بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه صد و بيست و پنج
والحاصل:
أن العمل بكل شئ على حسب ذلك الشئ، وهذا أمر وجداني لا ينكر، ويدخل حكاية فضائل أهل البيت عليهم السلام ومصائبهم، ويدخل في العمل الأخبار بوقوعها من دون نسبة إلى الحكاية على حد الأخبار بالأمور الواردة بالطرق المعتبرة.
بأن يقال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يصلي كذا ويبكي كذا، ونزل على مولانا سيد الشهداء عليه السلام كذا وكذا، ولا يجوز ذلك في الأخبار الكاذبة، وإن كان يجوز حكايتها، فإن حكاية الخبر الكاذب ليس كذبا، مع أنه لا يبعد عدم الجواز إلا مع بيان كونها كاذبة.
ثم إن الدليل على جواز ما ذكرنا من طريق العقل: حسن العمل بهذه مع أمن المضرة فيها على تقدير الكذب.
وأما من طريق النقل: فرواية ابن طاووس رضي الله عنه والنبوي مضافا إلى إجماع الذكرى المعتضد بحكاية ذلك عن الأكثر.»[1]
ومراده (قدس سره) من رواية ابن طاووس ما مر من الاقبال، انه روي عن الصادق (عليه السلام) قال: «من بلغه شيء من الخير فعمل به كان ذلك له، وإن لم يكن الأمر كما بلغه».[2]
ومن النبوي: «ما روي من طريق العامة عن عبد الرحمن الحلواني انه رفع الي جابر بن عبدالله الانصاري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من بلغه من الله فضيلة فأخذ بها وعمل بما فيها ايمانا بالله ورجاء ثوابه أعطاه الله تعالى ذلك وإن لم يكن كذلك».[3]
ومراده من اجماع الذكري ما افاده الشهيد (قدس سره): ان اخبار الفضائل يتسامح فيها عند اهل العلم.
ومراده من اعتضاده بحكاية ذلك عن الاكثر، ما افاده في عدة الداعي ـ بعد نقل الاخبار ـ فصار هذا المعني مجمعا عليه بين الفريقين.
وما افاده شيخنا البهائي من نسبته الي فقهائنا، وكذا ما عن الوسائل من نسبته الي الاصحاب.
ثم افاده (قدس سره):
« وربما يؤيد جواز نقل هذه الأخبار بما دل على رجحان الإعانة على البر والتقوى وما دل على رجحان الابكاء على سيد الشهداء عليه السلام ما دامت الغبراء والسماء وأن ( من أبكى وجبت له الجنة ).
وفيه: أن الإعانة والابكاء قد قيد رجحانهما - بالاجماع - بالسبب المباح، فلا بد من ثبوت إباحة السبب من الخارج حتى يثبت له الاستحباب بواسطة دخوله في أحد العنوانين.
فلا يمكن إثبات إباحة شئ وعدم تحريمه بأنه يصير مما يعان به على البر، ولو كان كذلك لكان لأدلة الإعانة والابكاء قوة المعارضة لما دل على تحريم بعض الأشياء، كالغناء بالملاهي لإجابة المؤمن ونحو ذلك.»[4]
ويمكن ان يقال:
انه قدعرفت انه لا دلالة لأخبار من بلغ اكثر من ترتب الثواب علي العمل الذي بلغ العامل ان فيه ثواب، ولا دلالة فيها بوجه علي مطلوبية الفعل المأتي به من ناحية العامل بوجه، كما لا دلالة فيها على اعتبار خبر الضعيف في خصوص المستحبات.
ومعه فإن القول باعتبار الخبر الضعيف في القصص والمواعظ والفضائل وغيرها من الاثار، بمقتضي هذه الاخبار لا اساس له بوجه، ولا دليل آخر يدل علي جواز ذلك، لا من ناحية العقل ولا من ناحية النقل.
اما النقل فإن مثل رواية ابن طاووس لا دلالة اكثر مما كان في الصحاح من الاخبار المذكورة، وكذلك في النبوي، فإن قوله من بلغه من الله فضيلة لا يفترق مع قوله من بلغه من الله خير او من بلغه ثواب.
وذهاب الاكثر لا يثبت امراً زائداً عليه بعد ما كان اجتهاداً منهم في دلالة الاحاديث علي ما مر.
وأما حسن العمل، اي حسن نقل الفضائل الذي افاده الشيخ بعنوان الدليل العقلي محل تأمل في نفسه، مع انه قيده بصورة الأمن من المضرة فيها علي تقدير الكذب، فإن نقل الفضيلة مع عدم احراز ثبوته ليس حسناً حسب ادراك العقل؛ لأنه بيان امر غير واقع او ما لا يحرز ثبوته، ولا يدرك العقل فيه الا القبح، لأن الاخبار بما ليس بثابت، لا يفترق قبحه مع ما ادركه العقل من قبح الكذب.
هذا مع ان نقل المواعظ والفضائل سواء كانت من فضائل الاعمال او فضائل الاشخاص والقصص، مع وهن المستند لمن يتوقع الاصالة في امثال ذلك، فيها مضرة ربما يكون اعظم واكثر من مضرة الكذب، فضلاً عما ادعاه من الامن من المضرة علي تقدير الكذب. وما يلزم الدقة فيه:
هو ان استفادة هذه الأمور من مدلول هذه الاخبار ليس لها في كلمات القدماء من اصحابنا عين ولا اثر، بل قد مر عن العلامة (قدس سره) النقاش فيها، في ثبوت الاستحباب في بعض الاعمال كالوضوء فضلاً عن غيره مثل الفضائل والقصص والتاريخ، وإنما حدث ذلك بين المتأخرين من اصحابنا.
ولكن استفادة ذلك بين العامة كانت اسبق منا، ولعل مثل هذه الاخبار هو المستند عند كثير منهم في نقل فضائل الخلفاء، ونقل القضايا والتاريخ علي خلاف واقعه، وكان اساس غرضهم في ذلك تحصيل المشروعية لنقل هذه الامور، مع وقوفنا بجعل احاديث كثيرة والاهتمام في شياعها في بين الناس في عصر معاوية وقبله وبعده، كما انه هو المستند لهم في المخاصمة مع الائمة والجدال معهم، حتي بمعونة ضم التطبيق بأيديهم مثل ترتب الثواب علي فعل من قاتل سيد الشهداء (عليه السلام) واصحابه لصرف بلوغ الثواب علي مقاتلة من قاتل امام المسلمين، وخرج علي خليفة عصره، وأمثال ذلك مما يحتاج الي تتبع واسع وتحقيق عميق، ولعل بعض اصحابنا تلقي ذلك عنهم بوجه، والا فما وجه الاشتراك بين القول حتي بحجية خبر الضعيف في باب المستحبات، و جواز نقل ما ليس بثابت عنهم (عليهم السلام) او ما لا يحرز ثبوته.
مع وضوح ما يترتب علي نقل ما يكون مستنده موهوناً خصوصاً في عصرنا، فإن فضائل اهل البيت اكثر مما وصل بأيدينا من الاخبار الموجودة في كتبنا.
وكذا مصائب الحسين اوضح من ان يخفي علي احد في طول التاريخ، فما وجه الاحتياج الي نقل الكذب او نقل ما لا استناد صحيح له لصرف الابكاء، وهل استحباب الابكاء يستلزم جواز نقل الكذب.
وبالجملة، لا وجه لجواز الاسناد الي الشارع بمقتضي هذه الاخبار غير ترتب الثواب علي ما بلغ فيه ذلك، لأجل التفضل دون اثبات اي جهة من المشروعية، او الرجحان في العمل، او حجية نقل الضعيف غير الواجد لشرائط الحجية.
[1]. الشيخ الانصاري، رسائل فقهية، رسالة في التسامح في ادلة السنن، التنبيه الرابع ص158.
[2]. وسائل الشیعة (آل البیت)، ج1، الباب 18 من أبواب مقدمة العبادات، ص81، الحدیث187/6.
[3]. السید البروجردی، جامع احادیث الشیعة، ج1، الباب 9 من ابواب المقدمات الحدیث، ص341، الحدیث653/8.
[4]. الشيخ الانصاري، رسائل فقهية، رسالة في التسامح في ادلة السنن، التنبيه الرابع ص158-159.