بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه صد و چهارده
وأما الوجه الخامس: وهو ما افاده الشيخ في الرسالة.
وحاصله منع دلالة الفاء علي التفريع والسببية – خلافاً لما استظهره في الرسائل – وأنها عاطفة ظاهرة في ترتب الثواب علي نفس الفعل.
وهذا عين ما مر في البيان السابق في الوجه الرابع، الا ان الشيخ زاد عليه بأن الاتيان بمحتمل المحبوبية بما هو هو لا يوجب الثواب، فيلزم ان يكون بيان الثواب عليه بيان لاستحبابه.
وقد مر في نقد الوجه الرابع ان الاتيان بما لا يحرز رجحانه بما هو هو لا يوجب ترتب الثواب، ولكن ترتب الثواب عليه وبيانه بأخبار من بلغ كما يمكن ان يكون بياناً لاستحبابه كذلك يمكن ان يكون بياناً لترتب الثواب بالعناية والتفضل، لا لأجل الرجحان في الفعل، هذا مع ان تمام الكلام فيه علي ما مر في كاشفية ترتب الثواب عن رجحان الفعل وأنه لازم اعم.
اما الوجه السادس: وهو ما افاده الشيخ (قدس سره) في الرسالة ايضاً، من ان صريح بعض الاخبار الاختصاص بورود الرواية في اصل الرجحان والخيرية.
مثل قوله (عليه السلام) في رواية الاقبال المتقدمة: «من بلغه شئ من الخير فعمل به»، او قوله (عليه السلام) في الرواية الاولي لهشام: «من بلغه شيء من الثواب»، بأنه ظاهر في ان البالغ الخير والرجحان، وأن ما فعله هو الراجح و المستحب ويمكن ان يلاحظ فيه:
ان المفروض ان الخير المذكور قد بلغ وهو اعم من الثبوت، ويؤيده ما ذكر في ذيل الرواية: «وإن لم يكن الأمر كما بلغه»، او «ان رسول الله صلي الله عليه وآله لم يقله».
فالمذكور في الاخبار ترتب الثواب علي محتمل الخير الذي جاء احتماله من ناحية البلوغ ولو علي طريق غير معتبر، فالخير في العمل غير ثابت، وترتب الثواب فيها ثابت، وهذا لا يدل علي استحباب العمل بوجه الا مع ضم ان ترتب الثواب يكشف عن المطلوبية، وقد مر ما فيه.
هذا، ولا يستفاد من شيء من هذه الوجوه استحباب الفعل الذي بلغ عليه ان فيه الثواب.
وما يلزم الدقة فيه: ان في كثير من هذه الوجوه انما يتوقف الاستدلال علي ضم ضميمة وهو كشفية ترتب الثواب عن رجحان ذات الفعل.
حتي ان في كلام صاحب الكفاية (قدس سره) في مقام الاستدلال علي استحباب الفعل البالغ فيه الثواب.
وما يلزم الدقة فيه: ان في كثير من هذه الوجوه انما يتوقف الاستدلال علي ضم ضميمة وهو كشفية ترتب الثواب عن رجحان ذات الفعل.
حتي ان في كلام صاحب الكفاية (قدس سره) في مقام الاستدلال علي استحباب الفعل البالغ فيه الثواب. الاصرار علي ترتب الثواب علي ذات الفعل دون الفعل المتحيث بحيثية الانقياد وامثاله.
ومن الواضح ان ثبوت هذا الأمر اي ترتب الثواب علي ذات الفعل ـ علي فرض ثبوته ـ لا يكفي عن كاشفية ترتب الثواب عن الأمر، ضرورة ان الاستحباب في الفعل انما يثبت اذا تعلق به الأمر الندبي، فيرجع الأمر في مقام الانتاج الي كاشفية ترتب الثواب عن ثبوت الأمر، وهذا هو اول الكلام، وقد اصر صاحب الكفاية (قدس سره) علي نفيها في التنبيه الثاني من التنبيهات التي ذكرها في خاتمة مباحث الاشتغال.
قال (قدس سره) هناك:
« وحسن الاحتياط عقلا لا يكاد يجدي في رفع الاشكال ـ اشكال جريان الاحتياط في العبادات عند دوران الامر بين الوجوب و غير الاستحباب ـ، ولو قيل بكونه موجبا لتعلق الامر به شرعا، بداهة توقفه على ثبوته توقف العارض على معروضه، فكيف يعقل أن يكون من مبادئ ثبوته ؟
وانقدح بذلك أنه لا يكاد يجدي في رفعه أيضا القول بتعلق الامر به من جهة ترتب الثواب عليه، ضرورة أنه فرع إمكانه، فكيف يكون من مبادئ جريانه ؟
هذا مع أن حسن الاحتياط لا يكون بكاشف عن تعلق الامر به بنحو اللم، ولا ترتب الثواب عليه بكاشف عنه بنحو الآن، بل يكون حاله في ذلك حال الإطاعة، بإنه نحو من الانقياد والطاعة.»[1]
فإن صريح كلامه في كاشفية ترتب الثواب عن الأمر به المناقشة في قولهم:
انه لا ريب في ترتب الثواب علي الاحتياط ـ حسب ما استظهره من بعض الاخبار الواردة في باب الاحتياط ـ، والثواب لا يترتب علي شيء الا لكونه اطاعة، وكونه طاعة يتوقف على تعلق الأمر به، فترتب الثواب علي الاحتياط يكشف بنحو الان عن تعلق الأمر به، فهو كشف من ناحية المعلول عن العلة.
بتقريب: ان ترتب الثواب علي الاحتياط كما يمكن ان يكون من جهة كونه طاعة كذلك يمكن ان يكون من جهة في نفسه انقياداً، وإنما يترتب عليه الثواب من هذه الجهة، فكيف يكون ترتب الثواب عليه كاشفا عن تعلق الأمر به.
هذا ما افاده في مقام الاحتياط، وعبر (قدس سره) بأنه فرع امكانه، فكيف يكون من مباديء جريانه، وفي المقام ايضاً يجري نفس الاشكال.
وذلك: لأنه كما يكون ترتب الثواب علي الاحتياط فرع كونه طاعة ومحبوباً، وهو لا يتكفل لتنقيح منشأ كونه طاعة ـ اي الأمر ـ كذلك في المقام.
فإن ترتب الثواب علي الفعل البالغ فيه الثواب فرع امكان ترتب الثواب عليه، وهذا الامكان انما يتحقق اذا احرز كونه بنفسه طاعة، او ينطبق عليه عنوان هو محقق لحيثية الطاعة فيه.
وكلا الأمرين قابل للمناقشة في المقام، لأن صريح الذيل وإن لم يكن الأمر كما بلغه المخبر، بأنه لا يحرز كون الفعل المأتي محبوباً بذاته، بل كما يحتمل كونه محبوباً ومطلوباً يحتمل عدم كونه كذلك.
وترتب الثواب كما يحتمل كونه لأجل هذه المطلوبية في ذاتها، كذلك يحتمل لأجل كونه انقياداً ـ والتزمنا بترتب الثواب علي الانقياد وفاقاً لصاحب الكفاية ـ ومع هذه الاحتمالات يكون ترتب الثواب لازماً اعم لا يتكفل لكشف الأمر كشف المعلول عن علته، اذ الكلام في احراز العلية المذكورة.
وبالجملة، ان في مقام الاستدلال بأخبار من بلغ علي استحباب الفعل تكون هذه القضية ـ وهي كاشفية تعلق الثواب وترتبه عن الأمر او محبوبية العمل او استحبابه حسب اختلاف التعابير ـ حلقة مفقودة، لابد من التوجه اليه، ومع عدم تمامية اثباتها لا يفيد الاستدلال علي ترتب الثواب علي ذات الفعل.
وذلك لهذه المناقشة من صاحب الكفاية نفسه (قدس سره)، والمناقشة فيها بأن الثواب كما يحتمل ان يكون لأجل الاحتمالين محبوبية ذات العمل، او حيثية كون الاتيان به انقياداً، كذلك يحتمل ان يكون لصرف التفضل، بلا استحقاق فيه، و سيأتي الكلام فيه انشاء الله.
[1]. الاخوند الخراساني، كفاية الاصول، ص350.