بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه چهارده
وقد افاد السيد الخوئي:
«وأما القول الثاني – وهو الحكم بالتخيير شرعا ـ، ففيه:
انه إن أريد به التخيير في المسألة الأصولية أعني بأحد الحكمين في مقام الافتاء نظير الاخذ بأحد الخبرين المتعارضين، فلا دليل عليه. وقياس المقام على الخبرين المتعارضين مع الفارق لوجود النص هناك دون المقام، فالافتاء بأحدهما بخصوصه تشريع محرم.
وإن أريد به التخيير في المسألة الفرعية أعني الاخذ بأحدهما في مقام العمل بأن يكون الواجب على المكلف أحد الامرين تخييرا من الفعل أو الترك، فهو أمر غير معقول، لأن أحد المتناقضين حاصل لا محالة، ولا يعقل تعلق الطلب بما هو حاصل تكوينا.
ولذا ذكرنا في محله انه لا يعقل التخيير بين ضدين لا ثالث لهما لان أحدهما حاصل بالضرورة، ولا يعقل تعلق الطلب به.»[1]
ويمكن ان يقال:
اما بالنسبة الي ما افاده اولاً:
فإن المدعي عنه القائل بالتخيير شرعاً في المقام – وحسب تعبيره تبعاً للشيخ ـ التخيير في المسألة الاصولية تنقيح المناط الجاري في باب الخبرين المتعارضين للتخيير في المقام، وإن مناط التخيير هناك قابل للجريان في دوران الأمر بين المحذورين بمقتضي الوجوه التي ذكروها، والا فإن القائل به يعلم انه ليس لنا نص دال علي التخيير في المقام، فلا يتم دفع هذه المقالة بصرف عدم الدليل وأنه قياس بباب الخبرين.
كما انه قد ظهر ان مع فرض الالتزام بتنقيح المناط واسراء الحكم لا يلزم اي تشريع.
وأما بالنسبة الي ما افاده ثانياً.
فإن الترك في مقام الدوران بين الترك والفعل، وإن كان حاصلاً الا ان هذا الحصول بدوي قابل للنقض بالفعل، ومع تعلق الطلب بابقاء الترك وعدم نقضه بالفعل، ليس تعلق الطلب به لغواً والا لزوم لغوية جميع النواهي، حيث ان متعلق الطلب فيها الترك او الزجر عن العقل، ولا شبهة في عدم لغوية هذا الطلب بعد ما كان المطلوب فيه الزجر او الترك بقاءً.
والتحقيق:
ان تنقيح المناط واسراء حكم من مورد الي مورد آخر يتوقف علي عدم وجود خصوصية فيما يسري الحكم منه الي غيره. وفي الحكم بالتخيير في الخبرين المتعارضين خصوصيات غير متحققة في المقام.
ومن جملتها ما افاده الشيخ بتأكيده علي حيثية التسليم، وأنه تخيير بين الحجتين والخبرين المرويين عنهما.
وهذا ما يوجب افتراقه مع المقام حيث انه لا يدور الأمر في الواقع بينهما، بل يدور امر الحجية بينهما كما مر في كلام صاحب الكفاية بكلا مبنيي الطريقية والسببية.
ومنه قد ظهر عدم تمامية جريان خصوصية نفي الثالث التي هي مقتضي الدلالة الالتزامية حتي مع الالتزام بتبعيتها للدلالة المطابقية. وذلك لما مر من عدم جواز الخروج عن الالتزام بأحد الخبرين الجامعين لشرائط الحجية، فإن مع عدم امكان الأخذ بهما يلزم الأخذ بأحدهما حذراً عن طرح الحجة الثابتة المروية عنهم (عليهم السلام)، كما انه قد ظهر عدم تمامية الاولوية المدعاة للتخيير في دوران الأمر بين الحكمين الواقعيين بالنسبة الي التخيير بين الحجتين.
نعم ان ما ذكره صاحب الكفاية من انه لو كان وجه التخيير في الخبرين الأخذ بأحدهما لأنهما وردا في مقام ابداء احتمال الحكم في الواقع، فهو قابل للجريان في دوران الأمر بين المحذورين. ولكن المشكل فيه علي ما مر في تقريب وجه تأمل صاحب الكفاية:
ان التخيير هناك ثابت بين الحجتين، وصرف ابداء الاحتمال لا يلزم ان يكون بالخبر الحجة، بل انه يمكن حتي مع عدم اعتبار الخبر وهذه خصوصية جارية في باب التعارض غير جار في المقام، فيمكن تصوير قابليته للمنع عن اسراء الحكم.
هذا مع ان المستفاد من الاخبار العلاجية الأخذ بمضمون احد الخبرين حتي مع احتمال حكم آخر في مورده، والمدعي في المقام في دوران الأمر بين المحذورين عدم احتمال حكم اخر فيه، لأن المفروض فيه عدم خلو الواقعة عن الحكمين.
القول الرابع: الالتزام بالتخيير عقلاً.
فقد مر اختياره من صاحب الكفاية بقوله:
«والتخيير بين الترك والفعل عقلا، مع التوقف عن الحكم به رأسا، أو مع الحكم عليه بالإباحة شرعا، أوجهها الأخير، لعدم الترجيح بين الفعل والترك،...»[2]
وقد افاد بعد سطور:
«ولا يذهب عليك ان استقلال العقل بالتخيير انما هو فيما لا يتحمل الترجيح في احدهما علي التعيين...»
والمستفاد منه ان العقل مستقل بالتخيير فيما دار الأمر بين الفعل والترك او الوجوب والحرمة اذا لم تكن مزية ورجحان في احدهما.
وأفاد المحقق النائيني (قدس سره):
« فما قيل: من أن الأصل في دوران الأمر بين المحذورين هو التخيير، ليس على ما ينبغي إن كان المراد منه الأصل العملي المجعول وظيفة في حال الشك، لما عرفت: من أنه لا يمكن جعل الوظيفة في باب دوران الأمر بين المحذورين، من غير فرق بين الوظيفة الشرعية والعقلية.
أما الوظيفة الشرعية: فواضح بالبيان المتقدم.
وأما الوظيفة العقلية: فلأن التخيير العقلي إنما هو فيما إذا كان في طرفي التخيير ملاك يلزم استيفائه ولم يتمكن المكلف من الجمع بين الطرفين كالتخيير الذي يحكم به في باب التزاحم وفي دوران الأمر بين المحذورين ليس كذلك، لعدم ثبوت الملاك في كل من طرفي الفعل والترك، فالتخيير العقلي في باب دوران الأمر بين المحذورين إنما هو من التخيير التكويني، حيث إن الشخص لا يخلو بحسب الخلقة من الأكوان الأربعة، لا التخيير الناشئ عن ملاك يقتضيه، فأصالة التخيير عند دوران الأمر بين وجوب الفعل وتركه ساقطة.»[3]
وقد افاد قبل سطور:
« وهو ـ التخيير العقلي ـ فيما إذا لم يكن بين الشيئين جامع خطابي كما إذا دار الأمر بين وجوب أحد الشيئين وحرمة الآخر أو وجوب أحد الشيئين ووجوب شئ آخر لا يجمعهما جنس قريب. وإما تخييرا عقليا وهو فيما إذا كان بين الشيئين جامع خطابي كما إذا دار الأمر بين وجوب إكرام هذا العالم أو ذلك العالم، فإنه يصح التكليف باكرام العالم مبهما، فيكون المكلف مخيرا عقلا في إكرام أحد الفردين أو الأفراد.
وعلى كل حال: يعتبر في تأثير العلم الإجمالي أن يكون المعلوم بالإجمال صالحا لتشريعه كذلك، أي على ما هو عليه من الإجمال.
فان كان المعلوم بالإجمال غير صالح لتشريعه كذلك وكان قاصرا عن أن يكون داعيا ومحرما لإرادة العبد، فالعلم الإجمالي المتعلق به لا يقتضى التأثير والتنجيز وكان وجوده كعدمه، كما في موارد دوران الأمر بين المحذورين، فان التكليف المردد بين وجوب الشئ أو حرمته قاصر عن أن يكون داعيا ومحركا نحو فعل الشئ أو تركه، لأن الشخص بحسب خلقته التكوينية لا يخلو عن الفعل أو الترك، فلا يصح تشريع التكليف على هذا الوجه، لأن تشريع التكليف على هذا الوجه لا أثر له ولا يزيد على ما يكون المكلف عليه تكوينا، فإنه إما أن يفعل وإما أن لا يفعل، فهو غير قابل لتحريك عضلات العبد وغير صالح للداعوية والباعثية، فإذا كان متعلق العلم الإجمالي وجوب الفعل أو حرمته، فالعلم لا يقتضى تنجيز متعلقه وكان وجوده كعدمه.»[4]
[1]. البهسودي، مصباح الاصول تقرير البحث السيد الخوئي، ج2، ص329.
[2]. الآخوند الخراساني، كفاية الاصول، ص355.
[3]. الشيخ محمد علي الكاظمي، فوائد الاصول تقرير البحث السيد النائيني، ج3، ص444-445.
[4]. الشيخ محمد علي الكاظمي، فوائد الاصول تقرير البحث السيد النائيني، ج3، ص443.