بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه بيست و شش
ولعل صاحب العروة تبع في ذلك صاحب الجواهر (قدس سره) حيث افاد:
«ثم إن الوفد الخارجين إلى مكة إما أن يكونوا متوافقين في الخروج زمانا أو مختلفين متقاربين، أو متباعدين في أشهر الحج، أو قبلها، أو خروج أحدهم فيها والآخر قبلها، وعلى كل حال فإما أن يكون أحد الوفدين مثلا موثوقا به خروجا وسلامة وإدراكا دون الآخر، أو يكون كلاهما موثوقا به مع التساوي أو الأوثقية في الكل أو البعض مع تساوي الباقي أو اختلافه.
كما لو كان السابق أوثق خروجا واللاحق أوثق سلامة وإدراكا، والاختلاف من غيره جهة الوثوق لا تأثير له في الحكم، وأما باعتباره فإن كان في أصل الوثوق تعين المسير مع المعتمد منهم وإن لم يكن سابقا، وإلا فالأولى الخروج مع الأوثق، ومع التساوي أو اختلاف الجهات المتساوية فالمكلف بالخيار...»[1]
اما بالنسبة الى المسألة الاولى:
وهي ما اذا وجدت رفقة واحدة ولم يعلم حصول اخرى، او علم حصوله ولم يعلم التمكن من المسير والادراك للحج بالتأخير فقد مر انه اختار صاحب العروة جواز التأخير مع الوثوق فيها.
قال السيد الحكيم:
«والعمدة في وجهه: أن التأخير مع الوثوق المذكور لا يعد تفريطا في أداء الواجب. ولا يبعد أن يكون الأمر كذلك أيضا مع الظن، كما يشهد به بناؤهم على جواز تأخير الصلاة عن أول الوقت إذا لم تكن أمارة على الموت، وكذا تأخير قضائها وغيرهما من الموسعات. والفرق بين ذلك وبين ما نحن فيه، بوجود المقتضي للبقاء هناك وعدم وجوده هنا. مندفع:
بأن المقتضى قد يحرز في الفرض، فيكون العدم فيه لوجود المانع.
على أن الفرق المذكور غير فارق، لأن الظاهر من ملاحظة كلماتهم في غير المقام جواز التأخير ما لم تظهر أمارات العجز.
فإن قلت:
قد اشتهر أنه مع الشك في القدرة يجب الاحتياط.
قلت:
يختص ذلك بصورة ما إذا كان الشك في القدرة موجبا للشك في التكليف.
ولا يشمل مثل المقام. نعم إذا فرض الشك في حصول التفريط بالتأخير مع الظن، فالمرجع قاعدة الاحتياط، لعدم المؤمن عقلا، فيلزم دفع الضرر المحتمل»[2]
وافاد السيد الخوئي (قدس سره) بعد اختيار ما اختاره صاحب العروة في توجيهه:
«... لأن احتمال وجوب المبادرة مع الرفقة الأولى حتى مع حصول الوثوق بالمسير مع القافلة الثانية وإدراك الحج معهم، يحتاج إلى دليل، ولا يعد التأخير إلى الثانية مع حصول الوثوق بها تفريطا في أداء الواجب، كما أن جواز التأخير إلى القافلة الثانية مع احتمال التفويت وعدم حصول الوثوق لا دليل عليه.
فإنه بعد ما كان التكليف منجزا عليه وعنده زاد، وراحلة، ورفقة، واحتمل التفويت في التأخير لا يجوز له التأخير، فالميزان هو الوثوق بالوصول والادراك فإن حصل الوثوق باللاحق يجوز له التأخير، وإلا وجب عليه الخروج مع السابق.
وهل يكفي الظن بالصول في جواز التأخير إلى القافلة اللاحقة ؟ الظاهر لا، لأن الظن لعدم حجيته ليس بمعذر، وإذا تنجز عليه الواجب يجب عليه الخروج عن عهدته، فلا بد أن يسلك طريقا يطمئن، أو يثق بادراكه الواجب، ومجرد الظن بالادراك لا يجوز له التأخير إلى القافلة اللاحقة.»[3]
وما افاده (قدس سره) موافق لما افاده السيد الحكيم (قدس سره) الا انه اورد عليه بعدم جواز الاكتفاء بالظن في المقام لعدم كونه معذراً بعد عدم الدليل على حجيته.
ولكن السيد الحكيم نزل المقام بباب تأخير الصلاة عن اول الوقت اذا لم تكن امارة على الموت، وكذا تأخير قضائها وغيرهما من الموسعات.
واساس نظره انه ليس في جانب الخلاف الا الاحتمال المرجوح.
وان له احتمال راجح بالادراك عند التأخير كما ربما يكتفى به في باب الشكوك في الصلاة.
ولا يبعد دعوى بناء العقلاء على اعتباره في مثل المقام بعد حمل ما ورد من عدم جواز الاكتفاء بالظن في الاصول على غير هذه الموارد.
ونرى ذهاب صاحب المدارك (قدس سره) الى جواز التأخير بمجرد احتمال الادراك ولو لم يثق به والاحتمال في كلامه اعم من الاحتمال الراجح.
.[1]الشيخ محمد حسن النجفي، الجواهر الكلام، ج17، ص227-228.
[2]. السيد محسن الحكيم، مستمسك العروة الوثقي، ج10، ص12.
[3] . السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص20-21.