بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هشتاد و چهار
ويمكن ان يقال:
إنّ الحج في الشرع من العناوين القصدية التي تتقوم بقصد الامر بها فهو لا يقبل المشروعية الا بعد تعلق الامر به، فان الحج الندبي لا يتفاوت مع الحج الفرضي الا بحسب الامر المتعلق بهما كما في الصلاة بينهما، فان المراد من قوله (عليه السلام): «الا ان هذه قبل هذه» في الظهرين او العشائين بيان الترتيب بين الصلاتين المتفاوتتين بحسب الامر بهما فهما تشتركان في ماهية الصلاتية التي هي ماهية مخترعة شرعية وتفترقان من جهة الامر المتعلق بهما. وعليه فانه ليس المدعى في المقام عدم الفرق بين الحج الفرضي والحج الندبي او الحج المفروض بحسب حصول الاستطاعة او الواجب المفروض بالنذر او بالاستنابة وامثاله.
بل ندعي الفرق بين جميع الموارد بحسب الامر الداعي اليه، الذي يلزم قصده ولو اجمالاً ويلزم بقاء المكلف عليه الى آخر العمل.
هذا وفي المقام إنّ في مسألة حج الصبي كان المدعي كفاية الفعل الذي يكون الامر الداعي اليه. الامر الندبي عن الفعل الذي يكون الامر الداعي اليه الامر الفرضي الحاصل من حصول شرط الفرض والوجوب في المكلف.
وهذا لو لم يقم دليل بوجه على الكفاية لا نلتزم به.
ولكن نقول في المقام انه قد ثبت الدليل على كفاية الفعل الملفق من الواقع في ظرف فقدان الشرط عن الفعل الواقع في ظرف وجدان الشرط مع تفاوت الامر الداعي اليهما. فنقول ان ما ورد بلسان من ادرك المشعر فقد ادرك الحج ظاهر لو لم يكن صريحاً في كفاية الاتيان بالحج من ادرك المشعر الى آخر الفعل واجداً للشرائط عن الاتيان به واجداً للشرط بتمامِة.
وهذا اما نقول به او لا نلتزم به كذلك في غيرها من الاخبار التي استدل بها في المقام.
وحيث إن البلوغ شرط لوجوب الحج والحج اذا تحقق واجداً للشرط ببعضها ـ محدوداً بحد خاص، وهو ادرك احد الموقفين الى آخره ـ بلا فرق بين كونه فاقداً لشرط الاستطاعة في بعضها او شرط الحرية او شرط البلوغ او شرط الختان كفى عن حجة الاسلام نلتزم به في المقام.
وعليه فانه لا وجه لادعاء اتحاد المندوب والمفروض من كل عمل من كل جهة بحيث يكفي الاتيان عن واحد عن الاتيان بالاخر.
كما هو ظاهر هذا الوجه فضلاً عن كونه احسن الوجوه. مضافاً الى انه لا يتم ما افاده في مقام الجواب:
من احتمال الفرق بين الحج وبين الصلاة بالالتزام باتحاد الماهية في مثل الصلاة بخلاف الحج.
فانه لا فرق بين الصلاة والحج في ان في كل منها لا تكون المفروض ماهية غير المندوب ولكنه ليس معناه كفاية كل منها عن الاخر، بل انما يفترقان من جهة الامر الداعي الى كل واحد منهما كما مر.
وربما قام الدليل على الكفاية كما في المقام.وكما فيما اذا لم يبق من الوقت الا بقدر الاتيان بالواجب وقد ورد في الصلاة ندباً.
وكما فيما نسى الظهر فاتى بالعصر فذكر حينها.وكذلك اذا نسى المغرب واتى بالعشاء فذكر حينها.
وكل مورد قام الدليل على الكفاية فنحن نلتزم به. نعم في المقام اشكال وهو انه كيف يمكنه عدم تمامية ما نوى به الاتيان بالفرض.
فانه يلزم الجواب عنه بالاخبار الواردة في المقام حسب فهم المشهور من التعبير بالانقلاب.
او بعين ما يجاب به في مثل انقلاب العصر ظهراً والعشاء مغرباً.
ثم قال (قدس سره):
«واما الثانية:
فهي ايضاً ممنوعة. حتي وان تنازلنا وسلمنا المقدمة الاولي.
ضرورة ان مثل مؤثقة اسحق بن عمار غير قاصرة الشمول لما اذا تحقق البلوغ في الاثناء.
قال: « سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن ابن عشر سنين، يحج ؟
قال: عليه حجة الاسلام إذا احتلم، وكذلك الجارية عليها الحج إذا طمثت »
المؤيدة برواية شهاب وان كانت ضعيفة بسهل بن زياد.
فان صدرها وان لم يكن له اطلاق يشمل صورة البلوغ في الاثناء لبعد بلوغ ابن عشر سنين جداً، فان الغالب احتلامه في الثالثة عشرة من عمره فما بعد ويندر في الاقل من ذلك.الا ان في ذيلها اعني بلوغ الجارية بالطمث مطلق يشمل ما اذا حدث الطمث اثناء الحج.
وقوله في السوال«يحّج» اعم من التلبس الفعلي بالحج او الانتهاء منه ولا ظهور له في الثاني كما لا يخفي.
وعلي الجملة: لاينبغي التأمل في انعقاد الاطلاق لهذه الموثقة الشامل لما اذا كان البلوغ بعد الفراغ من الاعمال او في اثنائها.
ولا موجب للاختصاص بالاول بوجه. فيحكم من اجلها لعموم عدم الاجزاء لكلتا الصورتين.
ويؤيده: اتفاق الاصحاب وتالسمهم علي عدم الاجزاء فيما لو بلغ بعد الوقوفين ولو كان اثناء العمل.
اذ من المستبعد جداً ان يكون ذلك، لاجل الاجماع التعبدي الكاشف عن رأي المعصوم (عليه السلام).
بل الوجه فيه فهم الاطلاق من الموثق المزبور وعدم الاختصاص بالبلوغ بعد العمل.
فاذا ثبت الاطلاق شمل البلوغ قبل احد الوقوفين ايضاً بمناط واحد كما لا يخفي.
فتحصل:
ان الاقوي عدم ثبوت هذا الاستثناء فلا يجزي حج الصبي عن حجة الاسلام مطلقاً، ومعه لا تصل النوبه الي الفروع المترتبة عليه المشار اليها في المتن.»[1]
ويمكن ان يقال:
فان نظره الشريف الى صحيحة اسحاق بن عمار. «ما رواه الصدوق باسناده عن صفوان عن إسحاق بن عمار قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن ابن عشر سنين، يحج ؟ قال: عليه حجة الاسلام إذا احتلم، وكذلك الجارية عليها الحج إذا طمثت.»
من جهة ان مقتضى اطلاقها وجوب حجة الاسلام على الصبي حتى اذا حصول البلوغ في اثناء حجه اي ان الصبي يجب عليه حجة الاسلام سواء احتلم حين ما فعله من الحج المندوب او لم يحتلم.
وايده:
بموثقة شهاب بن عبد ربه ـ عندناـ وان كانت ضعيفة عنده (قدس سره) بسهل بن زياد.
حيث إن ظاهرها ايضاً الاطلاق المذكور. وهي ما رواه محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن شهاب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) - في حديث - قال:
سألته عن ابن عشر سنين، يحج ؟
قال: عليه حجة الاسلام إذا احتلم، وكذلك الجارية عليها الحج إذا طمثت.[2]
وافاد (قدس سره):
بان صدر رواية شهاب وان ربما يشكل فيه انعقاد الاطلاق بالنسبة الي الصبي الذي يحتلم في اثناء العمل.
الا ان ذيل الرواية بقوله: «وكذلك الجارية عليها الحج اذا طمثت.» فان اطلاقه بالنسبة الى الجارية التي ربما طمثت في الاثناء مسلّم.
وفيه:
انه قد تعلمنا منه (قدس سره) ان الاطلاق انما ينعقد اذا كان المتكلم في مقام البيان بالنسبة الى الحيثية التي كنا بصدد انعقاد الاطلاق فيه.
فنقول هنا انه هل يتوهم احد كون المتكلم بصدد بيان هذه الجهة في قوله: «عليه حجة الاسلام اذا احتلم».
فان الصبي اذا احتلم في الاثناء قبل ادراك المشعر وقام الدليل على كفاية عمل فاقد الشرط الى هذا الحد عن واجده، فانه كيف يمكن الالتزام بان الصبي المفروض كونه مكلفاً بوجوب الحج ويتمكن من الاتيان في الواجب، يلزم عليه اتمام حجه المندوب، وهل هو غير ان المكلف المستطيع مع وجوب الحج عليه جاز له الاتيان بالحج المندوب.
وأعجب منه استفادة هذا الاطلاق من قوله: «والجارية اذا طمثت» وكيف يمكن أن يكون قوله «يحج» في قول الراوي: «سالته عن ابن عشر سنين» اعم من التلبس الفعلي بالحج او الانتهاء منه.
فان في فرض التلبس الفعلي مع التمكن من ادرك الواجب بمقتضى التوسعة كيف يمكن استفادة التعميم.
فان قلت:
انه (قدس سره) لا يلتزم بدلالة الاخبار على التوسعة ومعه ما الاشكال في اطلاق الروايتين صدراً او ذيلاً فيما ادعاه.
قلت:
ان تمام الكلام في انعقاد الاطلاق المذكور. فان للمدعي ان يقول إن الخبر في مقام بيان أن الصبي لا يتمكن من الاتيان بحجة الاسلام ولا يكفي ما فعله من الحج عن حجة الاسلام ولو فعله مراراً.
ولكن ذلك مفروض فيما اذا لم يحتلم، واما من احتلم مع فرض ادراكه معظم العمل فيشك في انعقاد الاطلاق المذكور بالنسبة اليه، والشك في انعقاد الاطلاق كاف في عدم انعقاده لان الاطلاق دليل يؤخذ به عند احرازه دون مع الشك فيه.
وأعجب منه قوله (قدس سره):
ويؤيده: اتفاق الاصحاب وتسالمهم فيما لو بلغ بعد الوقوفين ولو كان اثناء العمل لان الوجه فيه فهم الاطلاق من الموثق المزبور...
وانه اذا ثبت الاطلاق شمل البلوغ ايضاً بمناط واحد.
حيث يلاحظ فيه:
انه لو تم هذه الاتفاقات وتسالمات الاصحاب فقد نقل نفسه (قدس سره) اجماع الاصحاب على الكفاية لمن ادرك المشعر.
ومعه فان عدم التزامهم بعدم الكفاية بعد الوقوفين انما كان لاجل الاخبار المستدل عليها في كلماتهم الدالة على الكفاية اذا ادرك المشعر بل قد مر في كلماتهم الكفاية ولو ادرك المشعر بوقوفه الاضطراري يوم النحر اذا ادرك جماعة يسيرة فيه ولو بقدر الخمسة.
وقد مر فيها ايضاً كفاية العمرة التي اتى بها قبل حجه بل الطواف والسعي اذا قدمهما على الوقوف.
ومع هذه التصريحات كيف يمكن تأييد ما قرره (قدس سره) من عدم الكفاية بكلمات الاصحاب.
فانه ليس حدوث البلوغ قبل ادراك الوقوفين عندهم بمثابة حدوثه بعده.
هذا كله مع انه قد مر ما افاده في مسألة 6 من مسائل شرط الاستطاعة في ذيل كلام صاحب العروة:
« بل لو مشى إلى ما قبل الميقات متسكعا أو لحاجة أخرى من تجارة أو غيرها وكان له هناك ما يمكن أن يحج به وجب عليه بل لو أحرم متسكعا فاستطاع وكان أمامه ميقات آخر أمكن أن يقال بالوجوب عليه وإن كان لا يخلو عن إشكال.»
فقال في الحاشيةعليه:
« بل هو ـ الوجوب ـ المتعين لكشف الاستطاعة عن عدم الأمر الندبي حين الإحرام فيجب عليه الإحرام للحج ثانيا سواء أكان أمامه ميقات آخر أم لم يكن. »[3]
والمفروض فيه عليه غير المستطيع الذي احرم للحج مندوباً فاستطاع في حين حجه وكان امامه ميقات اخر.
[1] الشيخ البروجردي، مستند العروة الوثقي تقرير البحث السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص53-54.
[2] وسائل الشيعة (آل البيت)، ج11، الباب 13 من أبواب أبواب وجوب الحج وشرائطه، ص45، الحديث 14197/1 و 14198/2.
[3] العروة الوثقي (المحشي)، ج4، ص 365-366.