بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هشت
الثالث:
لو كان المراد من الضرر في قاعدة دفع الضرر المحتمل غير العقوبة.
- وقد مر دفع جريان القاعدة المزبورة في المقام، اذا كان المراد من الضرر فيها العقوبة - بل كان المراد منه الضرر الدنيوي، فإنه لا سبيل لجريان القاعدة في المقام ايضاً، وذلك لأن في الضرر الدنيوي ليس لنا دليل على لزوم الدفع بالنسبة الى متيقنه فضلاً عن محتمله، لأنه لا قبح عقلاً في تحمل بعض المضار الدنيوية لبعض الدواعي العقلائية، كتحصيل العلم او كسب المال والمقام، وجواز تحمل بعضها شرعاً كما في مثل الجهاد والصوم والخمس والزكاة وامثاله.
وهذا مع:
ان احتمال الحرمة او الوجوب لا يلازم احتمال الضرر، وان كان ملازماً لاحتمال المفسدة او ترك المصلحة، وعليه فلا وجه لجريان قاعدة لزوم دفع الضرر المتحمل في موردها.
فإن الاحكام الشرعية مبتنية على المصالح والمفاسد النفس الأمرية، وأنها هي مناطات الاحكام، والمصلحة في الفعل يوجب حسنه، والمفسدة فيه يوجب قبحه من دون يكون فيها ضرر عائد الى فاعله.
فليست الاحكام مبتنية على المضار والمنافع حتى استلزم احتمالها احتمال الضرر على المكلف.
نعم، انه كما يتفق كثيراً كون محتمل التكليف مأموناً من حيث الضرر، كذلك ربما تقع المنفعة او المضرة مناطاً للحكم، فالنسبة بينهما اي بين المصلحة والمنفعة والمفسدة والمضرة عموم من وجه.
فتجتمع المصلحة والمنفعة في الصوم النافع للبدن، وتفترقان في مثل الزكاة والخمس لوجود المصلحة فيها دون المنفعة، وربما لا تكون فيه مصلحة مع امكان فرض المنفعة فيه كالربا.
وكذا تجتمع المفسدة والضرر، فإنهما يجتمعان في شرب المسكر، ويفترقان في غصب الاموال والحقوق بظاهره، وربما يكون فيه الضرر دون المفسدة، كما في الزكاة والخمس.
وبالجملة، لا ملازمة دائماً بين المصلحة والنفع كما بين المفسدة والضرر، واحتمال التكليف التحريمي في المقام يلازم احتمال المفسدة، من غير ان يلازم احتمال الضرر. ومعه لا وجه لجريان قاعدة لزوم دفع الضرر المتحمل اذا كان المراد من الضرر فيه الضرر الدنيوي، لعدم تحقق الضرر في كثير من موارد التحريم.
ثم انه افاد (قدس سره) في اخر كلامه:
انه ربما يتوهم استقلال العقل بقبح الاقدام على ما لا تؤمن من مفسدته، وأنه كما يقبح الاقدام على ما يتقن وجود المفسدة فيه، كذلك يقبح الاقدام على ما يحتمله فيه، والشاهد عليه ان الشيخ الطوسي (قدس سره) قد استدل على قبح الاقدام على المفسدة المحتملة، بأن الاصل الأولي في الاشياء على الحظر او الوقف.
وعليه فإن احتمال الحرمة يلازم احتمال المفسدة، واحتمال المفسدة لزم دفعه بمقتضى حكم العقل، حيث يدرك قبح الاقدام على محتمل المفسدة.
وأجاب عنه: بأنا لا نلتزم باستقلال العقل بقبح الاقدام على محتمل المفسدة.
فإنه لا استقلال للعقل بذلك، ووجهه:
1 – شهادة الوجدان.
2 – ديدن العقلاء من اهل الملل والأديان، اي العقلاء بما هم العقلاء على عدم الاحراز عن محتمل المفسدة، ومما لا يؤمن مفسدته، فإنهم لا يعاملون مع محتمل المفسدة معاملة معلوم المفسدة.
3 – اذن الشارع بالاقدام على محتمل المفسدة، كما يظهر من قوله: كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال، او كل شيء حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه، ومن المعلوم انه يمتنع صدور القبيح من الشارع، فصدور الإذن منه كاشف عن عدم قبحه، ومعه لا اساس لقاعدة لزوم دفع الضرر المحتمل.
وقال الشيخ (قدس سره) في الرسائل:
«الرابع من الأدلة: حكم العقل بقبح العقاب على شئ من دون بيان التكليف.
ويشهد له: حكم العقلاء كافة بقبح مؤاخذة المولى عبده على فعل ما يعترف بعدم إعلامه أصلا بتحريمه.
ودعوى: أن حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل بيان عقلي فلا يقبح بعده المؤاخذة، مدفوعة:
بأن الحكم المذكور على تقدير ثبوته لا يكون بيانا للتكليف المجهول المعاقب عليه، وإنما هو بيان لقاعدة كلية ظاهرية وإن لم يكن في مورده تكليف في الواقع، فلو تمت عوقب على مخالفتها وإن لم يكن تكليف في الواقع. لا على التكليف المحتمل على فرض وجوده، فلا تصلح القاعدة لورودها على قاعدة القبح المذكورة، بل قاعدة القبح واردة عليها، لأنها فرع احتمال الضرر أعني العقاب، ولا احتمال بعد حكم العقل بقبح العقاب من غير بيان. فمورد قاعدة دفع العقاب المحتمل هو ما ثبت العقاب فيه ببيان الشارع للتكليف فتردد المكلف به بين أمرين، كما في الشبهة المحصورة وما يشبهها. هذا كله إن أريد ب " الضرر " العقاب.