بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه شصت و هفت
اما الوجه الثاني من الوجهين اللذين استدل بهما صاحب العروة اولاً واورد عليها بعد ذلك:
انصراف ادلة الكفارات عن الصبي.
فافاد (قدس سره) في مقام الجواب عنه:
«والانصراف ممنوع والا فيلزم به في الصيد ايضاً.»
ويمكن ان يقال:
ان تقريب الانصراف هو ان ادلة الكفارات منصرفة عن الصبي لان الكفارات الواردة في محرمات الاحرام احكام تكليفية والصبي ليس مكلفاً بتكليف.
وفي بعض الكلمات انها تأديب وعقوبة والصبي لا عقوبة على مخالفته.
واورد عليه بوجوه:
1 – ما افاده صاحب العروة، من منعه والا يلزم الالتزام به في الصيد ايضاً.
ففيه:
ان في خصوص الصيد فانما تدل صحيحة زرارة على وجوب الكفارة على الولي، ومعه لاوجه للانصراف، لانه تصريح يخرج به خصوص مورد الصيد عن موضوعية الانصراف. واما بالنسبة الى غير الصيد.
فان قلنا ان الكفارات تكاليف فلا محالة ان تعلق التكليف بالصبي هو اول الكلام، لانه امر ثابت لا وجه لدفعه ومنعه بصرف استبعاد.
وقد افاد السيد الحكيم في المستمسك عند نقل هذا لكلام من صاحب العروة:
«الوجه في هذا الانصراف ما تقدم، من أن الفداء من قبيل المجازاة على الذنب، وذلك لا يتأتى في حق الصبي . والمقايسة بالصيد كما ترى ! للفرق بينه وبين المقام بثبوت الفدية فيه مع عدم العمد بخلاف المقام فالخروج عن الأصل المقتضي للعدم غير ظاهر .»[1]
واساس نظره (قدس سره) ان خروج الصيد انما يكون بمقتضى ثبوت الفدية فيه عند صدوره خطأً فلذلك يجب على الولي لعدم تعلق التكليف بالصبي. واما في غيره فلا مانع عن الانصراف.
2 – ما افاده السيد الخوئي (قدس سره): قال:
«ويشكل بان الكفارات ليست كلها كذلك، بل تثبت في غير صورة التأديب ايضاً كالتستر الاضطراري والتظليل الاضطراري ونحو ذلك»[2]
وفيه: ان الاولى توجيه الانصراف في ادلة الكفارات عن للصبي لانها تكاليف ولا تكليف على الصبي. فلا تشمله ادلتها.
واما ثبوتها في بعض موارد الاضطرار كالتستر الاضطراري او التظليل فانه وان ربما لا يثبت في مورده التأديب او العقوبة، الا انه يمكن تصوير التكليف في مورده. وان شئت قلت: انه كالتكاليف الواردة في موضوع الناسي، فانه خلاف للاصل ويلزم ان يثبت بالنص والاجماع. وفي المقام ان انصراف أدلة الكفارات موافق للقاعدة فتجري في جميع الموارد التي لم يقم على خلافها دليل من نص او اجماع. هذا.
ويمكن ان يقال:
انه لا وجه للانصراف في المقام، ولكن لا لما افاده صاحب العروة والسيد الخوئي (قدس سرهما)، بل لان موضوع الانصراف انما يكون فيما كان الحكم قابلاً للشمول الا ان الصدق يتفاوت في العناوين ويكون في بعضها اشد من الاخر بحيث اوجب انصراف العنوان والموضوع اليه لا الى غير الاشدّ، نظير انصراف عنوان ما لا يؤكل لحمه عن الانسان لان صدقه على الحيوان اشد من صدقه على الانسان، فينصرف العنوان عند اطلاقه الى الحيوان. و يعبر عنه بالتشكيك في الصدق. فلا محالة ان الانصراف يتقوم باختلاف مراتب الصدق، مع فرض تمامية شمول العنوان على جميع موارد الصدق كتمامية شمول عنوان ما لا يؤكل على الحيوان والانسان.
وفي المقام ان انصراف ادلة الكفارات عن الصبي يتوقف على تمامية شمول هذه الادلة للصبي والبالغ، وان صدقه في البالغ اشد من صدقه على الصبي فتنصرف الى الفرد الاشد وهو البالغ.
ونحن ندعي عدم تمامية هذا الانصراف لعدم تمامية شمول ادلة الكفارات للصبي غير المميز، لان ادلتها تقتضي جعل التكليف، وغير المميز ليس قابلاً للتكليف عقلاً.
وقد عرفت ان الانصراف فرع تمامية الشمول، وان بعد فرض الشمول انما يتقدم الفرد الذي يكون الصدق فيه اشد. وفي المقام ان موضوع هذه الادلة المكلف. وغير المميز ليس داخلاً فيه.
وعليه فلا يتم الالتزام لعدم وجوب الكفارات على الصبي غير المميز استناداً الى انصراف ادلة الكفارات عنه.
نعم، يمكن الالتزام بعدم وجوبها على الصبي غير المميز لعدم شمول هذه الادلة له، وهذا الدليل اقوى من دليل الانصراف.
نعم، ان بالنسبة الى المميز إن أدلة الكفارات لا مانع لها من الشمول له عقلاً. بمعنى ان المميز قابل للتكليف بحكم العقل، الا ان ما دل على نفي التكليف عن الصبي شرعاً نظير حديث رفع القلم عن الصبي يمنع عن هذا الشمول شرعاً. وهذا غير الانصراف، بل ان حديث رفع القلم انما يخصص ادلة الكفارات كما مر من السيد الخوئي (قدس سره).
فما افاده من تخصيص هذه الادلة – ادلة الكفارات – بمقتضى حديث رفع القلم تام، ولكن في خصوص الصبي المميز، واما بالنسبة الي غير المميز فلا شمول لهذه الادلة له من رأسها، فلا تصل النوبة الى الانصراف ولا الى التخصيص.
هذا وقد عرفت عدم تمامية ما استدل به صاحب العروة (قدس سره) للقول بعدم وجوب الكفارة بان عمد الصبي خطاً، وانصراف ادلة الكفارات عن الصبي .
وان كان يختلف وجه عدم التمامية عندنا مع وجهه عند صاحب العروة (قدس سره).
فهنا قولان:
1 - عدم وجوب الكفارة على الولي ولا على الصبي. قال فيه صاحب العروة:«انه لا يبعد قوته».
2 - وجوب الكفارة على الولي وان له تكفله، التزم به صاحب العروة بعد العدول عن الاول وافاد بان هذا احوط، ثم افاد بانه لا يترك الاحتياط ثم افاد بانه اقوى.
[1] . السيد محسن الحكيم، مستمسك العروة الوثقي، ج10، ص28.
[2] . السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص42.