بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه صد و هفده
ولكن المهم في البحث في المقام وموضوع الخلاف انما هو ان من يتمكن من الخروج الى الحج بالتكسب في الطريق او بالتجارة في سفره او باستئجار نفسه هل يكون مستطيعاً ويجب عليه الحج مع ان الفرض انه ليس عنده زاد و راحلة في الحال وانما يتحصل له بالاشتغال بهذه الامور.
وببيان آخر:
انه لا شبهة في انه لو وصل الى الميقات بالتكسب او الاستئجار والتجارة في الطريق وتمكن من الاتيان بالحج حينه، فانما يتم حجه ويكفي عن حجة الاسلام ولكن الكلام في ان من تمكن من الاتيان بالحج بالتكسب والتجارة او الاستئجار في طريقه هل يجب عليه ذلك، بمعنى انه هل تتحقق الاستطاعة بالنسبة اليه مع التمكن المذكور ام لا؟
فربما يقال:
ان المعيار في حصول الاستطاعة ليس التمكن من الزاد والراحلة بالفعل بل انها تتحقق بالقدرة عليهما وان كان بغير ملك، ومن يقدر على الخروج للحج بالتكسب والتجارة او الاستئجار انما يصدق في مورده القدرة على الزاد والراحلة.
وما افاده النراقي (قدس سره) ـ فيما مرـ منه من انه لو لم يجد الزاد ولكن كان كسوباً يتمكن من الاكتساب في الطريق لكل يوم قدر ما يكفيه وظن امكانه بجريان العادة عليه من غير مشقة، وجب الحج لصدق الاستطاعة.
وقال السيد المحمد الفيروز آبادي في حاشيته على العروة ذيل قول صاحب العروة في المقام: «اذ نمنع صدق الاستطاعة بذلك لكن لاينبغي ترك الاحتياط.»
« بل لا يترك فيما كان العمل أمرا في غاية السهولة كتعليم مسائل عملية أو قراءة بعض الأدعية أو كتابة بعض سجلات مختصرة أو كان الأجير مشهورا في بعض المطالب العرفية أو المسائل الشرعية أو مدعوا لتعليم فن من الفنون العلمية.
لا يقال: الاستطاعة موقوفة على الملكية والملكية موقوفة على القبول ولا يجب تحصيل شرط الوجوب.
لأنا نقول: الاستطاعة موقوفة على القدرة على الزاد والراحلة وإن كانا بغير ملك. منتهى الأمر أنه لا بد وإن يلزم حرج أو ضرر عليه أو على غيره من قبل وجوب الحج فالقبول شرط الوجود لا الوجوب لتحقق الاستطاعة قبل قبوله.»[1]
وما افاده السيد الفيروزآبادي ناظر الى ما افاده صاحب العروة (قدس سره) مسألة 54:
«وقد يقال بوجوبه إذا لم يكن حرجا عليه ، لصدق الاستطاعة ، ولأنه مالك لمنافعه فيكون مستطيعا قبل الإجارة ، كما إذا كان مالكا لمنفعة عبده أو دابته وكانت كافية في استطاعته ، وهو كما ترى ، إذ نمنع صدق الاستطاعة بذلك، ...»[2]
وظاهر صاحب العروة (قدس سره) الاستشكال في تحقق الاستطاعة بالقدرة على الزاد والراحلة بمثل الاستئجار وامثاله وقد صرح قبل ذلك بان الاستطاعة لا تتحقق الا مع التمكن منهما بالفعل بان يكونا عنده او كان يتمكن منهما بان كان عنده ما يقدر معه عليهما نظير ما لو كان عنده النقد او الاملاك على ما مر منه.
وافاد المحقق العراقي (قدس سره) ذيل قول صاحب العروة في المقام:
« لعدم مالكية الحر لعمل نفسه وإن كان عمله مما يبذل بإزائه المال ولذا لا يكون حبسه موجبا لضمان الحابس ولا يقاس مثله بمنفعة العبد أو الأجير المملوك عمله لغيره بعقد الإجارة .»[3]
وهو قابل للمناقشة لمملوكية عمل الحر عقلاً ولذا اذا حبس بعد ما كان مشتغلاً بالفعل و يتكسب بعمله فانه لا يبعد ايجابه للضمان ولا فرق من هذه الجهة بينه و بين منفعة العبد او الاجير المملوك عمله لغيره.
وافاد السيد الخوئي (قدس سره) في ذيل قول صاحب العروة: « وقد يقال بوجوبه إذا لم يكن حرجا عليه ، لصدق الاستطاعة».
« وو استدل له بوجهين:
الأوّل: صدق الاستطاعة العرفية.
الثاني: أن كل شخص مالك لمنافع نفسه كما يملك منافع الأعيان من العقار و الدواب و العبيد فيكون مستطيعاً قبل الإجارة.
و قد عرفت: أن الاستطاعة تحصل بوجود ما يحج به عيناً أو بدلاً، فكما أن من يملك من العقار أو منافعها ما يفي بمصاريف حجّه يجب عليه الحجّ، كذلك من يملك منافع نفسه يجب عليه تبديلها بالأثمان بإجارة و نحوها ليحجّ بها.
يندفع الأوّل:
بأن العبرة في الاستطاعة الموجبة للحج ليست بالاستطاعة العرفية أو العقلية، و إنما العبرة بالاستطاعة الشرعية المفسرة في الروايات، و هي استطاعة خاصة من وجود الزاد و الراحلة عيناً أو بدلاً، سواء حصلت بالملك أو بالبذل و كلاهما مفقود في المقام و لا إطلاق للآية من هذه الجهة.
و يندفع الثاني:
بأن الإنسان و إن كانت له القدرة و السلطنة على منافع نفسه، و لكن لا تتحقق بذلك الملكية الاعتبارية نظير ملكية منافع الدار و العقار و الدواب.
و لا يقال له: إنه ذو مال باعتبار قدرته على أعماله و منافعه، و لذا تسالم الفقهاء على أنه لو حبس شخص حراً لا يضمن منافعه التي فاتت منه بالحبس بخلاف ما لو حبس عبداً فإنه يضمن منافعه الفائتة.
و ممّا يدلّنا على أن الإنسان ليس بمالك لمنافعه بالملكية الاعتبارية، أنه لو كان مالكاً لها لا يتوقف وجوب الحجّ عليه على طلب الاستئجار منه، بل يجب عليه بنفسه أن يتصدّى لذلك و يجعل نفسه معرضاً للايجار كما لو كان مالكاً للدار و العقار في لزوم العرض، و هذا مقطوع الخلاف.
فالصحيح ما ذكره في المتن من عدم وجوب الحجّ عليه، لعدم وجوب القبول عليه إذا طلب منه إجارة نفسه، لأنّ ذلك من تحصيل الاستطاعة و هو غير واجب.»[4]
ويمكن ان يقال:
اما بالنسبة الى الوجه الاول:
فقد مر ان المعيار في الاستطاعة، الاستطاعة العرفية وذلك لمامر من ان الاستطاعة في الاية هي الاستطاعة العرفية والروايات الواردة في المقام انما كانت في مقام تبيين هذه الاستطاعة وذكر الزاد والراحلة فيها انما كان لاجل تحقق الاستطاعة بها غالباً. وليست في مقام تقييد الاستطاعة في الاية بها:
[1] . العروة الوثقي (المحشي)، ج4، مسألة 54، ص 411-412.
[2] . العروة الوثقي (المحشي)، ج4، ص 411.
[3] . العروة الوثقي (المحشي)، ج4، ص 411.
[4] . الشيخ مرتضي البروجردي، مستند العروة الوثقي تقرير البحث السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص202.