه حالاً ومطالباً، واما لو كان مؤجلاً او كان حالاً ولكنه لا يطالبه الدائن مانعاً عن تحقق الاستطاعة ووجوب الحج.
الرابع: ان مانعية الدين تتوقف على كونه حالاً، واما لو كان مؤجلاً و كان الاجل واسعاً بمقدار الذهاب الى الحج والعود الى موطنه، فلا مانعية له.
و اختار صاحب العروة مانعية الدين في فرض كونه حالاً وليس واثقاً بالتمكن من ادائه.
فاذا كان الدين موجلا وكان واثقاً بتمكنه من ادائه فلا مانعية للدين عن حصول الاستطاعة و وجوب الحج.
قال السيد الحكيم:
« اختار الأول في الشرائع. قال(ره): " ولو كان له مال، وعليه دين بقدره لم يجب إلا أن يفضل عن دينه ما يقوم بالحج... "
وفي القواعد: " والمديون يجب عليه الحج إن فضل ماله عما عليه - وإن كان مؤجلا - بقدر الاستطاعة، وإلا فلا... ".
وفي الدروس: " والمديون ممنوع، إلا أن يستطيع بعد قضائه، مؤجلا كان أو حالا... ".
وفي المنتهى - بعد أن صرح بالتعميم - استدل عليه بعدم تحقق الاستطاعة مع الحلول، وتوجه الضرر مع التأجيل.
واختار الثاني في المدارك. قال في رد استدلال المنتهى: " ولمانع أن يمنع توجه الضرر في بعض الموارد كما إذا كان الدين مؤجلا، أو حالا لكنه غير مطالب به وكان للمديون وجه للوفاء بعد الحج. ومتى انتفى الضرر، وحصل التمكن من الحج تحققت الاستطاعة المقتضية للوجوب... ".
لكن اعتبر في الحال غير المطالب به وجود وجه للوفاء بعد الحج.
[1]. العروة الوثقي (المحشي)، ج4، ص 377-381.