بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه نود و شش
هذا مع ان فياستكشاف الامر الشرعي من ناحية حكم العقل بحسن الاحتياط محذور آخر افاده المحقق النائيني (قدس سره):
وحاصله: ان حكم العقل بحسن الاحتياط حيث انه واقع في سلسلة معلومات الاحكام الشرعية فلايعقل ان يكون ملازماً لحكم شرعي اذ لا ملازمة بينه وبين حكم الشرع لان هذا الاستكشاف انما يتم اذا كان حكم العقل واقعاً في سلسلة علل الاحكام الشرعية فاذا ادرك العقل مصلحة في فعل او مفسدة فيه فانما يستكشف منه امر الشارع او نهيه فيه على اساس تطبيق كبرى ان الاحكام الشرعية تابعة للمبادىء والملاكات الواقعية من المصالح والمفاسد.
واما حكم العقل الواقع في سلسة معلومات الاحكام الشرعية كحكمه بحسن الاطاعة وقبح المعصية فهو لا يستكشف منه الحكم الشرعي بمقتضى الملازمة بين الحكم الشرعي والحكم العقلي وعليه فيكون حكم الشارع بحسن الطاعة وقبح المعصية لغواً بعد استقلال العقل بذلك والمورد من هذا القبيل.
هذا مع ان استكشاف الامر من ناحية ترتب الثواب ايضاً حتى مع تسلم ترتب الثواب يبتلي بالاشكال الذي افاده في الكفاية من ان ترتب الثواب فرع امكان الاحتياط فيكف يكون من مبادىء جريانه فلا يتم استكشاف الامر عنه بالبرهان الاني حسب تعبيره فانه لو ثبت فرضاً ترتب الثواب كما ربما يدعى استفادته من بعض الاخبار فانه متاخر عن موضوعه وهو الاحتياط فلا يمكن ان يكون من مبادىءثبوته.
وما افاده صاحب الكفاية وان كان قابلاً للنقاش من جهة ان الاحتياط هو التحفظ على غرض المولى المحتمل، والمهم في امكانه في العبادات دفع اشكال قصد القربة.
وسياتي البحث فيه وانه لا ينافي اضافة العمل الى المولى ولو مع عدم الجزم بالامر الا ان العمدة في المقام ان جريان الاحتياط في العبادات لا يتوقف على الجزم بالامر به، فلا يكون اساس الاشكال في هذه المقام عدم الجزم بالامر.
بل يمكن ان يقال:
انه قد جري البحث في ان العبادات في الشريعة توقيفية بمعنى انها هي ما عينه الشرع بعنوان العبادة وامر به، والعبادة بهذا المعنى تتوقف على صدور امر من الشارع، ولذا يشكل الامر في مقام الاحتياط فيها حيث انه لا يحرز فيه الامر، بل اساس الاحتياط الاتيان باحتمال الامر بحيث لو كان في الواقع امر لاتى به المكلف ولم يسقط الفرض الموجود فيه للمولى من ناحية المكلف.
واما لو قلنا بانه يكفي في العبادة اضافة العمل الى المولى بحيث كان الفرق بين الفعل التوصلي والتعبدي لزوم اضافته الى المولى في مقام الامتثال في الاخير وعدم لزومه في الاول، ولذلك كان كل فعل اتى المكلف اضافة الى المولى عبادة، وان كان من التوصليات.
وفي المقام حيث كان البحث في مقام الامتثال والاطاعة فاساس الكلام في كفاية ما اتي في مقام الامتثال، وقلنا انه يكفي فيه اضافة العمل الى المولى من دون احتياج في هذا المقام الى قصد الامر او قصد القربة، بل اتى به المكلف لله تعالى لا لغيره ولا لان ياتي به بلا اي اضافة كما هو الحال في التوصليات غالباً.
لهذه الجهة استدل الشهيد (قدس سره) في الذكرى على شرعية قضاء الصلوات لمجرد احتمال خلل فيها بما ورد من الامر بالفتوى.
وهذا وان رده الشيخ (قدس سره) بان موضوع التقوى والاحتياط الذي يتوقف عليه هذه الاوامر الا بعد الاتيان محتمل العبادة على وجه يجتمع فيه جميع ما يعتبر في العبادة حتى فيه التقرب... والا لم يكن احتياطاً.
الا ان نظر الشهيد في هذا الاستدلال ان المكلف اذا اتى بالقضاء المحتمل فانما اتى به في جانب التحفظ على مطلوب المولى بصرف احتمال وان لم يكن له واقع، و هذا سلوك في طريق التقوى لانه اتي بالقضاء لله واضافة اليه ورعاية له.
فليس غرضه كفاية الامر بالتقوى عن الامر بخصوص الفعل العبادي الذي يريد الاتيان به الفرض من الاستدلال بالايات تصحيح شرعية القضاء المحتمل وعباديته بكونه في طريقه وسبيله كما يظهر استدلاله بقوله تعالى {والذين يؤتون ما اتوا وقلوبهم وجلة انهم الى ربهم راجعون} فانه لا شاهد في الاستدلال فيها غير ان العبد بهذه الخصوصية انما ياتي بالعمل تحفظاً على اغراضه ورعاية له ولأوامره.
وبالجملة، انه اذا قلنا بكفاية اضافة العمل الى المولى في العبادية، فان مع احتمال كون الفعل عبادة بمعنى احتمال مطلوبيته للمولى، كما هو الاحتياط لا مانع عن الاتيان به اضافة الى المولى، ومعه تتحقق العبادة وانه يتحقق الامتثال اذا كان في الواقع مطلوباً للمولى ويكون طاعة له وهو معنى الاحتياط فلا وجه للاشكال في جريان الاحتياط في العبادات.
نعم اذا كان ما اتى به مضافاً الى المولى مطلوباً في الواقع لترتب عليه الثواب اضافة على كونه اطاعة وامتثالاً، وبه تفرغ الذمة اذا فرض اشتغالها، لان الامر في الواقع تعلق بالامر العبادي وان المكلف قد اتي به اي بالفعل مضافاً الى المولى.
واما لو فرض عدم مطابقيته للواقع وعدم امر به فيه فانه صرف انقياد.
وقد مر ان الانقياد صفة حسنة في المكلف ولكنه لا يتصف الا بالحسن الفاعلي دون الفعلي فلا يترتب عليه الثواب خلافاً لما افاده صاحب الكفاية (قدس سره) من استحقاق الثواب على كل حال اما على الطاعة او الانقياد.
وعليه فلافرق في جريانه بين العبادات وغيرها كما لا فرق من جهة جريانها في جميع الشبهات
نعم لا يتصف الاحتياط بالحسن العقلي ولا يكفي في مقام الاطاعة والامتثال اذا استلزم العسر والحرج المنتفي في الشرعية او في دائرة حكم العقل.