بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه صد و دوازده
وأما الوجه الثاني:
فقدم النقد فيه من السيد الخوئي (قدس سره) بأنه لا دلالة، بل لا اشعار للاخبار المذكورة علي ان عنوان البلوغ مما يوجب حدوث مصلحة في العمل بها يصير مستحباً.
وتوضيح الكلام فيه:
ان بيان المحقق النائيني (قدس سره) في هذا المقام امران:
1 - ان الجملة الخبرية في هذه الاخبار بقوله: «فعمله» او «ففعله» تحمل علي الانشائية فيكون قوله فعمله الامر بالاتيان اي اعمل او افعل.
2 - ان عنوان البلوغ يكون كسائر العناوين الطارئة علي الافعال الموجبة لحسنها و قبحها، والمقتضية لتغيير احكامها كالضرر والعسر والنذر والاكراه وغير ذلك من العناوين الثانوية.
اما الاول، فإنه وان شاع التعبير عن الانشاء بالجمل الخبرية كما مثل به بقوله يعيد صلاته او قضي صلاته، الا انه لا يمكن الالتزام به في المقام. وذلك: لأن في الخبر «من بلغه شيء من الثواب علي عمل فعمله كان له اجر ذلك»، فهنا شرط وجزاء، اما الشرط فهو «من بلغه او اذا بلغه ثواب علي عمل ففعله،» فهو في قوة اذا فعل الشخص فعلاً بعد بلوغه ترتب الثواب عليه، والجزاء هو قوله: «كان له اجر ذلك»، فقوله: «فعمله» انما يتفرع علي بلوغ الثواب والمجموع معلق بالجزاء، فهنا تعليق بين الشرط والجزاء، اي اذا اتفق كذا فإنما يتفق كذا.
والاخبار في المقام انما وردت في بيان هذا التعليق، فإذا عمل الشخص بما بلغ ان فيه ثواب كان له اجر ذلك، فقوله فعمله او ففعله احد طرفي التعليق.
والتعليق ينافي الانشاء خصوصاً اذا كان قوله ففعله ما علق عليه الحكم والجزاء.
وأما الثاني:
فإن طرو العناوين الثانوية علي الموضوعات المحكومة بالعناوين الاولي انما يكون فيما اذا حدث في الفعل مصلحة اكد وأشد مما كان فيه سابقاً كالنذر، حيث ان فعل المنذور راجح الا ان طرو عنوان النذر يوجب حدوث مصلحة ملزمة فيه بها يصير واجباً.
او انه تحدث فيه مفسدة تنافي ما فيه من المصلحة، وتوجب انقلاب الحكم من الوجوب الي الحرمة بعد غلبة المفسدة المذكورة.
وعليه، فإن تبدل الحكم من العنوان الاولي الي الثانوي يبتني علي حدوث مناط، اما يؤكد المناط الموجود فيه او ينافيه ويغلبه، بحيث تنقلب النسبة بملاحظة تبدل المناط.
وفي مقام اثبات طرو العنوان الثانوي لابد اولاً من اثبات حدوث المناط بالدليل بلا فرق فيه بين المفسدة والمصلحة، فإن كانت المصلحة الحادثة ـ الثانية بالدليل ـ او المفسدة كذلك غالبة علي ما في الفعل من المصلحة الاولية او المفسدة، فلا محالة يتبدل الحكم.
وأما حديث حدوث المصلحة بالابلاغ، فإن ظاهر هذه الاخبار ترتب الثواب علي الاتيان بالفعل المذكور، فإنه لا دلالة فيها علي كون الفعل راحجاً بنفسه، فيمكن ان لا تكون فيه مصلحة بوجه، والاخبار لا تدل علي اكثر من ترتب الثواب عليه اذا اتي به، وترتب الثواب لا يدل علي الامر وثبوت الرجحان فيه، بل هو اعم، لأنه كما يمكن ان يكون لاجل الرجحان في الفعل، كذلك يمكن ان يكون لخصوص الجهة التي يأتي بالفعل لاجلها، كما يمكن ان يكون لأجل التفضل، فلا مثبت لكاشفية ترتب الثواب عن حدوث الرجحان والمصلحة يصير الفعل بها مستحباً.
هذا كله مع ان المصالح والمفاسد عناوين واقعية عند العدلية، وهي اما تكون في الافعال او في العناوين، ولا يمكن ان يكون صرف بلوغ الثواب منها، فإن عنوان البلوغ لا يوجب اكثر من وصول امر، فلو فرض حيثية راجحة فيه، فإنما يكون فيما يترتب عليه مثل ثبوت احتمال المحبوبية به، وهنا لو فعله بداعيه لأمكن تصوير الرجحان فيه علي بعض الاقوال، والا فإنه لا يمكن تصوير اي رجحان في عنوان البلوغ بنفسه.
وادعاء ان هذه الاخبار في مقام بيان ثبوت الرجحان ببلوغ الثواب بالخبر الضعيف مما لا يستفاد من ظاهرها، لما مر من كونها اعم من الرجحان، فإن غاية ما يستفاد منها ترتب الثواب من غير ان يتبين جهة ترتبه.
فما افاده السيد الخوئي (قدس سره) ولو نحو الاجمال بأنه لا دلالة، بل لا اشعار للاخبار المذكورة علي ان عنوان البلوغ مما يوجب حدوث مصلحة في العمل بها يصير مستحباً، تام غير قابل للمناقشة.