بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه ده
و يمكن ان يقال:
نظر السيد الحكيم (قدس سره) ان وجه التزام الشهيد في الدروس بعدم وجوب البيع في مقام الاعتياض بالوقوف العامة، او فتوى صاحب الجواهر بان الاقوى عدم وجوب بيعها لذلك، تنافيه لشأن المكلف بان السكني في العمار الموقوفة لا يليق بشأنه، او ان بيعه و إعتياضه بها يستلزم الحرج.
و بما ان صاحب العروة (قدس سره) قيد ذلك بعدم تنافيه لشأنه وعدم استلزامه الحرج، فلا تنافي بين اختيار صاحب العروة و العلمين (قدس سرهم) و صرح (قدس سره) بانه لا وجه غير الامرين لاختيارهما لانه خلاف اطلاق الادلة، ومراده ان اطلاقات وجوب الحج واشتراطه بالاستطاعة انما تقتضي الوجوب اذا تمكن المكلف من الاتيان بالحج، و مع فرض كون الدار الموقوفة بيده و كفايتها عن الدار المملوكة في معاشه. فلا محالة تصير المملوكة زائدة على ما يحتاج اليه في معاشه المتعارف بحيث يتمكن معها من الاتيان بالحج. ولا يمنع عنه الا مثل الحرج و تنافي ذلك لما يليق بشأنه، و المفروض انتفائهما في موضوع الكلام.
هذا ولكن فيه:
ان كلام صاحب الجواهر مطلق يشمل عدم وجوب البيع مطلقا سواء استلزم الحرج ام لا و سواء كان ذلك يليق بشأنه او لا، كالتزام الشهيد في الدروس حتى ان صاحب الجواهر في فرض اقدامه بالاعتياض مع عدم وجوبه عليه، لم يجزم بتحقق الاستطاعة، بل احتمل تحققها، و هذا مما يظهر منه التأمل في شمول الاطلاقات للمقام.
نعم: يمكن ان يقال ان السكني في الدار الموقوفة بطبيعته حرجي او لا يليق بشأن الشخص خصوصاً لو كانت له دار مملوكة، او لما افاد السيد البروجردي (قدس سره) في حاشيته بعد قول صاحب الجواهر: اذا لم يكن ذلك منافياً لشأنه، و لم يكن عليه حرج في ذلك:
«ولا في معرض الزوال باخذ الناظر اياها منه او بمزاحمة سائر الشركاء.»
و لكن مفروض البحث ما اذا لم يكن في السكنى في الدار الموقوفة او في بيع المملوكة اي محذور من الحرج و التنافي مع شأنه، و لا كونها في معرض الزوال من قبل المتولي او الناظر، او الشركاء، حتى في فرض عدم مزاحمة سكناه لحق الاخرين الداخلين في مصرف الوقف هل يكون في جهته المقتضي في المسألة و هو شمول اطلاقات وجوب الحج بالاستطاعة اشكال ام لا؟ و ظاهر صاحب العروة ذلك و هو مراد السيد الحكيم (قدس سره) ايضاً.
و لا نرى في شمول الادلة للمقام اشكالاً، بل هو نظير ما فرضه صاحب الجواهر قبل ذلك من انه اذا لم يكن له الدار و كان عنده ثمنها و لكن تقضى حاجته المعيشية من حيث السكنى بالاجارة من دون ان ينافي شانه او وقع في الحرج، فافاد (قدس سره) فيه بان في عد هذا الثمن من المستثنيات اشكال.
وهنا نسأل منه (قدس سره) بانه ما الفرق بين المقامين.
اما المسالة الثانية:
وهي ما لو لم تكن بيده دار موقوفة وامكنه تحصيلها، فافتى صاحب العروة (قدس سره) بعدم وجوب تحصيلها و عدم وجوب بيع ما عنده من الدار المملوكة.
وقد فرق نفسه بان الفرق عدم صدق الاستطاعة في هذه الصورة بخلاف الصورة الاولى الا اذا حصلت بلا سعي منه او حصلها مع عدم وجوبه فانه بعد التحصيل يكون كالحاصل.
و نظره (قدس سره) الى ان تحصيل الدار الموقوفة للسكنى تحصيل للاستطاعة و هو غير واجب
و اورد عليه السيد الخوئي(قدس سره):
فصلّ (قدس سره) فيمن كانت عنده دار مملوكة و اما امكنه السكنى في دار اخرى موقوفة من غير اي حرج و مهانة او منافاة لشانه بين ما اذا كانت الدار الموقوفة تحت يده و تصرفه و بين ما اذا لم تكن موجودة وامكنه تحصيلها من غير اي حرج.
ففي الاول يجب بيع المملوكة لصدق الاستطاعة بعدم الحاجة دون الثاني لعدم صدقها و البيع المزبور تحصيل لها وهو غير واجب. ولكن الفرق غير الظاهر، لتحقق الاستطاعة على التقديرين اذ ليست هي الا التمكن من الزاد و الراحلة عيناً او قيمة بان يجد ما يحج به و هو حاصل في المقام ببيع داره المملوكة و صرف ثمنها فيه و انما استثنينا بيع دار فيما تقدم من اجل ان بيعه حرج عليه بعد فرض الاحتياج اليه.
والمفروض هنا انتفاء الحرج للتمكن من تحصيل الدار الموقوفة من غير اي حرج فيه فلا مجال للاستثناء في المقام.
وبعبارة اخرى:
تحصيل الدار الموقوفة ليس تحصيلاً للاستطاعة ليقال بعدم وجوبه بل الاستطاعة متحقق بواجديته للدار المملوكة الممكن بيعها وصرفها في سبيل الحج غايته انا لا نلتزم بوجوب هذا البيع من اجل الوقوع الحرج و لاجله حكمنا بالاستثناء.
و اما في المقام فلا حرج بعد امكانه الانتفاع من دار اخرى و لو كانت موقوفة بعد عدم كونه منافياً لشانه ولا الوقوع في الحرج كما هو المفروض فاي موقع بعد هذا للالتزام بالاستثناء في المقام.
وعلى الجملة:
فلا فرق بين الحدوث و البقاء والتفصيل المزبور في غير محله بل يجب بيع المملوكة اذا كان يعلم بامكان تحصيل الموقوفة من غير اية مشقة دون ما لو شك فيها كما لايخفى.[1]
و اساس ما افاده في مقام الاشكال على صاحب العروة (قدس سره):
ان من كان بيده دار مملوكة يسكن فيها و يقدر على تحصيل دار موقوفة و لم يكن عليه حرج في ذلك، و لم يكن منافياً لشأنه، لا وجه لعدم وجوب بيع ما عنده، و لا وجه لتوجيهه بانه تحصيل للاستطاعة المفروض عدم وجوبه.
و ذلك لانه انما تتحقق له الاستطاعة بواجديته للدار المملوكة التي يتمكن من بيعها، فكان بمنزلة من كان بيده ارض او عقار يتمكن من الاتيان بالحج ببيعها، فان وجوب البيع عليه ليس تحصيلاً للاستطاعة لانه واجد لما يتمكن معه من الحج، فلا وجه لاستثناء المورد بوجه.
و يمكن ان يقال:
ان نظر صاحب العروة (قدس سره) في هذا الاستثناء ان المورد و ان كان الشخص فيه واجداً للدار المملوكة، الا ان الدار الموقوفة ليست تحت يده فعلاً ليسكن فيها، بل لزم تحصيلها بمعنى السعي في وجدانها و الفحص عنها و الاستطاعة ليست متحققة بنفس واجديته للدار المملوكة، بل انما تتحقق بوجدان الدار الموقوفة المناسبة لسكناه من غير حرج، و لا منافاة لشأنه، و المفروض انها ليست موجودة فعلاً و تحت يده، فاذا كانت الاستطاعة متوقفة عليه فلا محالة مادام لم تقع الموقوفة تحت يده، ليست الاستطاعة فعلية بل كان ذلك من قبيل ان الشخص اذا امكنه اشتراء جنس ثم باعه بهذه القيمة لتمكن من الاتيان بالحج، فان في المقام ربما فَحَصَ الشخص و لم يجد الدار الموقوفة المناسبة له، او كان سكناه فيها في معرض الزوال باخذ الناظر او المتولي، او حصل و لم يجدها، فان صرف واجديته للدار المملوكة مادام لم تقع الدار الموقوفة تحت يده لا توجب تحقق الاستطاعة، و معه لا وجه لوجوب بيع ما عنده من المملوكة.
فما افاده صاحب العروة (قدس سره) من استثناء المورد عما اختاره من وجوب البيع في محله.
قال صاحب العروة:
«مسألة 12: لو لم تكن المستثنيات زائدة عن اللائق بحاله بحسب عينها لكن كانت زائدة بحسب القيمة وأمكن تبديلها بما يكون أقل قيمة مع كونها لائقا بحاله أيضا فهل يجب التبديل للصرف في نفقة الحج أو لتتميمها ؟
قولان من صدق الاستطاعة ومن عدم زيادة العين عن مقدار الحاجة ، والأصل عدم وجوب التبديل، والأقوى الأول.
إذا لم يكن فيه حرج أو نقص عليه وكانت الزيادة معتدا بها ، كما إذا كانت له دار تسوي مائة وأمكن تبديلها بما يسوي خمسين مع كونه لائقا بحاله من غير عسر فإنه يصدق الاستطاعة ، نعم لو كانت الزيادة قليلة جدا بحيث لا يعتنى بها أمكن دعوى عدم الوجوب، وإن كان الأحوط التبديل أيضا.»[2]
[1]. الشيخ مرتضي البروجردي، مستند العروة الوثقي تقرير البحث السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص103-104.
[2] . العروة الوثقي (المحشي)، ج4، ص 371-372.