بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه بيست و نه
والظاهر تمامية ايراد السيد الخوئي (قدس سره) علي صاحب الكفاية فيما نسبه الي الشيخ (قدس سره) من ان اساس اشكال الشيخ هو عدم كون العدم قابلاً للجعل لعدم كونه مقدوراً. وذلك لأنه لو كان مستند صاحب الكفاية في ذلك ما افاده الشيخ (قدس سره) في المقام، فإن له ايرادان علي استصحاب البرائة قبل البلوغ.
1 - ان الثابت بالاخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك ترتب اللوازم المجعولة الشرعية علي المستصحب.
والمستصحب في المقام اما برائة الذمة من التكليف، وعدم المنع من الفعل، وعدم استحقاق العقاب.
والمطلوب في الآن اللاحق هو القطع بعدم ترتب العقاب علي الفعل، او ما يستلزم ذلك دون الشك في ذلك، واحتمال عدم ترتب العقاب.
وذلك، لأنه لو لم يقطع بعدم العقاب، فإنه محتمل ومشكوك، ومع الشك في العقاب فإنما تجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان، من دون حاجة الي الاستصحاب وملاحظة الحالة السابقة.
وأما القطع بعدم استحقاق العقاب فلا يمكن ترتبه علي المستصحبات المذكورة، لأن عدم استحقاق العقاب في الآخرة ليس من اللوازم المجعولة حتي يحكم به الشارع في الظاهر.
ولا يتم القول بأن المستصحبات المذكورة انما يترتب عليها امر آخر وهو الاذن والترخيص في الفعل، وهو امر قابل للجعل، ويستلزم انتفاء العقاب واقعاً.
وذلك: لأن الاذن والترخيص ليس لازماً لعدم المنع عن الفعل، بل هو من مقارناته.
وذلك: لأنه بعد العلم الاجمالي بعدم خلو فعل المكلف عن احد الاحكام الخمسة، فإن عدم المنع من الفعل يقتضي كون الفعل مرخصاً عنه، فلا ينفك الترخيص عن عدم المنع من الفعل كعدم انفكاك احد الضدين عن عدم الاخر. فاثبات الترخيص بعدم المنع من الفعل نظير اثبات وجود احد الضدين بنفي الاخر.
2 - انه يعتبر في جريان الاستصحاب اتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة حتي يصدق نقض اليقين بالشك. وفي المقام لا اتحاد بينهما من حيث الموضوع.
هذا ما افاده الشيخ (قدس سره) في مقام الاشكال علي استصحاب البرائة حال الصغر والجنون. وليس فيما افاده (قدس سره) عين ولا اثر عما نسب اليه صاحب الكفاية. بقوله: «ان اساس اشكال الشيخ هو عدم كون العدم قابلاً للجعل لعدم كونه مقدوراً...». حسب ما افاده في حاشيته علي الرسائل، وكذا تاكد عليه في التنبيه الثامن من تنبيهات الاستصحاب علي ما افاده السيد الخوئي (قدس سره)، فإنه ليس في كلام الشيخ في المقام اكثر من ان الثابت بأخبار الاستصحاب ترتب اللوازم المجعولة الشرعية علي المستصحب. وحيث قرر المستصحب في المقام عدم المنع عن الفعل والمترتب عدم استحقاق العقاب، فأفاد بأن عدم استحقاق العقاب ليس مجعولاً شرعياً ولا يثبت بالاستصحاب، هذا غير ما ادعاه صاحب الكفاية (قدس سره) من التزامه بأن العدم غير قابل للجعل، فإن الشيخ من القائلين بالاستصحاب في الاعدام الازلية.
كما مر من السيد الخوئي (قدس سره).
ثم انه اورد السيد الخوئي (قدس سره) علي ما اورد الشيخ علي جريان استصحاب البرائة حال الصغر و الجنون اولاً:
«وفيه اولاً:
ان استصحاب عدم المنع كاف في القطع بعدم العقاب، إذ العقاب من لوازم المنع عن الفعل وتحريمه، فمع احراز عدم المنع عن الفعل بالاستصحاب نقطع بعدم العقاب، بلا حاجة إلى احراز الرخصة التي هي من لوازم عدم المنع ليكون مثبتا.
وثانيا: انه يمكن جريان الاستصحاب في نفس الترخيص الشرعي المتيقن ثبوته قبل البلوغ، لحديث رفع القلم وأمثاله، فيحصل منه القطع بعدم العقاب بلا واسطة شئ آخر»[1]
ويمكن ان يقال:
انه صرح السيد الخوئي (قدس سره) هنا بأن العقاب من لوازم المنع عن الفعل و تحريمه، فمع احراز عدم المنع عن الفعل بالاستصحاب نقطع بعدم العقاب.
وهذا ما يمكن التأمل فيه.
بأن الثابت بالاستصحاب في المقام عدم المنع من الفعل. والحالة السابقة له عدم المنع من الفعل الثابت للصبي، فنستصحب نفس الحكم الي حال الشك. والثابت به هنا عدم المنع من الفعل ثبوتاً استصحابياً، وهو ثبوت تعبدي يقتصر فيه علي حد اقتضاء التعبد، وهو لا يقتضي اكثر من ثبوت عدم المنع من الفعل ظاهراً بحده. واحراز عدم العقاب او حسب تعبيره القطع بعدم العقاب انما يثبت بثبوت عدم المنع عن الفعل استصحاباً، اذا كان من لوازمه المجعولة. والقطع بعدم العقاب واحرازه ليس من اللوازم المجعولة للمستصحب، بل من اللوازم العقلية المترتبة له كما افاده الشيخ (قدس سره)، فيعود الاشكال.
هذا مع ان ما افاده في الوجه الثاني من الاشكال ايضاً لا يمكن المساعدة عليه، لأن الترخيص الشرعي الثابت قبل البلوغ حكم ظاهري مستفاد من الامارة كحديث رفع القلم وامثاله، ويحصل منه القطع بعدم العقاب. ولكن نفس هذا الترخيص الشرعي اذ استصحب، فالثابت بالاستصحاب نفس الترخيص دون اكثر منها، لأن ثبوتها ثبوت استصحابي، واثبات لوازمها انما يتوقف علي كون اللازم مجعولاً شرعيا، وليس عدم العقاب بمجعول شرعي وعليه فإن ادعاء القطع بعدم العقاب، مع كون العقاب وعدمه من اللوازم العقلية للمستصحب الذي ليس حد الاثبات فيه الا نفس المستصحب باثبات تعبدي يقتصر فيه علي اعتبار نفسه واللوازم المترتبة عليها اذا كانت مجعولة شرعية قابلاً لاسراء التعبد المذكور اليه. عجيب.
نعم يمكن تصوير هذا الادعاء في لوازم الامارة بثبوت تعبدي ظاهري.
وعليه فمع عدم ثبوت عدم العقاب، فإن العقاب محتمل حتي مع جريان الاستصحاب المذكور ولا دافع له الا قاعدة قبح العقاب بلا بيان. ومع جريان القاعدة فلا حاجة الي تكليف جريان هذا الاستصحاب، فإنه لا شأن له الا اثبات عدم البيان تعبداً. ولا دافع للعقاب معه الا جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان.
[1] . البهسودي، مصباح الاصول تقرير البحث السيد الخوئي، ج2، ص293-294.