بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه شانزده
قال السيد الحكيم (قدس سره) في ذيل قول صاحب العروة: «ولو كانت موجودة وباعها بقصد التبديل باخر...»:
«ظاهره الفرق بين البيع بقصد التبديل وعدمه، مع أنه لا فرق بينهما، فإنه مع الضرورة إليها لا يجب صرف ثمنها في الحج مطلقا، ومع عدم الضرورة يجب صرف ثمنها في الحج مطلقا أيضا.
اللهم إلا أن يقال: إذا باع لا بقصد التبديل فقد أقدم على الحرج، ومع الاقدام على الحرج لا مجال لتطبيق دليل نفي الحرج.
وفيه: أنه أقدم على الحرج على أن تكون أثمانها باقية عنده، لا مطلقا، فوجوب الحج حينئذ تكليف حرجي بلا إقدام من المكلف عليه. مع أنه بناء على ذلك لا يكون وجه لقوله: " إلا مع الضرورة ". فإذا عبارة المتن لا تخلو من تشويش.»
فان ظاهر صاحب المستمسك (قدس سره) ابتناء المسألة على لزوم الحرج وعدمه واساس نظره في المقام التشكيك في وجوب الحج اذا باع المستثنيات لا بقصد التبديل مطلقاً، لان الحرج انما يلزم حتى لو باعها لا بقصد التبديل ولعل نظره (قدس سره) الى ان الحاجة اليها محققة بعد البيع وليس عنده زائداً عنها ليصرفه في الزاد والراحلة وعليه فان وجوب الحج في مفروض الكلام يصير حرجياً عليه ولا مانع لجريان ادلة نفي الحرج فيه وانه لا وجه لجريان شبهة انه اقدم على الحرج لان الحرج في صرف الثمن في الحج وانه لم يقدم عليه.
فلا وجه لما افاده صاحب العروة من وجوب الحج عليه الا لضرورة لان الضرورة باقية بعد البيع حتى اذا باعها لا بقصد التبديل.
ويمكن ان يقال:
انه اذا كان المدار على لزوم الحرج فان مع البيع فلا محالة كانت عنده اثمانها فاذا لم يرد التبديل فلا محالة لا يصرف الاثمان بعد البيع في المستثنيات فعلاً، فهنا شقان حاجته اليها على حد يستلزم الحرج عند عدمها وحاجته على حد لا يستلزمه، ففي الصورة الاخيرة كان عنده مال يمكنه صرفه في الزاد والراحلة بلا استلزام للحرج، فعند القائل بكون المدار في المسألة على الحرج لا مناص من القول بوجوب الحج الا مع استلزامه الضرورة، ومثل صاحب العروة انما يرى الضرورة على حد الحرج لا مطلقا و معه لكان استثناؤه بقوله: «الا لضرورة» في محله لإمكان تصوير بيع المستثنيات لا بقصد التبديل وعدم استلزامه صرف اثمانها في الحج الحرج المنفي.
وافاد السيد الخوئي (قدس سره):
تقدم استثناء جملة مما يحتاج اليه في ضروريات معاشه من الدار واثاث البيت ونحوها مما يقع من بيعها وصرف ثمنها في الحج في العسر والحرج، فلا يجب البيع لحكومة دليل الحرج على الادلة الاولية.
هذا فيما إذا كانت الاعيان موجودة واما لو كان الموجود اثمانها، فكان عنده من النقود ما يمكن شراؤها به جرى عليها حكم الاعيان ايضاً من عدم وجوب الحج لوكان بحاجة اليها، بحيث يقع من فقدها في الحرج والا وجب عليه الحج. فالضابط العالم هو الوقوع في الحرج من غير فرق بين الاعيان و الاثمان.
ويلحق بذلك ما لو تلفق من الصورتين فكانت له عين فباعها بقصد التبديل باخر مسانخاً للأول او مغايراً مع في فرض حاجته اليه بحيث يقع بدونه في الحرج.
واما باعها لا بقصد التبديل فقد حكم في المتن بوجوب صرف ثمنه بعد البيع في الحج الا مع الضرورة.
ولكن الظاهر هو التفصيل في المقام، اذ قد يكون حين البيع بانياً على صرف الثمن في شيء من حوائجه الضرورية التي هو في حرج من فقدها.
و اخرى يتردد في ذلك فلا يدري هل يصرفه في حوائجه او في غير حوائجه من اطعام و نحوه او انه يدّخره ويحافظ عليه. غير انه يرى ترقي القيمة ومن يشتريه بأعلى الثمن فيبيع فعلاً لكي يفكر في مصرفه فيما بعد.
وثالثة يبيع بانياً على عدم الصرف فيما يحتاج اليه بل لغاية الادخار مثلاً. فلا يجب الحج في الصورتين الاولين لان الالزام بصرف ما أعده لحوائجه الضرورية او ما هو مظنة الحاجة و معرض لها في الحج تكليف حرجي فينتفي بدليل رفع الحرج.
و يجب في الصورة الاخيرة اذ الحرج لم ينشأ فيها من الحكم الشرعي بل من بنائه و التزامه بعدم الصرف في حوائجه الضرورية، فهو عازم على تحمل الحرج المستند الى اختياره و ارادته سواء اوجب الشارع الحج عليه ام لا؟
ومن الواضح ان مثل هذا الحرج غير مشمول لدليل نفي الحرج بل يختص الدليل بالحرج الناشيء من قبيل الحكم الشرعي المفقود فيما نحن فيه حسب الفرض.
وهذا نظير من فرض على نفسه السكنى في خربة مع قدرته على تحصيل مسكن مناسب لشأنه فيدخر نقوده ويرضى لنفسه معيشة ضنكاً وحياة نكدا أفهل يتحمل عدم وجوب الحج في حقه بدليل نفي الحرج. فالظاهر هو التفصيل في المسألة على النهج الذي عرفت فتدبر جيدا.»
وما افاده (قدس سره) ناظر الى ما حققه السيد الحكيم (قدس سره) واساسه تصوير صورة عدم لزومه الحرج فيما اذا باع المستثنيات لا بقصد التبديل فان مع عدم قصده تارة يلزم الحرج وتارة لا يلزم ولذلك كان ما افاده صاحب العروة بقوله: «الا الضرورة» في محله.
وفي كلامه نكتتان:
الاولى:
ان الشخص اذا باع المستثنيات بانياً على عدم الصرف فيما يحتاج اليه بل لغاية الادخار مثلا، فان الحرج في هذا المقام لم ينشأ من جعل الحكم الشرعي بل انما نشأ من بنائه و التزامه بعدم الصرف في حوائجه الضرورية. فهو عازم على تحمل الحرج و المشقة المستند الى اختياره و ارادته، سواء كان هناك جعل من ناحية الشارع لوجوب الحج ام لا؟ وافاد بان الحرج من هذا القبيل ليس مشمولا لأدلة نفي الحرج، لان مورد دليله الحرج الناشيء من ناحية الحكم الشرعي. فهو مقدم للحرج، وان ادلة الحرج غير متكفلة لنفي الحرج في مورده.
فهو (قدس سره) انما تعرض في كلامه هذا لما افاده السيد الحكيم في كلامه ـ و قد مر نقله ـ من الاشكال بانه اذا باع لا بقصد التبديل فقد اقدم على الحرج ومع الاقدام على الحرج لا مجال لتطبيق دليل نفي الحرج وجوابه عنه: بانه انما اقدم على الحرج على ان تكون اثمانها باقية عنده، لا على ان تكون صرفها في الحج ومعه فوجوب الحج حينئذ تكليف حرجي بلا اقدام من المكلف عليه.
فأجاب السيد الخوئي (قدس سره) عنه بان الحرج انما يتحقق وان لم يكن هناك حكم من الشرع بوجوب الحج، فلا حرج ينشأ من ناحية الحكم الشرعي.
وليعلم ان غرض السيد الحكيم (قدس سره) ان الشخص في هذه الصورة انما يتحمل المشاق و الحرج بعدم تهيئة ما يحتاج اليه لفرض الادخار مثلاً، فاذا صرف هذه الاثمان في الحج فإنما وقع في المشقة من دون حصول غرضه اعني الادخار، فهو انما اقدم الادخار مع استلزامه الحرج ولكنه يتحمله، فاذا صرفه في الحج فإنما يلزم منه الحرج من غير ان يكون له ما يسهل له بحسب طبعه الدنيوي اعني الادخار بوجوب الحج انما يستلزم الحرج كما يستلزم الحرج الادخار، وصرف تحمله للحرج الناشيء عن الادخار لا يصحح تحمله بالنسبة الى الحرج الناشيء عن الحكم. واما اقدامه على الحرج فإنما اقدم عليه رجاء ادخار المال دون ذهابه لرعاية الحكم الشرعي. وادلة الحرج لا يشمل مثل المقام، لان المانع عن شموله الاقدام على الحرج الناشيء عن الحكم.
وفي كلامه نكتتان:
الاولى:
ان الشخص اذا باع المستثنيات بانياً على عدم الصرف فيما يحتاج اليه بل لغاية الادخار مثلا، فان الحرج في هذا المقام لم ينشأ من جعل الحكم الشرعي بل انما نشأ من بنائه و التزامه بعدم الصرف في حوائجه الضرورية. فهو عازم على تحمل الحرج و المشقة المستند الى اختياره و ارادته، سواء كان هناك جعل من ناحية الشارع لوجوب الحج ام لا؟ وافاد بان الحرج من هذا القبيل ليس مشمولا لأدلة نفي الحرج، لان مورد دليله الحرج الناشيء من ناحية الحكم الشرعي.
فهو مقدم للحرج، وان ادلة الحرج غير متكفلة لنفي الحرج في مورده.
فهو (قدس سره) انما تعرض في كلامه هذا لما افاده السيد الحكيم في كلامه ـ و قد مر نقله ـ من الاشكال بانه اذا باع لا بقصد التبديل فقد اقدم على الحرج ومع الاقدام على الحرج لا مجال لتطبيق دليل نفي الحرج وجوابه عنه: بانه انما اقدم على الحرج على ان تكون اثمانها باقية عنده، لا على ان تكون صرفها في الحج ومعه فوجوب الحج حينئذ تكليف حرجي بلا اقدام من المكلف عليه.
فأجاب السيد الخوئي (قدس سره) عنه بان الحرج انما يتحقق وان لم يكن هناك حكم من الشرع بوجوب الحج، فلا حرج ينشأ من ناحية الحكم الشرعي. وليعلم ان غرض السيد الحكيم (قدس سره) ان الشخص في هذه الصورة انما يتحمل المشاق و الحرج بعدم تهيئة ما يحتاج اليه لفرض الادخار مثلاً، فاذا صرف هذه الاثمان في الحج فإنما وقع في المشقة من دون حصول غرضه اعني الادخار، فهو انما اقدم الادخار مع استلزامه الحرج ولكنه يتحمله، فاذا صرفه في الحج فإنما يلزم منه الحرج من غير ان يكون له ما يسهل له بحسب طبعه الدنيوي اعني الادخار بوجوب الحج انما يستلزم الحرج كما يستلزم الحرج الادخار، وصرف تحمله للحرج الناشيء عن الادخار لا يصحح تحمله بالنسبة الى الحرج الناشيء عن الحكم. واما اقدامه على الحرج فإنما اقدم عليه رجاء ادخار المال دون ذهابه لرعاية الحكم الشرعي. وادلة الحرج لا يشمل مثل المقام، لان المانع عن شموله الاقدام على الحرج الناشيء عن الحكم.
دون الاقدام على الحرج الناشيء عن غيره.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. السيد محسن الحكيم، مستمسك العروة الوثقي، ج10، ص88.
2 . الشيخ مرتضي البروجردي، مستند العروة الوثقي تقرير البحث السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص108-110.