درس خارج اصول/ المقصد السابع: اصول عمليه/ دوران الامر بين المحذورين جلسه دوازده
صوت درس:
بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه دوازده
وعمدة ما يوجه به هذا القول امور:
الاول:
ان المناط في الحكم بالتخيير في الخبرين المتعارضين بقوله (عليه السلام): وبأي منهما اخذت من باب التسليم وسعك[1]، مجرد ابدائهما احتمال الوجوب والحرمة، ويسري هذا الحكم الي كل مورد ظهر فيه ابدائهما، و المقام منه، وقد عرفت ذكره في كلام صاحب الكفاية، وقرره الوجه المصحح لقياس المورد بباب تعارض الخبرين، وإن كان نفسه (قدس سره) تأمل فيه.
الثاني:
ان الملاك في الحكم بالتخيير في الخبرين عدم خلو الواقع عن الحكمين المذكورين في الخبرين، ويلزم عدم خروج الحكم عنهما بمقتضي الدلالة المطابقية في الاخبار العلاجيّة، وهذا المناط جار بعينه في المقام.
الثالث:
ان المستفاد من الأخبار العلاجية بالدلالة الالتزامية نفي الثالث، فلا يتم الالتزام الا بأحدهما، وفي المقام حيث انه يدور الأمر في الواقع بين الحكمين، فيلزم عدم الالتزام الا بأحد الحكمين اعني الوجوب والحرمة وعدم الخروج عنهما.
الرابع:
ان رعاية الحكم الظاهري وهو الحجية، انما يدل بالفحوي علي رعاية الحكم الواقعي، فإذا ثبت التخيير بين الحجتين في مقام التعارض وعدم طرحهما، فإنما يثبت الحكم بالتخيير في دوران الأمر بين الحكمين الواقعيين بالطريق الأولي.
قال الشيخ (قدس سره):
« ومن هنا يبطل قياس ما نحن فيه بصورة تعارض الخبرين الجامعين لشرائط الحجية الدالة أحدهما على الأمر والآخر على النهي، كما هو مورد بعض الأخبار الواردة في تعارض الخبرين.
ولا يمكن أن يقال: إن المستفاد منه - بتنقيح المناط - وجوب الأخذ بأحد الحكمين وإن لم يكن على كل واحد منهما دليل معتبر معارض بدليل الآخر.
فإنه يمكن أن يقال: إن الوجه في حكم الشارع هناك بالأخذ بأحدهما، هو أن الشارع أوجب الأخذ بكل من الخبرين المفروض استجماعهما لشرائط الحجية، فإذا لم يمكن الأخذ بهما معا فلا بد من الأخذ بأحدهما، وهذا تكليف شرعي في المسألة الأصولية غير التكليف المعلوم تعلقه إجمالا في المسألة الفرعية بواحد من الفعل والترك، بل ولولا النص الحاكم هناك بالتخيير أمكن القول به من هذه الجهة، بخلاف ما نحن فيه، إذ لا تكليف إلا بالأخذ بما صدر واقعا في هذه الواقعة، والالتزام به حاصل من غير حاجة إلى الأخذ بأحدهما بالخصوص.
ويشير إلى ما ذكرنا من الوجه: قوله ( عليه السلام ) في بعض تلك الأخبار: " بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك".
وقوله ( عليه السلام ): " من باب التسليم " إشارة إلى أنه لما وجب على المكلف التسليم لجميع ما يرد عليه بالطرق المعتبرة من أخبار الأئمة ( عليهم السلام ) -.
كما يظهر ذلك من الأخبار الواردة في باب التسليم لما يرد من الأئمة ( عليهم السلام )، منها قوله: " لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك في ما يرويه عنا ثقاتنا "-، وكان التسليم لكلا الخبرين الواردين بالطرق المعتبرة المتعارضين ممتنعا، وجب التسليم لأحدهما مخيرا في تعيينه.
ثم إن هذا الوجه وإن لم يخل عن مناقشة أو منع، إلا أن مجرد احتماله يصلح فارقا بين المقامين مانعا عن استفادة حكم ما نحن فيه من حكم الشارع بالتخيير في مقام التعارض، فافهم.»[2]
[1]. وسائل الشیعة (آل البیت)، ج27، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، ص108، الحدیث33339/6.
[2]. الشيخ الانصاري، فرائد الاصول، ج2، ص181-183.