بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه اول
قال صاحب العروة:
مسألة 8:
«غلاء أسعار ما يحتاج إليه أو أجرة المركوب في تلك السنة لا يوجب السقوط، ولا يجوز التأخير عن تلك السنة مع تمكنه من القيمة، بل وكذا لو توقف على الشراء بأزيد من ثمن المثل والقيمة المتعارفة، بل وكذا لو توقف على بيع أملاكه بأقل من ثمن المثل، لعدم وجود راغب في القيمة المتعارفة، فما عن الشيخ من سقوط الوجوب ضعيف.
نعم لو كان الضرر مجحفا بماله مضرا بحاله لم يجب، وإلا فمطلق الضرر لا يرفع الوجوب بعد صدق الاستطاعة وشمول الأدلة، فالمناط هو الإجحاف والوصول إلى حد الحرج الرافع للتكليف.»[1]
قال في الجواهر:
« (وقيل) والقائل الشيخ: (إن زاد عن ثمن المثل لم يجب) للأصل والضرر والسقوط مع الخوف، وضعف الفرق بأن العوض هنا على الناس وهناك على الله. (والأول) أشهر و (أصح) بل هو المشهور شهرة عظيمة سيما بين المتأخرين.
نعم عن التذكرة إن كانت الزيادة تجحف بما له لم يجب الشراء على إشكال كشراء الماء للوضوء، بل عن الشهيد الثاني والمحقق الثاني تقييده أيضا بعدم الاجحاف. ولعل المراد أن وجوب مقدمة الواجب مقيد بما إذا لم يستلزم ضررا لا يتحمل، وقبحا يعسر التكليف به، لأنه أحد الأدلة الذي قد يعارضه غيره ويرجح عليه كما هنا. فإن ذلك كما لا يخفى على من لاحظ كلمات الأصحاب في غير المقام ليرجح على الخطابات الأصلية فضلا عن التبعية، ولذا تسقط الصلاة من قيام إلى القعود مثلا، والوضوء إلى التيمم، ولا فرق في الضرر الذي لا يتحمل مثله بين المالي منه والبدني، فتأمل جيدا فإنه نافع في غير المقام.»[2]
ومثله عن الشيخ الانصاري في رسالة الحج التي الفها في شرح ارشاد العلامة
قال: «و لو وجد ا لزاد و الراحلة (بالثمن وجب الشراء) مقدّمة لوجوب الواجب المطلق و إن كان بأكثر من ثمن المثل على رأي محكيّ عن الأكثر؛ لإطلاق الأدلّة و فحوى ما ورد في شراء ماء الوضوء: من أنّ «ما اشترى به كثير».
خلافا للمحكيّ عن المبسوط، إلحاقا بمن خاف على ماله التلف. و فيه نظر؛ لأنّ عنوان الخوف عذر شرعيّ بخلاف كثرة الثمن.»[3]
والظاهر:
ان صاحب العروة (قدس سره) اختار في المسألة وجوب الحج ولو توقف التمكن من ادائه على شراء ما يحتاج بازيد من ثمن المثل والقيمة المتعارفة، او على بيع املاكه باقل من ثمن المثل.
وانما افتى بالوجوب وفاقاً للاكثر. بل وفاقاً لما اشتهر بين الاصحاب، منهم المحقق في الشرايع، والعلامة في المنتهى، والسبزواري في الكفاية والذخيرة، والفاضل الهندي في كشف اللثام، والمحقق البحراني في الحدائق. ونسبه في الحدائق الى الاكثر. ومثله عن الشيخ الانصاري على مامر في كلامه بل عرفت في كلام صاحب الجواهر اشتهار الوجوب بين الاصحاب خصوصاً بين المتأخرين شهرة عظيمة. والمخالف في المسألة الشيخ (قدس سره) في المبسوط حيث التزم في المقام بعدم الوجوب. وحكاه فخر المحققين في ايضاح الفوائد.وهنا قول بالتفصيل، افاده العلامة (قدس سره)، بانه لو كانت الزيادة تجحف بماله، لم يجب الشراء، على اشكال كشراء الماء للوضوء وظاهر الشهيد والمحقق الثانيين تقييد الوجوب بعدم الاجحاف.
فصاحب العروة (قدس سره) في المقام التزم بوجوب الحج وفاقاً للاكثر والمشهور وخلافاً للشيخ في المبسوط الا انه قيد الوجوب هنا بعدم كون الضرر مجحفاً بماله وفاقاً للعلامة والشهيد والمحقق الثانيين.
وهذا ما هو ظاهر صاحب الجواهر ايضاً.
وقد افاد صاحب العروة بان شراء ما يحتاج اليه في التمكن من الحج بأزيد من ثمن المثل، او بيع املاكه لذلك باقل من القيمة المتعارفة وان كان يستلزم الضرر بالنسبة اليه الا ان مطلق الضرر لا يرفع الوجوب، فان المفروض وجوب الحج عليه، وهو يتوقف على شراء ما يحتاج اليه لذلك، فشرائه او بيع املاكه بازيد من ثمن المثل مقدمة للواجب، فاذا فرض تمكنه من الشراء المذكور فانما تصدق في مورده الاستطاعة فتشمله ادلة وجوب الحج عند الاستطاعة والتمكن من ادائه.
وعليه فان شراءه بازيد من ثمن المثل لا يرفع وجوب الحج.
الا انه افاد (قدس سره):
بانه لو كان الضرر المذكور مجحفاً بماله، مضراً بحاله لم يجب فما أُستثني من الوجوب صورة الاجحاف ومراده: ما اذا كان الضرر مما لا يتحمل بالنسبة اليه ويوجب الاختلال في نظام معاشه فان مثله انما يرفع الوجوب في المقام كما يرفع الوجوب عن كل مقدمة للواجب لان الإتيان بالمقدمة المذكورة يستلزم عسر التكليف كما افاده صاحب الجواهر (قدس سره) ايضاً، بان وجوب مقدمة الواجب مقيد بما اذا لم يستلزم ضرراً لا يتحمل وقبيحاً يعسر التكليف به، لانه احد الأدلة الذي قد يعارضه غيره ويرجح عليه واراد بذلك ادلة نفي الضرر ونفي العسر والحرج حيث يعارضان ادلة التكاليف في بعض الموارد ويرجحان عليه.
[1]. العروة الوثقي (المحشي)، ج4، ص 367.
[2]. الشيخ محمد حسن النجفي، جواهر الكلام، ج17، ص257.
[3]. الشيخ الانصاري، كتاب الحج، ص37.