بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه صد و پنج
هذا، واما ما افاده السيد الخوئي (قدس سره) في مقام طرح الطائفة الثانية ففيه جهات من البحث:
ففيه جهات من البحث:
الاولى:
انه (قدس سره) قد افاد: « فالصحيحتان خارجتان عن محل الكلام بالكلية ولا موقع للاستدلال بينهما فيما نحن فيه بوجه»
ومراده:
1 - صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه السلام) «قلت لابي جعفر (عليه السلام): فان عرض عليه الحج فاستحيى؟ قال: هو ممن يستطيع الحج ولم يستحيي؟ ولو على حمار اجدع ابتر.
قال: فان كان يستطيع ان يمشي بعضاً ويركب بعضاً فليفعل.»
2 - صحيحةالحلبي عن ابي عبدالله (عليه السلام) «قال: قلت له: فان عرض عليه ما الحج فاستحيى من ذلك اهو ممن يستطيع اليه سبيلاً؟ قال: نعم ما شأنه يستحيي ولو يحج على حمار اجدع ابتر، فان كان يستطيع – يطيق- ان يمشي بعضاً ويركب بعضاً فليحج.»
وافاد في وجه خروجهما عن محل الكلام:
«وهاتان الصحيحتان ربما يظهر منهما وجوب الحج ولو ماشياً ولكنك خبير بان الحج في مورد هاتين الصحيحتين حرجي جداً، فان المشي تارةوالركوب اخرى او الركوب على حمار اجدع ابتر فيه من الذل والمهانة والمشقة الشديدة ما لا يخفي، ولا يلتزم الاصحاب بوجوب الحج في مثل ذلك قطعاً.
والظاهر انهما ناظرتان الى صورةاستقرار الحج بالبذل الذي هو المقصود من عرض الحج عليه ورده استحياءً عن قبوله – ولا حياء في الدين – فعدم قبول الحج المعروض عليه المحقق للاستطاعة موجب للاستقرار، فيجب عليه الحج من قابل ولو متسكعاً وبصورة العسر والحرج.
ويعضده التعبير بـ (استحيى) بصيغةالماضي لا (يستحيي) بصيغة الحال الكاشف عن ان مورد السؤال امر قد مضى فاستقر عليه الحج، لا انه عرض عليه فعلاً وهو يستحيي عن قبوله.»
ويمكن ان يقال:
ان المراد من الروايتين حسب ظاهرهما انه عرض الحج على احد فاستحيى عن قبوله فسأل الراوي عن الامام ما كان في الحقيقة مسألتين:
1 - انه لو عرض الحج على غير المستطيع، فهل يستطيع بذلك ام لا؟
2 - انه اذا لم يقبله استحياءً فهل يمنع الاستحياء المذكور عن حصول الاستطاعة له؟
وثانياً انه ليس عليه ان يستحيي عن ذلك.
اما بالنسبة الى السؤال الاول: فان جواب الامام ظاهر في حصول الاستطاعة بالبذل، وكان الامام (عليه السلام) في مقام بيان اصل المسألة، وهو وجوب الحج عليه بذلك في الجملة، وليس في مقام البيان بالنسبة الى تفصيلات المسألة. ككون هذا العرض غير مناف لشؤونه او ان قبوله من الباذلين في الفرض لا يستلزم مهانته او ذلته وامثال ذلك.
واما بالنسبة الى السؤال الثاني: فان جواب الامام (عليه السلام) ظاهر في انه اذا عرض عليه الحج ولكن لم يقبله استحياءً لا لمحذور آخر، والتاكيد على الاستحياء في كلام الراوي يكشف عن ان قبول العرض ليس منافياً لشؤونه ولا مستلزماً لايّ مهانة وذلة له، بل لم يقبل العرض المذكور لصرف الاستحياء، فانه لا يمنع عن حصول الاستطاعة، وان له قبول ذلك والخروج الى الحج، لانه لاحياء في الدين، ولا وجه لاستحيائه هذا بالنسبة الى هذه الجهة.
واما قول الامام (عليه السلام): ماشأنه يستحيي ولو يحج على حمار اجدع ابتر.
فانه ظاهر في بيان ان من عرض عليه الحج لا يتوقع ان يهيأ له اسباب السفر باحسن وجوهه، بل لو عرض له ما يتمكن من ادائه ولو باسباب عادية، بل اسباب نازله، ولكن كان بحيث يتمكن معها من الاتيان بالحج والخروج اليه للزم قبوله.
ويؤيده قوله الامام (عليه السلام) بعد ذلك فان كان يستطيع ان يمشي بعضاً ويركب بعضاً فليحج. فانه بمعنى ان الرجل اذا تمكن بالعرض المذكور من الحج ولو بالركوب بعضاً والمشي بعضاً في فرض كونه قادراً من المشي لقبل ذلك.
وليعلم ان قوله السيد الخوئي في المقام «فان المشي تارةوالركوب اخرى او الركوب على حمار اجدع ابتر فيه من الذي والمهانة والمشقة الشديدة ما لا يخفى ولا يلتزم الاصحاب بوجوب الحج في مثل ذلك قطعاً.»
لا يمكن المساعدة عليه بعد ما عرفت ظهور الروايتين.
نعم، ان الاصحاب لا يلتزمون بوجوب الحج اذا استلزم الذل والمهانة والمشقة قطعاً. ولكن كون المورد من مصاديقه اول الكلام.
فان الركوب تارة والمشي اخرى لمن ليس له في ذلك، بل في المشي فقط مشقة وذل ومهانة كالقريب الى مكة، وحصول الاستطاعة بالتمكن منه، هو اصل محل النزاع والمدعى حصول الاستطاعةبالتمكن منه. ولا يتم جعل المدعى دليلاً، فان الكلام في محل البحث في ذلك وانه هل تتحقق الاستطاعة المذكورة في الآية الشريفة بذلك ام لا وظاهر الروايتين ذلك.
واما تعبير الامام (عليه السلام) بوجوب الحج في الفرض ولو على حمار اجدع ابتر، تعبير كنائي وليس المراد في موارده الاخذ بنص الكلام، بل يلزم الاخذ بما كان الكلام المذكور كناية عنه. والمراد كما مر انه لا يلزم في قبول العرض في المقام مشروطاً بكون الاسباب المعروضة من احسنها، بل اذا كانت عادية او سافلة، فانما تستلزم استطاعته وعدم كونه مستلزماً للعسر والحرج او المهانة والذلة هو المفروض في كلام الامام (عليه السلام) لانه انما صدرت الاخبار الدالة على عدم حصول الاستطاعة بما يستلزم العسر والحرج او المهانةوالذلة. فيلزم حمل كلام الامام (عليه السلام) على ذلك بقرينة صدوره عن الامام العارف بالاحكام مع كونه في مقام البيان وكون السؤال عنه (عليه السلام) في مقام الاستفتاء.
وكان المفروض في السؤال عدم استلزام القبول لهذه المحاذير للشخص الذي سئل عنه، ولعل من عرض عليه كان ممن لا يتمكن الا من الخروج الى الحج بنفس ما عرض له لا اكثر من ذلك.
ولو سلم اطلاق كلام الامام (عليه السلام) بما يستلزم هذه الامور فانما يقيد اطلاقه بغير مواردها لا طرح الرواية بالكلية.
واما ما افاده (قدس سره) من الاعتضاد بتعبير استحيى بصيغة الماضي لما ادعاه في دلالة الروايةفان قول الراوي: «قلت له: فان عرض عليه ما يحج به فاستحيى من ذلك اهو ممن يستطيع اليه سبيلاً»، ظاهر قوياً في السؤال عن ان الشخص مع عرض الحج عليه هل تحقق له الاستطاعة، بعد العرض المذكور وحصول الترديد له باستطاعته في نفس العام، لا مما سبق عليه في السنوات السابقة وقوله (عليه السلام) في مقام الجواب: «نعم ما شأنه يستحيي» ظاهر في امر الامام (عليه السلام) بلزوم القبول في نفس عام العرض لا الا عوام المتأخرة، فانه (عليه السلام) انما يبين ان الاستحياء مع حصول التمكن المزبور لا يمنع عن الاستطاعة.
فلا وجه لحمله على من استقر عليه الحج سابقاً.
كما ان قول الراوي: «فاستحيى من ذلك» بيان لما وقع على الشخص الذي عرض عليه ذلك، ولا محالة ان الواقعة كانت قبل السؤال ولا وجه للتعبير بغير الماضي في ذلك.
هذا كله:
مع ان قوله الامام (عليه السلام) في ذيل الرواية: «فان كان يستطيع ان يمشي بعضاً ويركب بعضاً»، كما يحتمل ان يكون ناظراً الى مورد السؤال ومن عرض عليه الحج، كذلك يحتمل ان يكون كبرى كلية مدلوله وجوب الحج عند القادر بالمشي بعضاً والركوب بعضاً آخر واراده، تطبيقها على مورد السؤال. وهذا الاحتمال اقوى من سابقه خصوصاً في صحيحة محمد بن مسلم حيث ان في ذيلها «قال: فان كان يستطيع ان يمشي بعضاً ويركب بعضاً فليفعل». بعد الفقرة السابقة بقوله: «قال: هو ممن يستطيع الحج». لان الذيل المذكور في قوة ان كل من كان يستطيع ان يمشي بعضاً ويركب بعضاً لوجب عليه الحج، وهو على ما مر كبرى كلية دالة على اشتراط الراحلة بصورة الحاجة وبقدر الحاجة.