بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هفت
و اما البراءة الشرعية:فاورد علي جريانها في المقام المحقق النائيني (قدس سره)
بما حاصله:
ان الحكم الظاهري لابد له من اثر شرعي و الا كان لغواً وجعل البراءة فيما نحن فيه لا اثر له، لان المكلف لا يخلو من الفعل او الترك قهراً، وفي دوران الامر بين الفعل و الترك ان العقل حاكم بالترخيص و التخيير.
هذا مضافاً:
الي ان رفع الالزام انما يصح في المورد الذي كان قابلاً للوضع بجعل الاحتياط – علي ما افاده في تقريب دلالة حديث الرفع – و فيما نحن فيه لا يتمكن الشارع من جعل الاحتياط، لعدم امكان الاحتياط في المقام لعدم امكان الجمع بين الفعل و الترك. فلا معني لرفع التكليف.[1]
و اجاب عنه السيد الخوئي (قدس سره):
اما بالنسبة الي ما افاده اولاً:
« وفيه ان الملحوظ في الحكم الظاهري هو كل واحد من الوجوب والحرمة مستقلا، باعتبار ان كل واحد منهما مشكوك فيه، مع قطع النظر عن الاخر فيكون مفاد رفع الوجوب ظاهرا هو الترخيص في الترك.
ومفاد رفع الحرمة ظاهرا هو الترخيص في الفعل، فكيف يكون جعل الحكم الظاهري لغوا ؟ مع أنه لو كان عدم خلو المكلف من الفعل أو الترك موجبا للغوية الحكم الظاهري، لكان جعل الإباحة الظاهرية في غير المقام أيضا لغوا، وهو ظاهر الفساد.»
و لعل نظره (قدس سره) الي ان محذور اللغوية في جريان البراءة الشرعية محذور عام جار في جمع موارد البراءة لفرض حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان فيها و عدم لزوم الاحتياط بناءً عليه عند الكل. و الجواب هناك هو الجواب هنا.
و اجاب عما افاده ثانياً – و هو ما مر بقولنا مضافاً -.
« ان المورد قابل للتعبد بالنسبة إلى كل من الحكمين بخصوصه، فان القدرة على الوضع انما تلاحظ بالنسبة إلي كل من الوجوب والحرمة مستقلا لا إليهما معا، وحيث إن جعل الاحتياط بالنسبة إلى كل منهما بخصوصه امر ممكن: فلا محالة كان الرفع أيضا بهذا اللحاظ ممكنا.
وتوضيح ذلك: أن القدرة على كل واحد من الافعال المتضادة كافية في القدرة على ترك الجميع، ولا يعتبر فيها القدرة على فعل الجميع في عرض واحد، ألا ترى ان الانسان - مع عدم قدرته على ايجاد الافعال المتضادة في آن واحد - يقدر على ترك جميعها، وليس ذلك إلا من جهة قدرته على فعل كل واحد منها بخصوصه، ففي المقام وان لم يكن الشارع متمكنا من وضع الالزام بالفعل والترك معا، ولكنه متمكن من وضع الالزام بكل منهما بخصوصه، وذلك يكفي في قدرته على رفعهما معا، وحينئذ فلما كل كل واحد من الوجوب والحرمة مجهولا، كان مشمولا لأدلة البراءة، وتكون النتيجة هو الترخيص في كل من الفعل والترك. »[2]
هذا و اورد علي جريان البراءة في المقام المحقق الاصفهاني (قدس سره) بما حاصله:
ان ظاهر ادلة البراءة كونها في مقام معذورية الجهل و ارتفاعها بالعلم فما كان تنجزه وعدمه من ناحية العلم والجهل كان مشمولاً للغاية والمغيى وما كان من ناحية التمكن من الإمتثال وعدمه فلا ربط له بادلة البراءة، و ما نحن فيه من الثاني لعدم القصور في العلم، و انما القصور من جهة عدم التمكن من امتثال الالزام المعلوم.
و أاساس نظره (قدس سره) هو ان المناط في جريان البراءة معذورية الجهل، و ان المكلف ما دام جاهلاً بالحكم لكان معذوراً وغايته حصول العلم به، و هذه المعذورية لا موضوع لها في المقام اي دوران الامر بين المحذورين، لفرض العلم الاجمالي بالحكم فيه وانه لا يخلو من الوجوب او الحرمة، والعلم الاجمالي منجز للتكليف كالعلم التفصيلي وعليه فلا يجري في المقام عدم تنجز التكليف من ناحية الجهل ومعذريته، بل تمام البحث في المقام التمكن من الامتثال وعدمه، فان مع عدم تمكن المكلف من امتثال الالزام المعلوم بالعلم الاجمالي لا معني لجريان البراءة فيه، لانه بعد عدم امكان الامتثال لا معني لرفع التكليف.
و في المقام لا يتمكن المكلف الا من الموافقة الاحتمالية دون الموافقة القطعية فالقصور انما هو من جهة التمكن من الامتثال، و لا قصور في العلم بالتكليف حسب ما عرفت.[3]
و ربما يجاب عنه بما عرفت فيما اجاب به السيد الخوئي(قدس سره) عن المحقق النائيني (قدس سره):
بان عدم التمكن من الامتثال الذي هو اساس البحث في المقام عند المحقق الاصفهاني(قدس سره) انما هو بملاحظة الجامع المعلوم و هو الالزام، و اما بالنسبة الي كل واحد من الاحتمالين بخصوصه اعني احتمال الوجوب واحتمال الحرمة كان المكلف قادراً علي امتثاله، فتجري اصالة البراءة فيه للجهل به بخصوصه و ان كان الجامع معلوماً.
[1]. السيد الخوئي، أجود التقريرات، ج 2، ص232؛ نقلا من الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم، منتقى الأصول تقرير البحث السيد محمد الروحاني، ج5، ص23.
[2]. البهسودي، مصباح الاصول تقرير البحث السيد الخوئي، ج2، ص329-330.
[3]. السيد الخوئي، أجود التقريرات، ج 2، ص236؛ نقلا من الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم، منتقى الأصول تقرير البحث السيد محمد الروحاني، ج5، ص23