بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه بيست و هشت
الثالث:
قد مر ان المعلوم بالاجمال اذا كان فعلياً من جميع الجهات، لوجب عقلاً موافقته مطلقاً، لعليته للتنجيز المستلزم لاستحقاق العقاب على مخالفته. بلا فرق بين ان يكون اطرافه المعلومة بالاجمال محصورة او غير محصورة.
الا ان في بعض موارد عدم الحصر، ربما يلازم عدم الحصر ما يمنع عن فعليته المعلوم بالاجمال مع انه لو لا هذا المانع لكان فعلياً من ساير الجهات.
وبعبارة اخرى:
ان الحكم الواقعي في الشبهة غير المحصورة فعلي كالشبهة المحصورة غير ان هذه الفعلية في كل طرف من اطراف الاحتمال منوطة بوجود ما ينمع عن فعليته كخروجه عن محل الابتلاء او حدوث الاضطرار الى بعض اطرافه فان عروض هذه الموانع انما يمنع عن فعلية الحكم المعلوم بالاجمال، والا فان كثرة الاطراف لا تضر بفعلية الحكم لان العقل لايرى تفاوتاً بين المحصورة و غيرها في التنجز فيما كان المعلوم اجمالا فعلياً.
و الحاصل:
ان كثرة الاطراف واختلافها في الشبهة غير المحصورة وعدمها في المحصورة لا يوجب تفاوتاً في ناحية العلم، وان التفاوت لو فرض مثل قيام المانع عن فعلية التكليف كان في ناحية المعلوم، وانه لا يختلف العلم من جهة التنجيز والفعلية باختلاف الاطراف قلة و كثرة مادام لم يحدث ما منع عن فعليته في ناحية المعلوم.
وما يمنع عن فعلية المعلوم كما يمكن ان يحدث في اطراف العلم الاجمالي كذلك يمكن ان يحدث في متعلق العلم التفصيلي، فهو غير مرتبط بالعلم وان المحصورة وغير المحصورة سيان في تنجيز التكليف بالعلم الاجمالي فيهما وفعليته. هذا.
وظاهره (قدس سره) التعريض لما افاده الشيخ (قدس سره) في الرسائل:
بان العلم الاجمالي يوجب تنجيز التكليف المعلوم في البين اذا كانت اطرافه محصورة ولا يوجبه ـ التنجيز ـ اذا كانت غير محصورة كما عليه المشهور بل ادعي عليه الاجماع. وصرح (قدس سره) بان نقل الاجمال مستفيض وهو كاف في المسألة.
ثم افاد (قدس سره) بانه قد ظهر مما حققناه من فعلية التكليف المعلوم بالاجمال في المحصورة وغيرها بلا تفاوت بينهما في الفعلية والتنجيز.
ان ما ربما يقال من انه يحتمل عدم وجوب الموافقة القطعية في اطراف العلم الاجمالي مع حرمة المخالفة القطعية لا وجه له لان التكليف المعلوم في اللبين اذا كان فعلياً لوجب موافقته وتحرم مخالفته، وان لم يكن فعلياً فلا تجب موافقته كما لم تحرم مخالفته، فلا وجه للتفكيك بين حرمة المخالفة القطعية و وجوب الموافقة القطعية في التنجيز في المقام.
و فيما افاده تعريض للشيخ (قدس سره) في الرسائل ايضاً:
وحاصله: ان الشيخ (قدس سره) افاد بان العقل وان يحكم بلزوم الاجتناب عن كلا المشتبهين او جميع اطراف الشبهة، الا انه جاز ان ياذن الشارع في ارتكاب احدهما مع جعل الاخر بدلاً عن الواقع في الاجتزاء بالاجتناب عنه.
و بعبارة اخرى: ان مقتضى امتثال الحكم المعلوم بالاجمال و ان كان لزوم الاجتناب عن المشتبهين عقلاً الا ان للشارع التصرف في مرحلة الامتثال واكتفائه بالموافقة الاحتمالية الحاصلة بترك احد الطرفين والترخيص في ارتكاب الاخر لمصلحة يراها. وعليه فان الامتثال التعبدي الحاصل باجتناب خصوص ما جعله الشارع بدلاً عن الحرام المعلوم بالاجمال، مؤمن من عقوبة المولى ورافع لموضوع حكم العقل بلزوم رعاية التكليف المعلوم بالاجمال في كل واحد من اطراف الشبهة، واكتفائه بالاجتناب عن احد الطرفين المحقق للموافقة الاحتمالية مبنية على كون العلم الاجمالي مقتضاً لوجوب الموافقة القطعية لا علة تامة له اذ لو كان علة لا وجه لترخيص المولى في بعض الاطراف.
فافاد صاحب الكفاية (قدس سره) في دفعه بان تأثير العلم الاجمالي في كل من الموافقة والمخالفة على حد سواء ولا وجه للتفكيك بينهما، فالعلم اما ان يكون علة للتنجيز وهو حرمة المخالفة القطعية و وجوب الموافقة القطعية، فانه كما تحرم المخالفة القطعية لوجوب الموافقة القطعية. واما ان لا يكون علة للتنجيز فيهما، فلا تحرم المخالفة القطعية كما لا تجب الموافقة القطعية ولا وجه للتفكيك بين المقامين.
الرابع:
ان مع تنجيز التكليف بالعلم الاجمالي مع فرض كونه فعلياً من جميع الجهات لا فرق بين ان يكون اطراف المعلوم دفعية، اي موجودة في زمان واحدة كالخمر المردد بين الانائين بحيث يتمكن المكلف من ارتكاب اي فرد منهما؛ او تدريجية اي موجودة شيئاً فشيئاً في ازمنة متعددة، فان التدرج في وجود اطراف العلم الاجمالي لا يمنع عن فعلية التكليف وتنجزه.
و بعبارة اخرى: انه كما يصح تعلق العلم الاجمالي بامر حاصل ويكون منجزاً كذلك يصح تعلقة بامر مستقبل كما هو في الواجب المعلق. وقد مثل صاحب الكفاية (قدس سره) في حاشيته على الرسائل، بما اذا علم المكلف بوجوب فعل خاص عليه بالنذر او الحلف في يوم معين و تردد ذلك اليوم بين يومين، فانه بمجرد انعقاد النذر يصير وجوب الوفاء به فعلياً، ويجب عليه الخروج عن عهدته والوفاء به بتكرار الفعل المنذور، فيجب عليه صوم كلا اليومين.
ولا مانع من صحة التكليف بامر استقبالي كما هو الحال في الحج حيث انه يجب عليه الحج فعلاً، مع انه معلق على حضور الموسم، فانما يستقر وجوبه في ذمته حالاً و قبل حلول الموسم، مع ان زمان الواجب كان في المستقبل. كما مثل به في المتن فيمكن في المقام تصوير التكليف المعلوم الذي كان بعض اطرافه سيتحقق موضوعه في المستقبل.
و اذا لم يكن التكليف المعلوم بالاجمال فعلياً من جميع الجهات، لاي وجه لم يكن منجزاً بالعلم الاجمالي بلا فرق بين ان تكون اطرافه دفعية او تدريجية. ومثل له في المتن بايام حيض المستحاضة قال (قدس سره):
« ومنه ظهر أنه لو لم يعلم فعلية التكليف مع العلم به إجمالا، إما من جهة عدم الابتلاء ببعض أطرافه، أو من جهة الاضطرار إلى بعضها معينا أو مرددا، أو من جهة تعلقه بموضوع يقطع بتحققه إجمالا في هذا الشهر، كأيام حيض المستحاضة مثلا، لما وجب موافقته بل جاز مخالفته.»[1]
[1]. الآخوند الخراساني، كفاية الاصول، ص359.