بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه صد و بيست و يك
اما الوجه الرابع:
وهو ترتب الثواب بمقتضي مدلول هذه الاخبار، لا لأجل حدوث المطلوبية في الفعل واتصافه بالاستحباب، ولا لأجل ان مدلولها الغاء شرائط الحجية في الخبر الضعيف المعبر عنه بالتسامح في ادلة السنن، ولا لأجل تحيث الفعل المأتي به بعنوان الانقياد، وفي كلام واحد ليس ترتب الثواب فيها لاجل استحقاقه، بل انما يترتب لاجل التفضل والعناية.
كما ربما هو الحال في قوله (عليه السلام): نية المؤمن خير من عمله، اذا كان معناه انه يترتب علي نية الخير حصة من ثواب الخير، فإن ترتب الثواب علي النية ليس لاجل استحقاقه، بل لتفضله وعنايته.
ويكون وزان مدلول هذه الاخبار وزان قوله: ان من قصد داري بتخيل وجود الطعام فيه لا احرمه من ذلك واطعمه، الظاهر في ان الله تبارك وتعالي لا يضيع تعب من تعب لاجل الثواب الذي جعله او رجاه تفضلاً منه و منة.
فإن المثال كان في مقام بيان علو همة القائل وطيب نفسه، وكمال روحيته، وليس في مقام الترغيب الي قصد داره، بل قد يكون كارهاً له لضيق ما في يده، ولكنه يتحلي بنفسية تفرض عليه عدم حرمان من امّله وقصده، كما في بيان سيدنا الاستاذ (قدس سره).
قال الشيخ (قدس سره):
« وإن كان الثابت بهذه الأخبار خصوص الثواب البالغ كما هو ظاهر بعضها، فهو وإن كان مغايرا لحكم العقل باستحقاق أصل الثواب على هذا العمل - بناء على أن العقل لا يحكم باستحقاق ذلك الثواب المسموع الداعي إلى الفعل، بل قد يناقش في تسمية ما يستحقه هذا العامل لمجرد احتمال الأمر ثوابا وإن كان نوعا من الجزاء والعوض -، إلا أن مدلول هذه الأخبار إخبار عن تفضل الله سبحانه على العامل بالثواب المسموع، وهو أيضا ليس لازما لأمر شرعي هو الموجب لهذا الثواب، بل هو نظير قوله تعالى: * (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) * ملزوم لأمر إرشادي - يستقل به العقل - بتحصيل ذلك الثواب المضاعف.
والحاصل: أنه كان ينبغي للمتوهم أن يقيس ما نحن فيه بما ورد من الثواب على نية الخير، لا على ما ورد من الثواب في بيان المستحبات.»[1]
وربما يستظهر من كلامه (قدس سره) ان ما افاده هنا في نهاية بحثه مختاره في المسئلة، وقد اشار في ضمن كلامه الي ان الانقياد لا يتبع الحسن الفعلي من ناحية العقل.
وأورد عليه المحقق الاصفهاني (قدس سره) في نهاية الدراية:
قال (قدس سره):
« واما ما عن شيخنا العلامة الأنصاري - قده - في رسالة البراءة " من أن مدلول هذه الأخبار عن اخبار تفضل الله سبحانه على العامل بالثواب المسموع فهو نظير قوله تعالى (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) فهو ملزوم لأمر ارشادي يستقل به العقل بتحصيل ذلك الثواب المضاعف ".
ففيه:
ان التفضل بالمثوبات الخاصة غير مناف لانبعاثها عن غرض مولوي يستدعى مطلوبية شرعية إذ كل احسانه تفضل وكل نعمه ابتداء واستقلال العقل بتحصيلها بعد وعد الشارع بها امر ووعد الشارع بها بعنوان الارشاد إلى الثواب العقلي امر اخر، ومقتضى الاخبار هو الوعد على العمل بثواب خاص لا يحكم به العقل فكيف يكون ارشادا، وحيث إن الثواب الخاص ليس مقتضى حسنه عقلا فلا بد من أن يكون من حيث رجحانه شرعا... .»[2]
ويمكن ان يقال:
ان ما افاده الشيخ (قدس سره) من ان مدلول هذه الاخبار، الاخبار عن تفضل الله سبحانه علي العامل بالثواب المسموع، وأنه ليس لازماً لأمر شرعي هو الموجب لهذا الثواب، متين لا كلام فيه:
وكذا قوله، بل هو نظير قوله تعالي:
من جاء بالحسنة فله عشر امثالها، حيث ان الجائي بالحسنة لا يستحق عقلاً الا ما اوعد الله من الجزاء والثواب الثابت فيه، وأما اعطائه سبحانه عشر امثالها تفضل منه، ومن المعلوم ان الوعد بذلك لا يزيد علي رجحان الحسنة واستحبابه في نفسه، الذي لا يستحق الآتي به الا ما يترتب عليه من الأجر، وأما اعطاء عشر امثالها فهو تفضل منه مزيداً علي استحقاقه، و في الحقيقة انه اجر بلا استحقاق.
وأما كونه ملزوماً لأمر ارشادي يستقل به العقل بتحصيل ذلك الثواب المضاعف، فإن فيه كلام.
وهو ان الوفاء بالوعد حسن عند العقل والتخلف عنه قبيح، وللعقل في المقام ليس الا ادراك ان الوفاء به عدل، وأما الامر بتحصيله فلا اساس له في الادراك العقلي، الا اذا كان فيما وعد عليه الشرع رجحان خاص عنده، وكان ترتب الثواب او الثواب المضاعف لأجل الترغيب فيه والتشويق، فهنا يمكن تصوير ان العقل بمقتضي ادراكه ان تحصيل اغراض المولي حسن لأنه عدل، فإذا كان عنده غرض خاص يكشف عنه جعله الرجحان الخاص، يأمر العقل بتحصيله، ويكون ذلك لا محاله ارشاد الي هذه الجهة، اي ان للمولي غرض خاص في هذا الامر، و أنه يلزم تحصيله لاجل ذلك.
وهذا هو وجه ما افاده الشيخ (قدس سره) من ان قوله تعالي: من جاء بالحسنة، ملزوم لأمر ارشادي يستقل به العقل بتحصيل ذلك الثواب المضاعف.
كما ان فيما ورد من الثواب علي نية الخير يمكن تصوير هذه الجهة.
وهو تام متين.
ولا يرد عليه ما افاده المحقق الاصفهاني بأن استقلال العقل بتحصيلها بعد وعد الشارع بها امر، ووعد الشارع بها بعنوان الارشاد الي الثواب العقلي امر آخر.
وذلك لأنه ليس مراد الشيخ ان وعد الشارع في هذه المقامات ارشاد الي الثواب العقلي ولا تصريح، بل ولا اشارة الي ذلك في كلامه (قدس سره)، وأنه ليس ما افاده غير ان للعقل امر ارشادي الي تحصيل الثواب المذكور وهذا تام؛ لأن العقل الحاكم في باب الاطاعة اذا رأي ان للمولي الشرعي غرض خاص في امر ـ وإن كان لا يدركه العقل ـ فإنما يرشد الي تحصيله والتحفظ عليه بما انه غرضه ونظره.
نعم ان هنا ايراد آخر.
وهو ان ما افاده الشيخ (قدس سره) انما يتم في الموارد التي وعد الشارع علي الثواب خاص من باب الترغيب والتشويق، نظير ما مثل به من قوله تعالي:
من جاء بالحسنة فله عشر امثالها، حيث ان ظاهره كون الشارع في مقام ترغيب المكلف الي اتيان الحسنات، وكذا في ما ورد من ترتب الثواب علي نية الخير، فإنه اخبار بذلك في مقام التشويق والترغيب علي شياع الخير بين الناس، لأن النية والقصد هو المنشأ للافعال والاعمال، وأما في مثل اخبار من بلغ فإنه لا ظهور فيها علي ترغيب الناس وتشويقهم علي الاتيان بالفعل، بمجرد بلوغ الثواب عليه، بل ان تمام المقصود فيها ان من اتي بفعل بعد بلوغه ترتب الثواب عليه، فإن الله بفعله لا يضيع ما فعله ولا يخيّب من امله ورجاه تفضلاً منه و منة، وقد مر انه بمنزلة قول القائل:
ان من قصد داري بتخيل وجود الطعام فيه لا احرمه من ذلك واطعمه، فإنه في مقام بيان علو همته وطيب نفسه وكمال روحيته، وليس في مقام الترغيب الي قصد داره، بل قد يكون كارهاً له لضيق ما في يده، ولكنه بنفسية تفرض عليه عدم حرمان من امّله وقصده ـ وقد مر بيان ذلك في كلام سيدنا الاستاذ (قدس سره) ـ.
وعليه فيما ان هذا التفضل من شؤون المولي الشرعي، فلا امر ولا ارشاد من ناحية العقل اليه، كما انه لا ارشاد فيها من ناحية الشرع ايضاً.
نعم ان العقل لا يراه الا فضيلة وكمالاً، ولا ادراك له فيه الا الحسن من غير يري فيه موضوعاً لأمر وارشاد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]. الشيخ الانصاري، فرائد الاصول، ج2، ص157-158.
[2]. الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني، نهاية الدراية في شرح الكفاية، ج 2، ص538-539.