بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه شصت
قال صاحب العروة (قدس سره):
مسألة 6:
«الهدي على الولي وكذا كفارة الصيد إذا صاد الصبي، وأما الكفارات الأخر المختصة بالعمد: فهل هي أيضا على الولي؟ أو في مال الصبي؟ أولا يجب الكفارة في غير الصيد: لأن عمد الصبي خطأ، والمفروض أن تلك الكفارات لا تثبت في صورة الخطأ ؟ وجوه: لا يبعد قوة الأخير: إما لذلك، وإما لانصراف أدلتها عن الصبي، لكن الأحوط تكفل الولي، بل لا يترك هذا الاحتياط بل هو الأقوى لأن قوله (عليه السلام): " عمد الصبي خطأ " مختص بالديات.
والانصراف ممنوع، وإلا فيلزم الالتزام به في الصيد أيضا.»[1]
قال صاحب الجواهر:
«وأما الهدي الذي يترتب عليه بسبب الحج فكأنه لا خلاف بينهم في وجوبه على الولي الذي هو السبب في حجه، وقد صرح به في صحيح زرارة بل صرح فيه أيضا بأنه إن قتل صيدا فعلى أبيه. وبه أفتي الأكثر في كل ما لا فرق في لزومه للمكلف في حالتي العمد والخطأ، خلافا للفاضل في محكي التذكرة فعلى الصبي الفداء لوجوبه بجنايته، فكان كما لو أتلف مال غيره. وكأنه اجتهاد في مقابلة النص المعتبر.
نعم قد يقال ذلك فيما يختلف حكمه في حال العمد والسهو في البالغ كالوطي واللبس إذا اعتمد الصبي، فعن الشيخ أنه قال: " الظاهر أنه تتعلق به الكفارة على وليه، وإن قلنا إنه لا يتعلق به شئ - لما روي عنهم (عليهم السلام) " إن عمد الصبي وخطأه واحد " والخطأ في هذه الأشياء لا يتعلق به كفارة من البالغين - كان قويا " واستجوده في المدارك لو ثبت اتحاد عمد الصبي وخطأه على وجه العموم، لكنه غير واضح لأن ذلك إنما ثبت في الديات خاصة.
قلت: وهو كذلك، لبطلان سائر عباداته من صلاة وضوء ونحوهما بتعمد المنافي، ومن هنا قيل بالوجوب تمسكا بالاطلاق ونظرا إلى أن الولي يجب عليه منع الصبي عن هذه المحظورات. ولو كان عمده خطأ لما وجب عليه المنع، لأن الخطأ لا يتعلق به حكم، فلا يجب المنع، فما في المدارك - من أن الأقرب عدم الوجوب اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع النص وهو الصيد - واضح الضعف، ضرورة عدم الفرق بين الصيد وغيره في حال العمد كما عرفت، فتشمله الخطابات التي هي من قبيل الأسباب، ومقتضاها وإن كان الوجوب على الصبي بعد البلوغ أو في ماله إلا أنه قد صرح في صحيح زرارة بكونه على الأب باعتبار أنه هو السبب. »[2]
هذا وفي كلام صاحب العروة كصاحب الجواهر ان البحث يقع في مقامين:
الاول: الهدي:
فانه لا خلاف بينهم ظاهراً في ان الهدي في المقام اي في احجاج الصبي يجب على الولي.
وفي صحيحة زرارة السابقة عن احدهما (عليهما السلام) قال:
اذا حج الرجل بابنه وهو صغير فانه يأمره ان يلبّي ويفرض الحج، فان لم يحسن ان يلبّي لبوا عنه ويطاف به ويصلّي عنه.
قلت: ليس لهم ما يذبحون قال: يذبح عن الصغار ويصوم الكبار....
وقوله (ع) يذبح عن الصغار اي انه لو لم يكن لهم ما يذبحون عن المجموع حتى الصغار، فانما يذبحون عن الصغار ويصومون الكبار.
فهو ظاهر وبتعبير صاحب الجواهر صريح في ان الهدي من ولي الصبي لا من ماله.
قال السيد الحكيم (قدس سره) في مقام الايراد بالاستدلال بها:
«وأما صحيح زرارة فالأمر فيه بالذبح عنهم إنما كان بعد قول السائل: " ليس لهم ما يذبحون " فلا يدل على الحكم في صورة تمكن الطفل منه، بل لعله ظاهر في الذبح من مال الصبي مع التمكن منه. بل لا يبعد ظهوره في ذلك من جهة التقرير.»[3]
ولذلك قرر (قدس سره) ان الاولى الاستدلال له بمصحح اسحاق بن عمار السابقة بقوله (ع) سألت ابا عبدالله (ع) عن غلمان لنا دخلوا معنا مكة بعمرة وخرجوا معنا الى عرفات بغير احرام قال: قل لهم يغتسلون ثم يحرمون واذبحوا عنهم كما تذبحون عن انفسكم.
قال (قدس سره):
«فإن إطلاقه يقتضي الذبح من مال الولي. بل هو مقتضى إطلاق الخطاب باحجاجه، فإن الظاهر من إحجاجه السعي في وقوع الحج منه - ومنه الذبح - فيتعين على الولي بذله، كما يظهر ذلك بملاحظة نظيره، من الأمر باحجاج المؤمن أو نذر إحجاجه، فإن الظاهر من ذلك السعي في حصول الحج منه حتى يبذل الهدي ونحوه من الماليات... »[4]
كما انه (قدس سره) افاد بان ما استدل به صاحب الجواهر في المقام من وجوب الهدي من الولي-... الذي هو السبب في حجه- لا يتم يشكل اقتضاء مثل هذه السببية للضمان.
هذا ويمكن تاييد ما افاده السيد الحكيم (قدس سره) في مدلول رواية زرارة من ان الامر فيه بالذبح عنهم بقوله: «قلت ليس لهم ما يذبحون قال يذبح عن الصغار ويصوم الكبار»، انما يدل كون الهدي من الولي اذا لم يتمكن الطفل منه.
بصحيحة معاوية بن عمار بقوله (عليه السلام): «ومن لم يجد الهدي منهم فليصم عنه وليه بعد قوله (عليه السلام) انظروا من كان معكم من الصبيان فقدموه الى الجحفة او الى بطن مر ويصنع بهم ما يصنع بالمحرم ويطاف بهم ويرمى عنهم.»5
حيث ان قوله: (عليه السلام): «ومن لايجد الهدي منهم و...» يدل على ان الطفل اذا وجد الهدي فيذبحه، واذا لم يجد فليصم عنه وليه.
ولكن يمكن ان يقال:
اولاً: ان ثبوت الصوم الذي هو بدل للذبح على الولي انما يؤكد كون الذبح عليه ايضاً.
هذا ما افاده السيد الخوئي (قدس سره).
وثانياً:
انه لايبعد ان يكون المراد من عدم وجدانهم الهدي عدم وجدان الولي الهدي عنهم، لان الغالب في الطفل عدم الوجدان ولا اقل من احتمال ذلك. ومع مجيء هذا الاحتمال يسقط الخبر عن الصلاحية لرفع اليد القاعدة المقتضية لعدم جواز التصرف في مال الصبي
افاده السيد الحكيم (قدس سره).
وقد مر منه (قدس سره) ان الاوامر الواردة باحجاج الصبي في الاخبار المذكورة ظاهرها السعي في وقوع الحج من الصبي ومنه الذبح فيتعين على الولي بذله بمقتضى اطلاق الخطابات المذكورة.
كما قد مر منه ايضاً بانه يكون مثل الامر باحجاج المؤمن او نذر احجاجه الظاهر في حصول الحج منه حتى ببذل الهدي.
هذا وظاهر الاستصحاب استظهار هذا المعنى من الاخبار اي كون الهدي من الولي.
ثم انه قد مر استشكال السيد الحكيم (قدس سره) فيما افاده صاحب الجواهر من الاستدلال بكون الهدي من الولي لامه السبب لاحجاجه.
فيمكن ان يقال:
ان هذا الوجه ربما الى ما افاده (قدس سره) من ان الباعث للولي هو الامر باحجاج الصبي فليس الحج واقعاً من ارادة الصبي، بل من ارادة الولي بالانبعاث عن الامر، وبما انه لا وجه لجواز التصرف في مال الصبي الا للضرورة، فانه لاضرورة في الانبعاث عن الامر على وجه اوجب التصرف في مال الصبي.
[1]. العروة الوثقي (المحشي)، ج4، ص 349 -350.
[2]. الشيخ محمد حسن النجفي، الجواهر الكلام، ج17، ص239 -240.
[3]. السيد محسن الحكيم، مستمسك العروة الوثقي، ج10، ص25.
[4]. السيد محسن الحكيم، مستمسك العروة الوثقي، ج10، ص25.
[5]. وسائل الشيعة (آل البيت)، ج11، الباب 17 من أبواب اقسام الحج، ص287، الحديث 14819/3.