بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه دوازده
الثالث: حمل الوجوب فيها على الكفاية
استظهر صاحب الوسائل (قدس سره) على ما يظهر منه في عنوان الباب الذي ذكر فيها الطائفة الثالثة وافاد في اخر الباب المذكور بعد نقل الوجهين السابقين من الشيخ:
«والاقرب ما قلناه من الوجوب الكفائي وياتي ما يدل عليه في عدم جواز تعطيل الكعبة عن الحج وفي وجوب اجبار الناس عليه وان لم يكن لهم مال وغير ذلك».[1]
وايده صاحب الحدائق (قدس سره) قال:
« واحتمل بعض الأصحاب أن يكون المراد بالوجوب في هذه الأخبار الوجوب الكفائي على أهل الجدة من المسلمين في كل عام، وتؤيده الأخبار الدالة على أنه لو اجتمع الناس على ترك الحج لوجب على الإمام أن يجبرهم ولاستحقوا العذاب.»
ثم ذكر بعض الاخبار الواردة في لزوم الاهتمام بالحج وعدم تعطيله وان على الامام او الولي اجبار الناس عليه.[2]
و اورد صاحب الجواهر (قدس سره) على هذا الوجه:
« ومن الغريب ما في الوسائل من حمل هذه النصوص على الوجوب كفاية وإن جعله الوجه بعض الأفاضل مؤيدا له بما دل من النصوص التي فيها الصحيح وغيره على جبر الإمام الناس على الحج إذا تركوه، وإلا استحقوا العقاب ولم ينظروا، إذ هو مخالف لاجماع المسلمين على الظاهر أيضا، فلا بد من طرحها أو تنزيلها على ما عرفت ونحوه.
ونصوص الجبر خارجة عما نحن فيه، ضرورة عدم اختصاصها بأهل الجدة كما يومي إليه اشتمال الصحيح منها على أنه إن لم يكن لهم مال أنفق عليهم من بيت المال، بل اشتمل أيضا على الجبر على المقام عند البيت وعلى زيارة النبي (صلى الله عليه وآله) والمقام عنده، ولعلنا نقول به كما أو ماء إليه في الدروس، قال فيها:
«ويستحب للحاج وغيرهم زيارة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمدينة استحبابا مؤكدا، ويجبر الإمام الناس على ذلك لو تركوه، لما فيه من الجفاء المحرم كما يجبرون على الأذان، ومنع ابن إدريس ضعيف، لقوله (صلى الله عليه وآله): " من أتى مكة حاجا ولم يزرني إلى المدينة فقد جفوته يوم القيامة، ومن أتاني زائرا وجبت له شفاعتي، ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة»
وفي المختلف: «قال الشيخ: إذا ترك الناس الحج وجب على الإمام أن يجبرهم على ذلك، وكذلك إذا تركوا زيارة النبي (صلى الله عليه وآله) كان عليه إجبارهم عليها أيضا، وقال ابن إدريس لا يجب الاجبار، لأنها غير واجبة، واحتج الشيخ بأنه يستلزم الجفاء، وهو محرم»
وعلى كل حال فالوجوب بهذا المعنى خارج عما نحن فيه من الوجوب كفاية على خصوص أهل الجدة المستلزم لكون من يفعله من حج في السنة السابقة منهم مؤديا لواجب ولو كان مع من لم يحج منهم، وقد صرحت النصوص بأن ما عدا المرة تطوع، كقول الصادق (عليه السلام) للأقرع بن حابس إذ سأله: " في كل سنة مرة واحدة، ومن زاد فهو تطوع " بل هو مقتضى قوله (عليه السلام) أيضا في خبر هشام بن سالم المروي عن المحاسن والخصال: " وكلفهم حجة واحدة وهم يطيقون أكثر من ذلك ".
وقول الرضا (عليه السلام) في علل الفضل: " إنما أمروا بحجة واحدة لا أكثر من ذلك لأن الله وضع الفرائض على أدنى القوة " ونحوه في علل ابن سنان.»[3]
زاد السيد الحكيم بعد ذكر ما قاله صاحب الجواهر من بعد وجه صاحب الوسائل لاختصاص الاخبار باهل الجدة:
«ولعمومها ـ الاخبار ـ لصورة عدم تعطيل الكعبة والاجبار يختص به»
و اورد السيد الخوئي على ما اختاره صاحب الوسائل:
« وفيه أن ظاهر الروايات وجوبه على كل أحد لا على طائفة دون طائفة أخرى كما يقتضيه الواجب الكفائي، على أنه يتوقف الالتزام بالوجوب الكفائي على تعطيل الكعبة، وأما لو فرضنا عدم تعطيلها ولا أقل من أداء أهل مكة الحج فلا موجب حينئذ للوجوب الكفائي.»[4]
والحاصل:
ان هنا وجوه للايراد على ما اختاره صاحب الوسائل من الوجه:
الاول: ما ذكره صاحب الجواهر من عدم تمامية الاستشهاد له بروايات الاجبار لان الروايات المذكورة لا تختص باهل الجدة. بل على الامام والحاكم اجبار غيرهم على الحج ببذل نفقتهم من بيت المال.
الثاني: ما افاده صاحب المستمسك من عدم تمامية الاستشهاد بالاخبار المذكورة- ما دل على اجبار الناس...- لاختصاصها بصورة تعطيل الحج ومقتضى الاخبار الدالة على وجوبه على اهل الجدة في كل عام وجوبها عليهم فيه مطلقاً ولو عند عدم تعطيل الحج.
الثالث:
ما افاده السيد الخوئي (قدس سره) من تنافي الحمل على الوجوب كفاية للاخبار المذكورة لان مقتضى الوجوب الكفائي ثبوت الوجوب على طائفة دون اخرى ومقتضى هذه الروايات وجوبه على كل احد.
وليعلم ان الوجهين الاولين ليسا ايراد على ما سلكه صاحب الوسائل من حمل الوجوب في الاخبار على الوجوب الكفائي، وانما هما نقد لما استشهد به لما اختاره وهي الاخبار الدالة على اجبار الناس لكي لا يلزم تعطيل الكعبة.
واما وجه السيد الخوئي فهو ايراد لنفس مدعى صاحب الوسائل، وهو ان ظاهر هذه الاخبار وجوب الحج على واحد من اهل الجدة في كل سنة ومقتضى الحمل على الوجوب الكفائي عدم وجوبه على كل احد في كل سنة، بل على بعض من اهل الجدة فيها.
ويمكن تقريره ببيان اخر بان الضابطة في الوجوب الكفائي فرض الفعل على المكلفين، ولكن لامطلقاً بل لاستيفاء غرض خاص عينه الامر. وفي المقام اذا كان الفرض عدم تحقق تعطيل الحج كما ربما يستفاد من استشهاد صاحب الوسائل باخبار الاجبار فان لازمه سقوط الوجوب عن الاخرين عند اهتمام جماعة بالحج في كل سنة
واذا لم يلزم تعطيل الحج في كل عام سقط الحج فيه ولو عمن لم يحج في تمام عمره وهذا ينافي ما دل على وجوب الحج مرة واحدة في تمام العمر، وما دل على وجوبه كل سنة الصريح في عدم سقوطه عن احد بمجرد فعل الاخر.
ومن المعلوم انه ليس غرض المولى صرف عدم تعطيل الحج، بل مزيد اهتمام الناس في كل سنة كما يدل عليه الاخبار الدالة على استحباب الحج وتاكد استحبابه وبيان فضائله.
فما افاده السيد الخوئي في مقام النقد ايراد فني تام يرد على صاحب الوسائل.
ثم ان السيد الخوئي بعد عدم ارتضائه بما ينقله من وجوه الحمل قال:
« والأولى في توجيه هذه الروايات أن يقال: إنها ناظرة إلى ما كان يصنعه أهل الجاهلية من عدم الاتيان بالحج في بعض السنين لتداخل بعض السنين في بعض بالحساب الشمسي فإن العرب كانت لا تحج في بعض الأعوام وكانوا يعدون الأشهر بالحساب الشمسي ومنه قوله تعالى: (إنما النسئ زيادة في الكفر)[5] وربما لا تقع مناسك الحج في شهر ذي الحجة، فأنزل الله تعالى هذه الآية ردا عليهم بأن الحج يجب في كل عام وأنه لا تخلو كل سنة عن الحج. وبالجملة كانوا يؤخرون الأشهر عما رتبها الله تعالى فربما لا يحجون في سنة وقد أوجب الله تعالى الحج لكل أحد من أهل الجدة، والثروة في كل عام قمري ولا يجوز تغيره، وتأخيره عن شهر ذي الحجة. فالمنظور في الروايات أن كل سنة قمرية لها حج ولا يجوز خلوها عن الحج لا أنه يجب الحج على كل واحد في كل سنة. ولعل هذا الوجه الذي ذكرناه أحسن من المحامل المتقدمة ولم أر من تعرض إليه.»[6]
واساس ما افاده (قدس سره) ان عمدة النظر في هذه الروايات الى كل سنة لا على وجوب الحج لاهل الجدة، وكان الغرض بيان ان الحج الواجب على من نحدده من الموضوع انما يكون ظرفه كل سنة لا سنة دون سنة فان المستطيع يتمكن من الاتيان بالحج في سنته ولا يستثني اي سنة عن ظرف الواجب، بل كل واحد منها ظرف لوجوب الحج.
وانما اكد على ذلك، لان المركوز في الاذهان من عهد الجاهلية وجوب الحج ولزوم الاتيان به في بعض السنوات لا في كل سنة فاراد الشارع رد ذلك بالتاكيد على كل سنة ظرفاً لوجوب الحج على المستطيع.
وافاد بان ما يدل على هذه الذهنية قوله تعالى: }إنما النسئ زيادة في الكفر}
[1] . وسائل الشيعة (آل البيت)، ج11، الباب 2 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، ص18.
[2] . المحقق البحراني، الحدائق الناظرة، ج14، ص22-23.
[3]. الشيخ محمد حسن النجفي، الجواهر الكلام، ج17، ص222-223.
[4] . السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص15.
[6] . السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص16.