بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه يازده
ولعل لهذه الجهات اهتم اصحابنا في البحث عن المراد في هذه الاخبار، وان المراد منها لعله غير ما يفهم منها بدواً، ولذا ذكروا وجوه لحملها على غير ذلك.
قال صاحب الوسائل في اخر الباب الذي عنونه بـ «باب وجوب الحج مع الشرائط مرة واحدة في تمام العمر ـ باب 3 من ابواب وجوب الحج ـ:
«قال الصدوق في العلل: جاء هذا الحديث هكذا، والذي اعتمده وافتي به ان الحج على اهل الجدة في كل عام فريضة ثم استدل بالاحاديث السابقة. [ما دل على وجوب الحج في كل عام علي اهل الجدة باب 2 من ابواب وجوب الحج].
ثم افاد نفسه:
وعلى ما قلنا لا تنافي بينهما، والظاهر انه مراد الصدوق.»[1]
وقال (قدس سره) في ذيل الباب 2:
«حمل الشيخ هذه الاحاديث على الاستحباب. وجوّز حملها على ارادة الوجوب على طريق البدل، وان من وجب عليه الحج في السنة الاولى فلم يفعل وجب في الثانية، فان لم يفعل وجب في الثالثة وهكذا.
والاقرب ما قلناه [والمراد ما افاده في عنوان الباب حيث عنونه بـ «باب انه يجب الحج على الناس في كل عام وجوباً كفائياً»] من الوجوب الكفائي وياتي ما يدل عليه في عدم جواز تعطيل الكعبة من الحج، وفي وجوب اجبار الناس عليه وان لم يكن لهم مال وغير ذلك.»[2]
قال الشيخ في التهذيب في آخر الباب الذي عنونه بباب وجوب الحج في اول كتاب الحج.
«وفرض الحج مرة واحدة وما زاد عليه فمندوب إليه مستحب، وهذا لا خلاف فيه بين المسلمين فلأجل ذلك لم نتشاغل بايراد الأحاديث فيه، والذي رواه:
46 - محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن حذيفة بن منصور عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أنزل الله عز وجل فرض الحج على أهل الجدة في كل عام.
47 - وعنه عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد بن يحيى عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن أبي جرير القمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الحج فرض على أهل الجدة في كل عام.
48 - وروى علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: ان الله عز وجل فرض الحج على أهل الجدة في كل عام، وذلك قول الله عز وجل (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر قال الله غني عن العالمين) قال: قلت ومن لم يحج منا فقد كفر ؟ فقال: لا ولكن من قال: ليس هذا هكذا فقد كفر.
فمعنى هذه الأخبار انه يجب على أهل الجدة في كل عام على طريق البدل، لأن من وجب عليه الحج في السنة الأولة فلم يفعل وجب عليه في الثانية، وكذلك إذا لم يحج في الثانية وجب عليه في الثالثة، وعلى هذا في كل سنة إلى أن يحج، ولم يعنوا عليهم السلام وجوب ذلك عليهم في كل عام على طريق الجمع، ونظير هذا ما نقوله في وجوب الكفارات الثلاث من أنه متى لم يفعل واحدة منها فانا نقول إن كل واحدة منها لها صفة الوجوب، فإذا فعل واحدة منها خرج الباقي من أن يكون واجبا، وكذلك القول فيما تضمنت هذه الأخبار.[3]
قال صاحب العروة (قدس سره): « وما نقل عن الصدوق في العلل من وجوبه على أهل الجدة كل عام على فرض ثبوته شاذ مخالف للإجماع والأخبار، ولا بد من حمله على بعض المحامل، كالأخبار الواردة بهذا المضمون من إرادة الاستحباب المؤكد، أو الوجوب على البدل، بمعنى أنه يجب عليه في عامه وإذا تركه ففي العام الثاني وهكذا.
ويمكن حملها على الوجوب الكفائي، فإنه لا يبعد وجوب الحج كفاية على كل أحد في كل عام إذا كان متمكنا بحيث لا تبقى مكة خالية عن الحجاج، لجملة من الأخبار الدالة على أنه لا يجوز تعطيل الكعبة عن الحج.
والأخبار الدالة على أن على الإمام كما في بعضها وعلى الوالي كما في آخر أن يجبر الناس على الحج والمقام في مكة وزيارة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، والمقام عنده، وأنه إن لم يكن لهم مال أنفق عليهم من بيت المال.»[4]
وحاصله بيان وجوه ثلاثة لحمل الاخبار المذكورة من غير تعرض للنقد الظاهر قبوله لها.
الاول: حملها على ارادة الاستحباب المؤكد.
هذا ما افاده الشيخ (قدس سره) كما حكاه صاحب الوسائل.
قال الشيخ (قدس سره) في الاستبصار في باب ان فرض الحج مرة واحدة ام هو على التكرار؟ بعد نقل الطائفة الثالثة من الاخبار.
«فالوجه في هذه الاخبار احد شيئين:
احدهما: ان تكون محمولة على الاستحباب دون فرض والايجاب..»
قال السيد الحكيم (قدس سره) في المستمسك:
«وأقرب الوجوه الحمل على الاستحباب المؤكد ولذا اقتصر عليه في المعتبر وغيره »
واورد عليه السيد الخوئي (قدس سره):
«ولايخفى بعده لانه خلاف ظاهر قوله (عليه السلام) فرض الله الحج على اهل الجدة او صريحه خصوصاً بعد استشهاده»
وهذا الوجه يمكن الاستشهاد له بما ورد في استحباب تكرار الحج مراراً كما يؤيده: «ما روي من قول الصادق (عليه السلام) للاقرع بن حابس: في كل سنة مرة واحدة ومن زاد فهو تطوع وان كان الاحسن» قوله (عليه السلام) عن النبي ذلك، لان اقرع بن حابس كان في عصر النبي (ص).
الا ان عمدة المشكل فيه ما افاده السيد الخوئي من تنافي الاستحباب مع التنصيص على الوجوب بالتعبير فيه بالفرض بقوله: ان الله فرض...
ولا تصريح في كلام الشيخ بالاستحباب المؤكد، ولعله مستفاد من غيرها من الاخبار او سنخية الفرض مع المؤكد من الاستحباب.
الثاني: حملها على الوجوب البدلي
افاده الشيخ (قدس سره) في التهذيب ـ وقد سبق كلامه فيه ـ وكذا في الاستبصار ذكره صاحب الجواهر من غير تعرض للنقد فيه.
قال السيد الحكيم:
«وقريب منه ـ الحمل على الوجوب الكفائي ـ في البعد والغرابة حمل الوجوب على البدل، بل كاد ان يكون مقطوعاً بخلافه»
ولم يبين (قدس سره) وجه الغرابة:
وقال السيد الخوئي:
« وهذا بعيد أيضا فإن الوجوب البدلي بهذا المعنى من طبع كل واجب، فإن الواجب يجب الاتيان به متى أمكن، ويجب تفريغ الذمة عنه، ولا يسقط الواجب بالعصيان.»[5]
ويمكن ان يقال:
ان كل واجب له افراد متعددة يجب للمكلف الاتيان باحد افراده، ومعنى العصيان فيه ترك جميع افراده، ومعه لايسقط الواجب عن الذمة، بل له الاتيان الفرد القضائي لو شرع فيه القضاء وله ايضاً افراد متعددة يتمكن المكلف من الاتيان باي فرد.
نعم فيما ورد الدليل على فوريته فله الاتيان بالفرد الاول من جهة الزمان و مع عدم الاتيان به بالفرد الثاني وهذا المعنى جار في جميع الواجبات الزمانية الموسعة ذا افراد متعددة وقام الدليل فيها باتيانها فوراً.
وعليه فاذا التزمنا بوجوب الحج فوراً فلعل مدلول هذه الاخبار ان كل سنة من عمره موضوع للاتيان بالحج فاذا اتى به في السنة الاولى فرغت ذمته والا له الاتيان بالفرد الثاني فالمدلول في الحقيقة وجوب الحج فوراً وعلى البدلية المذكورة.
والمشكل فيه استبعاد استظهاره من ا لاخبار المذكورة بعد صراحتها في ثبوت الفرض في كل سنة وانه لو اتى به في السنة الاولى لم تفرغ ذمته عن الاتيان به في السنة الثانية وهكذا.
[1] . وسائل الشيعة (آل البيت)، ج11، الباب 3 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، ص20.
[2] . وسائل الشيعة (آل البيت)، ج11، الباب 2 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، ص18.
[3] . الشيخ الطوسي، تهذيب الاحكام، ج5، ص16-17.
[4] . العروة الوثقي (المحشي)، ج4، ص 342 – 343.
[5] . السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص15.