بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه چهارم
قال صاحب العروة:
مسألة 9:
«لا يكفي في وجوب الحج وجود نفقة الذهاب فقط، بل يشترط وجود نفقة العود إلى وطنه إن أراده، وإن لم يكن له فيه أهل ولا مسكن مملوك ولو بالإجارة، للحرج في التكليف بالإقامة في غير وطنه المألوف له.
نعم إذا لم يرد العود أو كان وحيدا لا تعلق له بوطن لم يعتبر وجود نفقة العود، لإطلاق الآية والأخبار في كفاية وجود نفقة الذهاب وإذا أراد السكنى في بلد آخر غير وطنه لا بد من وجود النفقة إليه إذا لم يكن أبعد من وطنه وإلا فالظاهر كفاية مقدار العود إلى وطنه.»[1]
فإن ما افاده في صدر المسألة من تحقق الاستطاعة بالتمكن من نفقة الذهاب والاياب موافق لما افاده غيره.
قال في الشرائع: «والمراد بالزاد قدر الكفاية من القوت والمشروب، ذهاباً وعوداً».[2]
وقال صاحب المدارك في شرحه:
« وإطلاق العبارة وغيرها يقتضي اعتبار قدر الكفاية من الزاد والراحلة ذهابا وإيابا، سواء كان له أهل وعشيرة يأوي إليهم أو لم يكن، وسواء كان له في بلدة مسكن أم لا.
وبهذا التعميم صرح في التذكرة والمنتهى، محتجا بأن في التكليف بالإقامة في غير الوطن مشقة شديدة وحرجا عظيما فيكون منفيا.
وهو حسن في صورة تحقق المشقة بذلك، أما مع انتفائها كما إذا كان وحيدا لا تعلق له بوطن، أو كان له وطن ولا يريد العود إليه، فيحتمل قويا عدم اعتبار كفاية العودة في حقه، تمسكا بإطلاق الأوامر السالم من معارضة الحرج».[3]
وقريب منه في شرح كلام الشرائع في الجواهر، قال (قدس سره):
«والمراد بالزاد قدر الكفاية من القوت والمشروب له ولمن يتبعه من الناس والدواب ذهابا وعودا إلى وطنه إن أراده وإن لم يكن له به أهل ولا له فيه مسكن مملوك، خلافا للشافعية فلا عبرة بالإياب مطلقا في قول، وإن لم يملك به مسكنا في آخر، وإن لم يكن له به أهل في ثالث، للحرج بالتكليف بالإقامة في غير وطنه.
واستحسنه في المدارك مع تحقق المشقة به، أما مع انتفائها كما إذا كان وحيدا لا تعلق له بوطن أو كان له وطن ولا يريد العود إليه فيحتمل قويا عدم اعتبار كفاية العود في حقه، لاطلاق الأوامر،...»[4]
وأفاد السيد الخوئي:
«لا ينبغي التأمل في عدم اعتبار نفقة العود فيما اذا لم يرده، او لم يكن ترك العود حرجا عليه، او كان وحيدا لا تعلق له بوطن، بحيث لا يفرق بحاله البقاء في مكة او العود الي بلد الاستطاعة، وذلك لاطلاق الادلة بعد ان كان ممن يستطيع الي حج البيت سبيلا، الذي مقتضاه كفاية وجود نفقة الذهاب فقط.
نعم اذا اراد العود، وكان البقاء حرجياً، اعتبر نفقة الاياب ايضاً بدليل الحرج.
هذا فيما اذا اراد العود الي وطنه، وأما لو اراد السكني في بلد اخر، فهل يعتبر وجود النفقة اليه؟
حكم في المتن باعتباره فيما اذا لم يكن ابعد من وطنه، والا فيكتفي بنفقة العود الي وطنه.
اقول:
قد يفرض ان خروجه عن بلده، يستلزم الذهاب الي بلد آخر قهراً عليه، لعدم تمكنه من العود الي هذا البلد بعد ما خرج كحال الاجانب في مثل هذه الازمنة، حيث لا تسمح لهم الحكومة بسمة العودة، فهم مضطرون بعد الخروج الي السكن في بلد آخر، ولا ينبغي التأمل حينئذ في اعتبار وجود النفقة الي ذلك البلد، سواء اكان ابعد ام اقرب، لفرض الحرج بدون ذلك كما هو ظاهر.
وأما لو كان الذهاب الي البد الآخر بميله ورغبته من دون قهر واضطرار فالظاهر اعتبار النفقة اليه ايضاً، اذا كانت النفقة مساوية لنفقة العود الي بلده او اقل، لا ما اذا كانت اكثر من غير فرق ايضاً بين كون ذلك البعد ابعد او اقرب، اذ ربما تكون النفقة اقل مع كونه ابعد، كما لو اراد الذهاب الي بلد آخر ابعد بواسطة الباخرة التي مصرفها اقل من العود الي وطنه المتوقف علي ركوب الطائرة.
وعلي الجملة: لا اعتبار ببعد البلد الاخر وقربه، بل المدار باوفرية النفقة وعدمها بالاضافة الي نفقة العود الي وطنه، فيعتبر وجودها لوكانت مساوية لنفقة العود، فضلاً عن الاقل وإن كان ابعد، ولا يعتبر لو كانت اكثر، وإن كان اقرب حسبما عرفت، وكان الاولي له ـ للماتن (قدس سره) ـ ان يعبّر هكذا: ان لم تكن ـ اي النفقة ـ اكثر من نفقة العود الي وطنه، بدل قوله: «اذا لم يكن ابعد من وطنه» فلاحظ.»[5]
ويمكن ان يقال:
ان وجوب الحج مشروط بالاستطاعة، وقد مر ان المراد بالاستطاعة هي العرفية، ومعناها التمكن من الوصول الي مكة بشرائطه والعود الي محله، فلا محالة يلزم تمكنه من نفقة الاياب والذهاب بمقتضي اشتراط الاستطاعة المذكورة في الحج، ومعه يكفي للزوم تمكنه من الاياب اطلاقات وجوب الحج واشتراطه بالاستطاعة، ولا نحتاج في ذلك الي الاستدلال بأدلة نفي الحرج وأن البقاء في مكة بالنسبة اليه حرجياً. كما هو الشأن في الاستطاعة من اي سفر، فإن المراد منها التمكن من الذهاب والاياب الي محله. وهذا ولو فرضنا ان المكلف بعد خروجه عن موطنه لا يتمكن من العود، مثل ان لا تسمح له الحكومة بسمة العودة، كما مثل به السيد الخوئي (قدس سره)، فإن البحث هنا في تحقق اصل الاستطاعة للحج بالنسبة اليه، لأنه اذا كان يعيش في بلده وموطنه المألوف، وإذا خرج عنه بأي غرض ومقصود لا يمكنه العود، فإنه لا يستطيع بالنسبة الي الحج.
وأما اذا فرض لزوم عوده بعد الحج الي بلد آخر غير وطنه لضرورة، فإن اضطر الي ذلك بحيث كان تركه يستلزم الحرج، فإنه لا شبهة في تحقق استطاعته من التمكن من الذهاب الي الحج والعود الي البلد المذكور، بلا فرق بين كونه ابعد من وطنه او اقرب، كما لا تفاوت بين ان يكون نفقة العود اليه اكثر من نفقة العود الي وطنه او اقل.
وقد اكّد عليه السيد البروجردي في حاشيته بقوله: «نعم، اذا كان مضطراً الي ذلك اعتبر وجود النفقة اليه مطلقا»
ومراده، انه اعتبر ذلك سواءكان نفقة الذهاب اليه اكثر من نفقة العود الي وطنه او اقل.
وأما اذا اراد الذهاب من مكة الي بلد آخر حسب ميله الشخصي سواء اراد السكني فيه موقتاً او دائماً، من دون ان يكون مضطراً الي ذلك، فإنه لا وجه لتقدير مؤونة الذهاب اليه من نفقة الحج بعنوانه وخصوصاً اذا كان اكثر، لأن الاستطاعة التي هي الشرط لوجوب الحج لا تقتضي اكثر من التمكن من نققه الذهاب الي الحج والعود الي بلده السكني.
وليس الميزان فيه ابعدية البلد المذكور عن موطنه واقربيته، بل الدخل لأكثرية النفقة واقليتها من نفقةالعود الي وطنه.
وأما اذا كان الشخص ممن لا موطن بخصوص له، وليس له سكني في بلد خاص، بل كان ممن يعيش في اي بلد امكنته الاقامة فيه، فإن الاستطاعة العرفية للحج بالنسبة اليه. التمكن من الذهاب الي مكة دون اكثر من ذلك.
فعلم ان الضرورة والحرج لا دخل له في المقام الا فيما اذا اضطر من الاقامة في بلد خاص، وفي هذه الصورة ايضاً اذا فرضنا عدم ابتلاءه بهذه الضرورة اذا ترك الحج، فإنه يرجع الأمر الي عدم تحقق شرط الاستطاعة بالنسبة اليه، وفي جميع هذه الصور لا يفرق بين ان يكون له مال في بلده الذي يسكن فيه او دار او ملك او اهل، بل المدار البلد الذي يسكن فيه ويعيش فيه وكان شغله و معاشه فيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]. العروة الوثقي (المحشي)، ج4، ص 368-369.
[2]. المحقق الحلي، شرائع الاسلام، ج1، ص164.
[3]. السيد محمد العاملي، مدارك الاحكام، ج7، ص40-41.
[4]. الشيخ محمد حسن النجفي، جواهر الكلام، ج17، ص254.
[5]. الشيخ مرتضي البروجردي، مستند العروة الوثقي تقرير البحث السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص101-102.