بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه بيست و يك
وقال العلامة في المنتهي:
« البحث الثالث في كيفية وجوبهما. الحج يجب على كل مكف هو مستطيع للحج متمكن من السير من ذكر وأنثى وخنثى وجوبا مضيقا على الفور. قال علماؤنا اجمع. وبه قال ملك واحمد وأبو يوسف ونقله الكرجي وغير ه عن أبي حنيفة.
وقال الشافعي يجب على التراخي وبه قال محمد بن الحسن، لنا قوله تعالى ولله على الناس حج البيت والامر على الفور.
وما رواه الجمهور عن علي (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من ملك زادا وراحلة يبلغه إلى بيت الله الحرام ولم يحج فلا عليه ان يموت يهوديا أو نصرانيا. والوعيد مطلقا دليل التضييق.
وكذا ما روى عن أهل البيت (عليهم السلام) وعن زيد الشحام عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت التاجر يسوق الحج قال إذا سوقه وليس عزم ثم مات فقد ترك شريعة من شرايع الاسلام ولان تأخير الواجب تعريض لنزول العقاب لو اتفق الموت خصوصا مع طول المدد إذا تركه يقتضي التأخير سنة وقد يعيش إليها فيجب المبادرة صوما للذمة عن الاشتغال.
ولأنه أحد أركان الاسلام وكان واجبا على الفور كالصيام.
ولأنه عبادة يجب بافسادها الكفارة فكان وجوبها يحل العقد»
الي ان افاد:
« احتج الشافعي بان فرض الحج نزل سنة ست ن الهجرة وآخره النبي (صلى الله عليه وآله) إلى ست عشر من غير عذر.
ولأنه لو اخره ثم فعله بالسنة الأخرى لم يسم قاضيا له ولو أفسده وجب عليه ويسمى قاضيا فدل على أهم يؤخره عن وقت وجوبه كالمصلى إذا اخر الصلاة من أول الوقت إلى آخره.
والجواب عن الأول: انه تمسك بالفعل ونحن تمسكنا بالقول فكان أولى.
ولانا لا نسلم عدم الاعذار وعدم العلم بها لا يدل على العدم في نفس الامر.
ويحتمل ان يكون (عليه السلام) غير مستطيع أو كره روية المشركين عراة حول البيت فاخر الحج إلى أن بعث في سنة تسع جماعة من المسلمين ونادوا أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان.
ويحتمل ا نه أخبره بأمر الله تعالى ليكون حجة (عليه السلام) الوداع في السنة التي استدار فيها الزمان كهيئة يوم خلق الله فيها السماوات والأرض وتصادف وقت الجمعة ويكمل دينه وينصب أمير المؤمنين (عليه السلام) امام للأنام فقد قيل إنه اجتمع يومئذ أعياد أهل كل دين ولم يجتمع قبله ولا بعده.
وعن الثاني انه لا يلزم ومن الوجوب على الفور تسمية الفعل بعده قضاء فان الزكاة يجب على الفور ولو اخرها لا يسمين قضاء للقضاء ولو غلب في ظنه ان هل يعيش إلى سنة أخرى يضيق عليه الوجوب اجماعا ولو اخره وعاش لا يسمى فعله قضاء على انا نمنع انه لا يسمى قضاء فقد قال الله تعالى ثم ليقضوا تفثهم.»[1]
وقال الفاضل المقداد:
«وجوباً مضيفاً اي على سبيل الفور لا التوسعة لحصول الضرر المظنون بتركه وكل ما كان كذلك فهو واجب فوراً.
في موضع اخر من وجوب التحرز عن الضرر.»
وقال المحقق الاردبيلي في مجمع الفائدة:
« نعم يحتاج اثبات فوريته إلى الاستدلال:
قال المصنف في المنتهى: يجب وجوبا مضيقا على الفور، قال علمائنا به أجمع، وبه قال مالك وأحمد و أبو يوسف، ونقله الكرخي وغيره عن أبي حنيفة. [فافاد (قدس سره)] ولعل في الآية (حيث سمى تركه كفرا) إشارة إليه.
كما في بعض الأخبار مثل ما روي من طريق العامة عن علي عليه السلام:
من ملك زادا وراحلة يبلغه إلى بيت الله الحرام، ولم يحج، فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا.
وهو صادق على من لم يحج، إذا مات من غير حج، وإن ترك بقصد الفعل، وكذا الآية وساير الأخبار تدل عليها حيث وقع الذم فيها بتركه حتى مات، أعم من أن يكون بقصد الفعل وعدمه. خصوصا ما في الفقيه (في باب تسويف الحج):
روى محمد بن الفضيل...»[2]
ثم ذكر جملة من اخبار الباب.
والمستفاد من هذه الكلمات استدلال الاصحاب للقول بوجوب الفورية شرعاً بوجوه مختلفة الاية الشريفة حمل اطلاق الامر على الفورية الوجوه العقلية والاستظهار من الاخبار الظاهر في الاجتهاد منهم.
و لايخفى ان من عمدة الوجوه للقول بوجوب الفورية عندهم الالتزام بان الاطلاق الوجوب يقتضي الفورية.
وهذا وجه مباني لايلتزم به الاعلام من الاصولين:
ففي كلام صاحب الكفاية (قدس سره):
« المبحث التاسع: الحق أنه لا دلالة للصيغة، لا على الفور ولا على التراخي، نعم قضية إطلاقها جواز التراخي، والدليل عليه تبادر طلب إيجاد الطبيعة منها، بلا دلالة على تقييدها بأحدها، فلا بد في التقييد من دلالة أخرى، كما ادعي دلالة غير واحد من الآيات على الفورية. وفيه منع، ضرورة أن سياق آية (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) وكذا آية (فاستبقوا الخيرات) إنما هو البعث نحو المسارعة إلى المغفرة والاستباق إلى الخير، من دون استتباع تركهما للغضب والشر، ضرورة أن تركهما لو كان مستتبعا للغضب والشر، كان البعث بالتحذير عنهما أنسب، كما لا يخفى. مع لزوم كثرة تخصيصه في المستحبات، وكثير من الواجبات بل أكثرها، فلا بد من حمل الصيغة فيهما على خصوص الندب أو مطلق الطلب، ولا يبعد دعوى استقلال العقل بحسن المسارعة والاستباق، وكان ما ورد من الآيات والروايات في مقام البعث نحوه إرشادا إلى ذلك، كالآيات والروايات الواردة في الحث على أصل الإطاعة، فيكون الامر فيها لما يترتب على المادة بنفسها، ولو لم يكن هناك أمر بها، كما هو الشأن في الأوامر الارشادية، فافهم.
تتمة: بناء على القول بالفور، فهل قضية الامر الاتيان فورا ففورا بحيث لو عصى لوجب عليه الاتيان به فورا أيضا، في الزمان الثاني، أو لا ؟ وجهان: مبنيان على أن مفاد الصيغة على هذا القول، هو وحدة المطلوب أو تعدده، ولا يخفى أنه لو قيل بدلالتها على الفورية، لما كان لها دلالة على نحو المطلوب من وحدته أو تعدده، فتدبر جيدا.»[3]
وما افاده (قدس سره) وان لا يخلو عن تامل في بعض موارده الا ان اساس ما حققه تام ومن جملتها عدم دلالة الصيغة باطلاقها على الفور او التراخي، بل ان الاطلاق يقتضي جواز التراخي.
وانه لا دليل على وجوب الفورية في الواجبات ـ الفروض الموسعة منها لعدم جريان اصل البحث في الواجبات المضيقة ـ وان ما ورد من البحث نحو المسارعة والاستباق الى الخير مضافاً الى عدم دلالته على التعجيل في المكلف بالحكم نفسه ان الاستباق اوالمسارعة انما يكون بين الفردين او الافراد دون الفرد الواحد ارشاد الى حكم العقل، ومراده منه ما مر من ان العقل يستقل بحسن اهتمام العبد بالطاعة والتحفظ على غرض المولى ومزيد اهتمامه في عدم تفويته.
[1] . العلامة الحلي، منتهي المطلب (ط، ق)، ج2، ص642-643
[2] . المحقق الاردبيلي، مجمع الفائدة والبرهان، ج6، ص5.
[3] . الاخوند الخراساني، كفاية الاصول، ص80-81.