درس خارج اصول/ اصول عمليه/ التنبيه الثاني: لاشبهة في حسن الاحتياط/ جلسه نود و سه
صوت درس:
بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه نود و سه
وما افاده (قدس سره) في دفع التوجيه اضافة على ما افاده الشيخ (قدس سره) في المقام ثم افاده الشيخ (قدس سره):
« ويحتمل الجريان ـ اي جريان الاحتياط في العبادة في الفرض المذكورـ، بناء على أن هذا المقدار من الحسن العقلي يكفي في العبادة ومنع توقفها على ورود أمر بها، بل يكفي الإتيان به لاحتمال كونه مطلوبا أو كون تركه مبغوضا، ولذا استقرت سيرة العلماء والصلحاء - فتوى وعملا - على إعادة العبادات لمجرد الخروج من مخالفة النصوص الغير المعتبرة والفتاوى النادرة.
واستدل في الذكرى - في خاتمة قضاء الفوائت - على شرعية قضاء الصلوات لمجرد احتمال خلل فيها موهوم، بقوله تعالى: * ( فاتقوا الله ما استطعتم ) * ( سورة التغابن، الآية16 )،
و * ( اتقوا الله حق تقاته ) * (سورة آل عمران، الآية102 )،
وقوله تعالى: * ( والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون ) * (سورة المومنون، الآية60).
والتحقيق:
أنه إن قلنا بكفاية احتمال المطلوبية في صحة العبادة فيما لا يعلم المطلوبية ولو إجمالا، فهو، وإلا فما أورده ( قدس سره ) في الذكرى - كأوامر الاحتياط - لا يجدي في صحتها، لأن موضوع التقوى والاحتياط - الذي يتوقف عليه هذه الأوامر - لا يتحقق إلا بعد إتيان محتمل العبادة على وجه يجتمع فيه جميع ما يعتبر في العبادة حتى نية التقرب، وإلا لم يكن احتياطا، فلا يجوز أن تكون تلك الأوامر منشأ للقربة المنوية فيها.
اللهم إلا أن يقال: - بعد النقض بورود هذا الإيراد في الأوامر الواقعية بالعبادات مثل قوله تعالى: * ( أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) * (سورة البقرة، الآية43 )، حيث إن قصد القربة مما يعتبر في موضوع العبادة شطرا أو شرطا، والمفروض ثبوت مشروعيتها بهذا الأمر الوارد فيها -: إن المراد من الاحتياط والاتقاء في هذه الأوامر هو مجرد الفعل المطابق للعبادة من جميع الجهات عدا نية القربة، فمعنى الاحتياط بالصلاة الإتيان بجميع ما يعتبر فيها عدا قصد القربة، فأوامر الاحتياط يتعلق بهذا الفعل، وحينئذ: فيقصد المكلف فيه التقرب بإطاعة هذا الأمر.
ومن هنا يتجه الفتوى باستحباب هذا الفعل وإن لم يعلم المقلد كون هذا الفعل مما شك في كونها عبادة ولم يأت به بداعي احتمال المطلوبية.
ولو أريد بالاحتياط في هذه الأوامر معناه الحقيقي وهو إتيان الفعل لداعي احتمال المطلوبية، لم يجز للمجتهد أن يفتي باستحبابه إلا مع التقييد بإتيانه بداعي الاحتمال حتى يصدق عليه عنوان الاحتياط، مع استقرار سيرة أهل الفتوى على خلافه.
فعلم: أن المقصود إتيان الفعل بجميع ما يعتبر فيه عدا نية الداعي.»[1]
[1] . الشيخ الانصاري، فرائد الاصول، ج2، ص151-153.