بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه دوازده
وقد افاد المحقق النائيني (قدس سره) في فوائد الاصول:
« وأما العقل: فحكمه بالبرائة مما لا يكاد يخفى، لاستقلاله بقبح العقاب بلا بيان واصل إلى المكلف بعد إعمال العبد ما تقتضيه وظيفته من الفحص عن حكم الشبهة واليأس عن الظفر به في مظان وجوده، ولا يكفي في صحة المؤاخذة واستحقاق العقوبة مجرد البيان الواقعي مع عدم وصوله إلى المكلف، فان وجود البيان الواقعي كعدمه غير قابل لأن يكون باعثا ومحركا لإرادة العبد ما لم يصل إليه ويكون له وجود علمي.
فتوهم: أن البيان في موضوع حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان هو البيان الواقعي - سواء وصل إلى العبد أو لم يصل - فاسد، فان العقل وإن استقل بقبح العقاب مع عدم البيان الواقعي، إلا أنه استقلاله بذلك لمكان أن مبادئ الإرادة الآمرية بعد لم تتم، فلا إرادة في الواقع، ومع عدم الإرادة لا مقتضى لاستحقاق العقاب، لأنه لم يحصل تفويت لمراد المولى واقعا، بخلاف البيان الغير الواصل فإنه وإن لم يحصل مراد المولى وفات مطلوبه واقعا، إلا أن فواته لم يستند إلى المكلف بعد إعمال وظيفته، بل فواته إما أن يكون من قبل المولى إذا لم يستوفى مراده ببيان يمكن وصول العبد إليه عادة، وإما أن يكون لبعض الأسباب التي توجب اختفاء مراد المولى عن المكلف، وعلى كل تقدير: لا يستند الفوات إلى العبد، فلأجل ذلك يستقل العقل بقبح مؤاخذته، فمناط حكم العقل بقبح العقاب من غير بيان واقعي غير مناط حكمه بقبح العقاب من غير بيان واصل إلى المكلف.»[1]
وأفاد (قدس سره) في الدورة الاخيرة في اجود التقريرات بما محصله.
ان حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان مناطه ان التكليف الواقعي في ظرف عدم تحقق الوصول لا مقتضي للتحريك فيه بنفسه، بل التحريك يتقوم بوصول التكليف واحرازه. فإن الأسد الخارجي لا يوجب الفرار الا بعد احراز وجوده، كما ان الماء واقعاً لا يستلزم تحرك العطشان اليه الا بعد احراز وجوده، وعليه فإن العقاب على مخالفة التكليف غير الواصل عقاب على ما لا يقتضي بنفسه المحركية.
ولا ريب في قبح ذلك كما يظهر بأدنى تأمل في احوال العبيد مع مواليهم العرفية.
وحاصل ما قرره المحقق النائيني (قدس سره)
ان الباعث والمحرك لإرادة العبد، البيان الواصل ومع عدم تحققه لا باعث ولا محرك للعبد.
وعليه فإن تفويت غرض المولى في المقام لا يستند الى العبد، بل اما يستند الى المولى اذا لم يستوفي مراده ببيان يمكن وصول العبد اليه عادة، وأما ان يستند الى الاسباب التي توجب اختفاء مراد المولى عن المكلف كاخفاء الظالمين وامثاله، وعلى اي حال لا يستند التفويت الى العبد، فعقابه في ذلك عقاب على امر غير مستند اليه وليس له اختيار في ذلك وهذا مما يستقل العقل بقبحه.
وعليه فإن المورد موضوع لحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان واصل. دون قبح العقاب بلا بيان. ولذا يفترق المناط في القبح في المقام مع مناطه في ذاك المقام.
هذا حسب ما قرره في الفوائد.
وفي الأجود. ان التكليف الصادر من المولى عند عدم وصوله الى العبد لا مقتضى للتحريك فيه بنفسه، بل التحريك انما يتقوم بالوصول واحرازه، فالعقاب على مخالفة هذا التكليف اي غير الواصل عقاب على ما لا يقتضي بنفسه المحركيّة ولا ريب في قبح ذلك.
وأورد عليه سيدنا الاستاد:
اما بالنسبة الى ما افاده في الفوائد. فإن البحث في المقام ليس في صورة غفلة المكلف او جهله المقام بالتكليف، ليكون عقابه عقاباً على فعل غير مستند اليه و غير اختياري عنه، بل الكلام فيما يحتمل التكليف وهو متوجه اليه فلا يحتفظ على الاحتمال، ولا يعتني به اختياراً، مع ان له الاحتفاظ به، فإن العقاب عليه ليس عقاباً على فعل غير مستند اليه او غير اختياري له.
وأما بالنسبة الى ما افاده في اجود التقريرات:
فإن العقاب على مخالفة التكليف من غير بيان واصل ليس عقاباً على ما ليس فيه الاقتضاء للتحريك. فإنه (قدس سره) التزم بأن التكليف الواقعي انما تتصف بالفعلية بفعلية موضوعه، فله وجود واقعي فعلي بفعلية موضوعه ولو مع عدم الوصول. والفعلية لا تتقوم عنده بالوصول. ومعه كيف يكون العقاب على مخالفة التكليف الفعلي – مع تحقق موضوعه – ظلماً.
نعم. بناءً على مسلك المحقق الاصفهاني من كون فعلية التكليف بالوصول ومع عدم تحقق الوصول لا يكون التكليف بوجوده الواقعي فعلياً يتم هذا الكلام، وأما على مبناه فغير تام.
هذا وإن فرض ان مراده من عدم المقتضي، عدم الوجه المصحح للعقاب، فهو نفس المدعى، ولا يتم للاستدلال على المدعى بنفسه.
[1] . الشيخ محمد علي الكاظمي، فوائد الاصول تقرير البحث السيد النائيني، ج3، ص365- 366.