بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه سی و نهم
والعمدة فيما افاده (قدس سره) امور:
1 ـ تمامية قيام السيرة العقلائيۀ علي الاخذ باليقين عند الشك في بقائه في امور معاشهم.
2 ـ عدم تمامية.قيام السيرة المذكورة بين المسلمين والمتشرعة.
3 ـ ردع السيرة المذكورۀ ـ في الاول ـ بالادلة المانعة عن العمل بغير علم.
4 ـ دفع ما افاده المحقق النائيني من عدم رادعية الادلة المذكورة عن السيرة العقلائيۀ في المقام، وما اورده علي صاحب الكفاية من نقض ما افاده هنا برادعية الادلة. بما افاده في باب خبر الواحد من عدم رادعية الادلة المذكورة عن السيرة العقلائية القائمة هناك.
وقال المحقق الاصفهانی (قدس سره) فی نهایۀ الدرایۀ:
« ربما يتخيل أن بناء العقلاء إنما هو من جهة القوة العاقلة الموجودة فيهم، وحكم العقل من دون إدراك الشئ - ولو ظنا - بالبقاء مما لا يعقل.
وهو توهم فاسد إذ فيه أولا:
إن بناء العقلاء عملا على الجري على طبق الحالة السابقة، لا دخل له بحكمهم بالبقاء بمعنى إذعانهم فإنه الذي لا يعقل الا أن يكون قطعا أو ظنا، دون البناء العملي.
وثانيا:
إن الباعث لهم على البناء العملي لا ينحصر في الظن بالبقاء، بل يمكن أن تكون الحكمة الداعية لهم التحفظ على المقتضيات الواقعية، المتعلقة بها الاغراض العقلائية.»
وافاد (قدس سره) ايضاً في حاشيۀ قول صاحب الكفاية: سلمنا ذلك ولكن لم يعلم ان الشارع... ـ تقريبه لردع السيرۀ بحكم الشرع: ـ
«لا يخفى عليك أن كلماته – قدس سره - في هذه المسألة - في تعليقته المباركة، وفي مبحث خبر الواحد من الكتاب، وفي هامشه هناك، وفي هذا المبحث من الكتاب - مختلفة.
ففي تعليقته قدم السيرة على العمومات، نظرا إلى استحالة رادعية. العمومات عن السيرة.
وفي مبحث خبر الواحد أيضا قدم السيرة مع الالتزام بالدور من الطرفين على وجه دون وجه.
وفي هامش المبحث المزبور: التزم بحجية الخبر، لاستصحاب حجيته الثابتة قبل نزول الآيات، بعد دوران الامر بين الردع والتخصيص.
وفي هذا الموضع قدم الآيات الناهية، وادعى كفايتها في الرادعية، وقد قدمنا شطرا وافيا من الكلام في مبحث حجية الخبر، وذكرنا أن اللازم - في حجية السيرة العقلائية - مجرد عدم ثبوت الردع عنها من الشارع ولا يجب احراز الامضاء، واثبات عدم الردع، حتى يجب البناء على عدم حجيتها بمجرد عدم العلم بالامضاء، أو الجهل بعدم الردع، لما ذكرنا هناك:
ثم ان لصاحب الكفاية قدس سره في بحث الردع عن هذه السيرة من ناحية الشارع كلمات:
1 ـ ما افاده في تعليقته علي الرسائل قال قدس سره:
«ففي تعليقته قدم السيرة علي العمومات نظراً الي استحالة رادعية العمومات عن السيرة.»
ومراده قدس سره ما افاده صاحب الكفاية في حاشية الرسائل في ذيل بيان استدلال الشيخ لحجية الخبر الواحد بالإجماع، قال صاحب الكفاية قدس سره هناك في ذيل قول الشيخ قدس سره «وأما الاجماع فتقريره من وجوه احدهما: الاجماع علي حجية الخبر الواحد في مقابل السيد واتباعه وطريق تحصيله احد وجهين»:
«لا يخفي ما في كلا الوجهين:
اما الاول: فلأن اتّفاق كلمتهم علي الحجية مع استدلال الجلّ علي ذلك لولا الكل بما ذكر في المقام من الآيات والروايات وغيرهما لا يوجب القطع برضاء الامام (ع) او لوجود نص معتبر متبع علي تقدير الظفر به لوضوح ما به استنادهم وعليه اعتمادهم، ومعه كيف يكشف عن مستند آخر، وهذا واضح لمن تأمل وتدبر.
وأما في الثاني: فلوهن نقل الإجماع ودعواه لا لأجل الظفر بالمخالف، بل لما ذكرنا في الآن من ان الاتفاق في الفتوي مع بيان ما هو عليه الاستناد فيها لا يكشف عن مستند آخر اصلاً، هذا مع انه لو لم يكن في هذه المسئلة بيان ما استندوا اليه عنهم، لم يكن الاتفاق فيها بكاشف عن وجود حجته من قبله (ع).
لقوة احتمال ان يكون ذلك لأجل بناء العقلاءعلي العمل بخبر الثقة كما هو قضية الوجه الرابع من وجوه تقرير الاجماع، ومعه لا يحرز وجه آخر لتقريره.
فالانصاف: ان كثرة الامارات والشواهد الدالة علي صحة العمل بخبر الثقة من بناء العقلاء والآيات والروايات تكون مانعة عن استكشاف سند آخر من اتفاقهم علي الفتوي بصحته، فتدبر جيداً.
ومما ذكرنا هاهنا ظهر:
حال الوجه الثالث وذلك: لأن عمل المسلمين بخبر الثقة في الشرعيات لم يحرز انه يكون بما هم مسلمون كي يكشف عن رضاء الشارع به لإمكان ان يكون هذا بما هم عقلاء.
الا ان يمنع عن استقرار سيرة العقلاء علي ذلك، ومعه لا وجه للوجه الرابع ولعله اشار الي ذلك بأمره بالتأمل، كما يحتمل قريباً ان يكون اشارة الي عدم التفاوت بين دعوي السيرة والاجماع في تطرق الالزام والرد اليهما، او الي عدم الجدوي في التفاوت باقربية تطرق الالزام وأبعديته بعد عدم التفاوت بينهما في اصل التطرق.»
ثم افاد صاحب الكفاية قدس سره بعد قول الشيخ: «الرابع استقرار طريقة العقلاء...»:
«لا يخفي ان استكشاف رضاء الامام عليه السلام بهذه الطريقة انما هو من جهة تقريره لها وامضائه اياها، فلابد من احرازه، ولا طريق اليه هيهنا الا انه لم يردع عنها، مع انه لولا رضائه امضائه كان عليه الردع، ولو ردع لنقل الينا لتوافر الدواعي الي نقله فحيث لا نقل فلا ردع وهو كاشف عن رضائه وتقريره وامضائه.
والعمومات الناهية عن اتباع غير العلم او الظن من الآيات والروايات غير صالحة للردع كيف وكان الردع بها يتوقف علي وجوب اتباعها مطلقا حتي في عدم اتباع خبر الثقة، وهو يتوقف علي عدم امضاء السيرة والردع عنها، والا كانت مخصصة او مقيدة بها في خبر الثقة، فلو كان ذلك الردع بها لزم الدور، ضرورة ان الردع بها حينئذ يتوقف علي وجوب اتّباعها مطلقا المتوقف علي الردع الحاصل بها.
والحاصل: انه لا يمكن الردع عنها بما يتوقف حجيته فعلاً عليه الا علي وجه دائر، ومن المعلوم ان وجوب اتباع ظهور تلك العمومات في خبر الثقة يكون تعلقاً علي الردع عنها، وقد عرفت ان عدمه كاشف عن امضائه، ومعه يكون مخصصة او مقيدة لظهورها في الاطلاق او العموم فليتأمل. فإنه دقيق.
ومن هاهنا ظهر حال الاصول لفظية كانت او عملية شرعية كانت او عقلية، فإن حجيتها فعلاً تكون معلقة علي عدم حجية خبر الثقة المتوقف علي الردع عن السيرة عليه، فإنه بدونه يكون حجة لما عرفت ولا كلام في تقدمه عليها وروداً او حكومة او تخصيصاً، فكيف يمكن ان يكون الردع بها، وهل يكون الا علي وجه دائر لوضوح توقف الردع لو كان بها علي حجيتها في قباله، وتوقف حجيتها كذلك علي الردع بها، والمفروض انه لا رادع غيرها فتأمل جيداً.»[1]
وحاصل ما افاده صاحب الكفاية قدس سره في هذا المقام.
ان السيرة العقلائية الجارية علي العمل بخبر الواحد تكون قوية عنده علي حد احتمل قوياً رجوع الاجماع وسيرة المتشرعة اليه.
مع انه افاد بأنه كان للشارع ردع لهذه السيرة لنقل لأهمية المورد، وأنه نقل ردعه كثيراً لتواتر الدواعي الي نقله، وحيث لا نقل فلا ردع، وهو كاشف عن رضائه وامضائه.
كما افاد بأن الآيات والروايات الدالة علي النهي عن العمل بغير العلم غير صالحة لردع هذه السيرة.
وأفاد في وجهه: ان السيرة العقلائية علي العمل بخبر الواحد انما تشمل خبر غير الثقة وخبر الثقة، والآيات الناهية لا يمكنها ردع هذه السيرة باطلاقها، فيتخصص السيرة بالآيات و تخصيصه بها يتوقف علي تمامية الآيات باطلاقها في الرادعية، وهذا يتوقف علي تخصيص السيرة للآيات بالنسبة الي خبر الواحد.
هذا ما افاده صاحب الكفاية في حاشيته علي الرسائل في بحث خبر الواحد.
[1]. حاشية الآخوند على فرائد الأصول: ص 66ـ 67.