بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه چهارم
وقد افاد صاحب الكفاية في نفي القياس المذكور، وأنه مع الفارق ببيان اوسع واجمع من كلام الشيخ (قدس سره):
ومحصله:
ان حجية الاخبار اما تكون من باب السببية او من باب الطريقية، فأما علي الاول: اي كونها حجة من باب السببية، فإن معني الحجية حدوث مصلحة ملزمة في المؤدي بسبب قيام الخبر علي الوجوب، وحدوث مفسدة ملزمة فيه بقيام الخبر علي الحرمة، وحيث ان كل واحد من الخبرين واجد لشرائط الحجية بسبب احداث المصلحة والمفسدة فيهما، وأنه لا يمكن الأخذ بالدال علي الوجوب الحامل للمصلحة، والاحتراز عن المفسدة لوحدة متعلق الخبرين، فلا محالة يقع التزاحم بين المصلحة والمفسدة فيهما وبتبعهما بين التكليفين الناشئ عنهما، وفي مقام التزاحم بين الملاكين كان العقل يحكم بصرف القدرة علي الأهم لو كان احدهما اهم، ومع فرض التكافؤ يحكم بالتخيير كما هو الحال في انقاذ الغريقين.
وعليه فإن الحكم بالتخيير في الخبرين الناشي حجتيهما من باب السببية يكون علي القاعدة.
وهذا بخلاف مورد دوران الأمر بين المحذورين، فإنه ليس لنا الا احتمال الوجوب واحتمال الحرمة، ومناط التخيير وهو الحجية بمعني احداث المصلحة او المفسدة فيه غير محقق في مثله، وإن احتمال الوجوب او الحرمة ليست فيه مصلحة ومفسدة حادثة بسبب الاحتمال، حتي يندرج المورد في باب تزاحم الملاكين، ويحكم فيه بالتخيير.
وأما بناءً علي كون حجية الاخبار من باب الطريقية.
فإن معني حجيتها من هذه الجهة كاشفية الخبر نوعاً عن الواقع، وكونه طريقا غالب المطابقة اليه، فإذا قام الخبران، فقام الكاشفان والطريقان عن الواقع واليه، فلولا التعارض وجب العمل بكل منها وجوب العمل بالطريق الموضوع للاعتبار الشرعي، وأما مع التعارض بين الطريقين وعدم امكان الجمع بينهما في الحجية الفعلية، فإذا كان في احدهما رجحان معتبر عند الشرع فيؤخذ به، والا فقد جعل الشارع احدهما حجة تخييرا عند التكافؤ وعدم امكان الترجيح، فخصوصية الخبرين في المقام اقتضاء الحجية فيهما الموجب للحكم بالتخيير في فرض التعارض.
وهذا بخلاف المقام، فإن في احتمال الوجوب او الحرمة ليس اقتضاء للحجية حتي يلزم الحكم فيهما بالتخيير، بل مع تعارض الاحتمال يسقطان ويمكن الأخذ بالاباحة بعد سقوط الاحتمالين.
وقد افاد صاحب الكفاية بأن في حجية الخبرين من باب الطريقية، وفرض التعارض كان الاصل الاولي التساقط دون التخيير، لأن مع تنافي الطريقين في الطريقية والكاشفية لا وجه للتخيير، بخلاف مورد تزاحم الملاكين، لقصور الطريقين المعارضين عن الاقتضاء.
الا انه حيث كان كل واحد منها مع قطع النظر عن الاخر واجداً لمناط الطريقية ومعياره، وهو احتمال الاصابة الي الواقع، فإن الشارع قرره حجة، اما بأدلة الترجيح اذا فرض وجود المرجح فيه، وإما بجعل التخيير، فالحجية للمرجح او المخير مجعولة من ناحية الشرع، ولولا الدليل لما التزمنا به لمامر من ان الاصل الاولي فيه التساقط. وهذا بخلاف المقام، فإنه ليس لنا في دوران الأمر بين المحذورين، فإن المطلوب فيه الالتزام بما هو حكم الله واقعاً، والالتزام به علي ما هو عليه ممكن، ولكنه لايمكن الالتزم فيه بالأخذ بخصوص احدهما تعييناً او تخييرا، لأن الأخذ بخصوص احدهما يمكن ان لا يكون موصلاً الي الواقع، لاحتمال ان يكون الحكم الواقعي هو الفرد الآخر، وفي مقام دوران الأمر بين المحذورين كان الأخذ بأحدهما في مقام العمل حاصلاً بلا اي اقدام، لأن صرف عدم المبادرة الي الفعل مع الالتزام بخصوص ما صدر واقعاً يكفي في مقام الموافقة الاحتمالية بعد فرض عدم امكان الموافقة القطعية.
ثم ان صاحب الكفاية (قدس سره) استدرك علي ما افاده من كون قياس مورد دوران الأمر بين المحذورين بباب الخبرين مع الفارق، انه لو التزمنا ان مناط وجوب الأخذ بأحد الخبرين ليس اعتباره من باب السببية ولا من باب الطريقية، بل ان الملاك في حكم الشارع بالتخيير بين الخبرين المتعارضين ابدائهما احتمال الوجوب والحرمة، دون احداث المصلحة والمفسدة فيهما او غلبة الاصابة في الطريقية، وإنما حكم بالتخيير لتعذر مراعاة كلا الاحتمالين لكان القياس في محله، لأن ابداء احتمال الحكمين في الخبرين واحداث الترديد بينهما في حكم المورد في الواقع مناط يجري بعينه في دوران الأمر بين المحذورين، ومعه يتهم قياس المورد بباب الخبرين في عدم تمامية الالتزام بالاباحة الشرعية والالتزام بالقول الثالث.
لكنه تأمل في ذلك، ولعل وجهه ان المستفاد من الأخبار الواردة في تعارض الخبرين من الترجيح والتخيير الأخذ بمضمون احد الخبرين حتي مع احتمال حكم آخر في مورده. مع ان الأخبار المذكورة ناظرة الي تعارض الخبرين بعد تمامية اعتبارهما وحجيتهما، وإذا كان المعيار في التخيير صرف ابداء الاحتمال لجري ذلك فيما اذا وقع التعارض بين الخبرين الفاقدين لشرائط الحجية.
ثم انه (قدس سره) بعد رد توهم محذور الموافقة الالتزامية فيما اختاره من التخيير عقلاً والالتزام بالاباحة شرعاً في دوران الأمر بين المحذورين، وهو القول الخامس الذي اختاره بين الاقوال، افاد بأنه لا وجه لجريان البرائة العقلية فيه، وذلك لعدم تمامية جريان قاعدة قبح العقاب بلابيان.
اما وجه عدم جريانه، فإنه ليس من جهة عدم البيان في المقام، لأن العلم الاجمالي بالتكليف ولوفي ضمن الحكمين يكفي في تنجيز التكليف، وأنه لا فرق في تنجيز التكليف بين البيان التفصيلي والبيان الاجمالي، والبيان الاجمالي في المقام وهو العلم بدوران التكليف بين الوجوب والحرمة حاصل، فلا محذور في جريان القاعدة من هذه الجهة.