بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هفت
ويمكن ان يقال:
ان في المسألة جهات من البحث:
الاولى:
ان ظاهر الأعلام جريان البحث في المسألة على مدار المانع، بمعنى ان تحقق الاستطاعة امر مسلم وان البحث في مقام الخروج عن عهدة التكليف المستقر في الذمة، وان في هذه المقام لزمه بيع ما عنده الا ان هنا يمنع عن بيع ما عنده ادلة العسر والحرج المانعة عن بيع مثل دار السكنى وخادمه المحتاج اليه و المركب كذلك. وهو قابل للتأمل.
وذلك لان من كان متمكناً من دار السكنى والمركب والخادم وامثاله وليس له زاد و راحلة زائداً على ما يحتاج اليه في معاشه فانه لا تحقق الاستطاعة بالنسبة اليه و قد مر ان المعيار في وجوب الحج والشرط له هي الاستطاعة العرفية، والعرف لا يرى الاستطاعة للحج فيمن ليس عنده ما زاد عما يحتاج اليه في معاشه المتعارف له و ان مثل دار السكني وفرس الركوب و الخادم وآلات الصنائع مما يحتاج اليه في معاشه، و معه فلا معنى لاستثناء هذه الموارد لجريان البحث على مدار الاقتضاء وان من لا يقدر على الزائد عنها هل يتم له الاقتضاء لوجوب الحج ام لا؟
وقد نبه على هذه الجهة السيد البروجردي (قدس سره) في حاشيته على المسألة فانه افاد بعد قول صاحب العروة (قدس سره): «لاستلزام التكليف بصرفها في الحج العسر والحرج»:
« بل لأنه لا يقال للإنسان المحتضر المحتاج في حضره إلى معايش كثيرة أنه يستطيع السفر إلا إذا كان له زاد السفر وراحلته زائدا على حوائجه الحضرية وأما من لا يتهيأ له مؤن السفر إلا بهدم أساس تحضره فهو غير مستطيع للسفر عرفا.»[1]
والمستفاد منه (قدس سره):
ان الشرط لوجوب الحج هي الاستطاعة والمعيار فيها الاستطاعة العرفية، وعرفه بان يكون له زاد و راحلة زائداً على حوائجه الحضرية والمراد منها ما يحتاج اليه في معاشه المتعارف له، واما من لا يتمكن من الزاد والراحلة الا ببيع ما يحتاج اليه في معاشه المتعارف فانه لا تتحقق في مورده الاستطاعة المعتبرة وعليه فان الاستدلال بمثل فحوى رواية ابي الربيع الشامي بقوله (عليه السلام):
«السعة في المال اذا كان يحج ببعض و يبقى بعضاً لقوت عياله»، او رواية عبدالرحيم القصير بقوله: «ذلك القوة في المال واليسار» وغيرهما نظير ما رواه الصدوق باسناده عن الاعمش عن جعفر بن محمد (عليه السلام) في حديث شرايع الدين بقوله (عليه السلام): «وحج البيت واجب على من استطاع اليه سبيلاً، وهو الزاد والراحلة مع صحة البدن و ان يكون للانسان ما يخلفه على عياله وما يرجع اليه من حجه».
وفحوى موثقة ابي بصير عن ابي عبدالله (عليه السلام): «من مات وهو صحيح موسر ولم يحج فهو ممن قال الله عزوجل، ونحشره يوم القيمة اعمى».
انما يتم في ان المراد من الاستطاعة هي العرفية، وان التكليف بالحج انما يستقر اذا تمكن من الزاد والراحلة زائداً على مصارفه الضرورية في معاشه الحضرية.
كما ان ما اكد عليه صاحب الجواهر (قدس سره) من تنظير المقام بباب الدين ايضاً انما يدل على هذا المدعى حيث ان المديون لا يمنع من مصارفه الضرورية في معاشه المتعارف لاجل اداء الدين، فكيف بدين الخالق، ودلالته انما تتم في عدم مطالبة الشارع التكليف لمن ليس له زاد و راحلة زائداً عن مصارفه المتعارفة، وهو يرجع ايضاً الى اصل المقتضي لوجوب الحج دون مقام الأستثناء.
وكذا ان ما ذكر بعنوان معقد الاجماع ايضاً ليس ظاهراً في الاستثناء بل المذكور في عمدة الكلمات انه لاتباع ثياب مهنته، او لا يباع خادمه ولا دار سكناه للحج، وهو قابل للرجوع الى المعيار في وجوب الحج وهو الاستطاعة العرفية وان من ليس عنده غير مصارفه في معيشته من قبيل الثياب المذكور او دار السكنى لا يكون مستطيعاً فلا تكليف عليه بالحج ببيعها.
هذا مع انه يمكن ان يقال:
انه يحتمل ان يكون استدلال صاحب العروة بدليل الحرج في مقام الاستثناء وكذا ما جرى هذا المجرى في كلام غيره كصاحب المدارك وصاحب الجواهر ليس ناظراً الى الاستدلال في استثناء بيع هذه الموارد بعد ثبوت الحج و وجوبه بل كان مدلول كلامهم ان الضابط فيما يحتاج اليه في معاشه المتعارف هي ما يستلزم بيعه العسر و الحرج بالنسبة الى المكلف فذكر ادلة الحرج والاستناد اليه حقيقة كان في مقام بيان الضابطة لتحقق الاستطاعة التي نعبر عنها بالعرفية فيرجع الكلام في الحقيقة الى مقام الاقتضاء اي مقام تحقق الاستطاعة.
و معه يمكن التوفيق بين ما افاده صاحب العروة و غيره مع ما افاده السيد البروجردي (قدس سره) في الحاشية والشاهد عليه انه ليس مراد الاعلام استثناء البيع بعد استقرار الحج وتخلفه عن عام الاستطاعة، بل محط كلامهم في مقام تحقق الاستطاعة وانه هل هي تتحقق بييع هذه المذكورات ام لا.
وان امكن الإشكال في بعض وجوه الاستدلال كقياس المقام بباب الدين حيث انه ليس على ذمة المكلف دين من الله قبل تحقق الاستطاعة.
[1]. العروة الوثقي (المحشي)، ج4، ص370.