بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هفت
واما الرواية الثانية، وهو نقل الصدوق باسناده عن الاعمش وهو سليمان بن مهران ابو محمد الاسدي، من اصحاب الصادق (ع).
عدّه ابن شهرآشوب من خواص اصحاب الصادق (ع)في المناقب. وعدّه ابن داود في القسم الاول في رجاله وهو قسم الموثقين.
ولم يتعرض له العلامة في الخلاصة: واعترض عليه الشهيد الثاني في تعليقته على الخلاصة. بان العلامة (قدس سره) عند ذكر يحيى بن وثاب قال: «كان يحيى بن وثاب مستقيماً، وذكره الاعمش.»[1] وظاهر هذا الكلام انه (قدس سره) اعتمد على قول الاعمش ولذا ذكر يحيى بن وثاب في القسم الاول اي المعتمدين.
فافاد الشهيد (قدس سره):
«عجباً من المصنف ينقل عن الاعمش استقامة يحيى بن وثاب ثم لم يذكر الاعمش في كتابه اصلاً» ثم افاد الشهيد بالنسبة الى الاعمش.
«ولقد كان حرياً بالذكر لاستقامته وفضله وقد ذكره العامة في كتبهم واثنوا عليه مع اعترافهم بتشيعه وغير المصنف من اصحابنا الذين صنفوا في الرجال تركوا ذكره.»[2]
قال السيد الخوئي (قدس سره) بعد ذكر كلام الشهيد الثاني (قدس سره) في الوجيزة
أقول: الاعتراض على العلامة- قدس سره- في محله جدا، فإن الأعمش إذا كان يعتمد العلامة على قوله- و لذلك ذكر يحيى بن وثاب في القسم الأول-
فلما ذا لم يذكر الأعمش نفسه، على أنا قد بينا أن العلامة يعتمد على قول كل شيعي لم يرد فيه جرح، و لا إشكال في أن تشيع الأعمش من المتسالم عليه بين الفريقين، و تدل عليه عدة روايات،
منها: ما رواه الصدوق بسنده عن الأعمش، عن الصادق ع، في حديث شرائع الدين، قال: و من مسح على الخفين خالف الله و رسوله و كتابه و وضوؤه لم يتم و صلاته غير مجزئة الحديث، الخصال، أبواب المائة و ما فوقها، خصال شرائع الدين، الحديث 9.
و لكن في سند الرواية مجاهيل و بما أن الأعمش لم يرد فيه جرح، فلا وجه لعدم ذكره.
هذا مضافا إلى أنه يكفي في الاعتماد على روايته جلالته و عظمته عند الصادق ع، و لذلك كان من خواص أصحابه عليه السلام.
و قد وقع في إسناد تفسير علي بن إبراهيم كما تقدم بعنوان سليمان الأعمش، و قد التزم أن لا يروي فيه إلا عن الثقات.[3]
والحاصل:
ان السيد الخوئي (قدس سره) وان لم يلتزم بالخبرين سنداً المشتملين على عد الاستخفاف بالحج من الكبائر الا كان له تاييد ما اراد اثباته بقوله: لا يعبد ان يكون الاستخفاف به من الكبائر كما صدر منه تاييد ما افاده (قدس سره) بخبر غير نقي السند كثيراً .
هذا مع:
ان مع عدم تمامية الخبرين، فان الالتزام بما افاده: «فانه نظير الاستخفاف بالصلاة كما في قوله (ع) {فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون}.»
فيمكن ان يقال:
ان محصل هذا الوجه تنزيل الحج منزلة الصلاة في كون الاستخفاف بها من الكبائر و وجه هذا التنزيل ان الحج من دعائم الدين، واركانه كالصلاة فيلزم ان تنزل الحج منزلتها في هذه الحيثية اي كون الاستخفاف بها من الكبائر.
ويمكن المناقشة فيه:
بان ما استدل به (قدس سره) لذلك من قوله تعالى {فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون} لايفيد في المقام لعدم دلالته على كون الاستخفاف بالصلاة من الكبائر وذلك لان الآية الشريفة وردت في سورة الماعون والسورة هي{ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحيمِ أَ رَأَيْتَ الّذي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ(1) فَذلِكَ الّذي يَدُعّ الْيَتيمَ(2) وَ لا يَحُضّ عَلى طَعامِ الْمِسْكينِ(3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ(4) الّذينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ(5) الّذينَ هُمْ يُراؤُنَ(6) وَ يَمْنَعُونَ الْماعُونَ(7) }[4]
فان السورة المباركة وردت في المنافقين وفي صدر الآية كان الله سبحانه في صدد تعريف المنافقين الذين يكذبون بالدين في واقعهم، ولكن يمكن معرفتهم بهذه الاوصاف منها: انه يَزجُر ويظلم اليتيم اي كل ضعيف لا نصير له اي اذا راى الضعيف ممن ليس له ناصر ومعين يتعرض له ظلماً ومنها: انه يحض على طعام المسكين اي لا يهتم بشان المساكين ولا يتعاون مع الاخرين في تكفلهم. ومنها: انهم لا يأتون بالصلاة الا رياءً، فان صدور الخير كالصلاة منهم ليس لاجل التقرب الى الله لانهم لايؤمنون به من اصله، فكان ممن يترك او يكسل اذا كان وحده واذا كان عنده احداً ينشط بما يفعله فالمصلون انما وقع مورداً للويل، لان الصلاة والاتيان بها هو الفعل الخير المنحصر الذي يفعلونه وبما انهم لايتون به الا رياء فصاروا متعلقاً للويل.
واضاف اليه بان هذا المصلي هو الذي ياتي بالصلاة رياءً ويمنعون الماعون اي لا يبادرون بادنى الخير من الافعال.
وعليه فان المراد من الساهون المنافقون فليس المراد من السهو في المقام الغفلة والنسيان الموضوع في الفقه لاحكام كثيرة مع انه لا شبهة ان الساهي بهذا المعنى في الصلاة لا يكون مذموماً ولا يرتكب ذنباً فضلاً عن كونه كبيرة. فانه لا يصدق في مورده الاستخفاف، ولو صدق لا يعد من الذنوب فضلاً عن كونه كبيرة.
وقد استعمل لفظه «ساهون» في مورد اُخر في الكتاب الكريم في سورة الذاريات آية 11 بقوله تعالى: {الذين هم في غمرة ساهون} والمعنى الذين هم في حجاب من الحق وهذا الحجاب الجائي من ناحية الجهل والضلال اوقعهم في الغفلة وقبلها قوله تعالى:
{قتل الخراصون} اي الصم البكم الذي يتظاهر بذلك وليس صماً بكماً حقيقة، ولكن في مقابل الحق يتظاهرون بذلك اي عدم الفهم والدرك.
وبعدها يقول سبحانه في وصفهم{يسألون ايان يوم الدين}
وهذه الايات الشريفات وردت بعد قسمه سبحانه {والذاريات ذروا فالحاملات وقرا} الى قوله تعالى {انما توعدون لصادق وان الدين لواقع والسماء ذات الحبك} اي الاحكام والعظام {انكم لفي قول مختلف} فكان خطابه تعالى مع الذين يكذبون النبي الصادق (صلي الله عليه وآله) وهم ارباب الاقوال والاراء المتنافرة غير المنسجمة.
والحاصل ان قوله: {ساهون} في الموردين لا يراد به المستخف المفروض كونه مؤمناً بالله و بالرسالة.
هذا مع ان الاستخفاف بالصلاة امر مذوم وقد ورد منهم (عليهم السلام) «من استخف بالصلاة فهو كافر» اي بمنزلة الكافر او «لاينال شفاعتنا من استخف بالصلاة» ولكن لا دلالة فيها على كونها من الكبائر مع ان الاستخفاف غير السهو كما مر.
فاذا لم نلتزم بالخبرين لا وجه لادراج الاستخفاف بالحج في الكبائر.
واما بناء عليهما و لاسيما معتبرة فضل بن شاذان نلتزم بان الاستخفاف بالحج يعد من الكبائر وهذه خصوصية في الحج غير جارية في غيره من الفرائض و مستنده النص.
ثم ان بناء على المعتبرة فان عنوان الكبيرة انما يطلق على الاستخفاف بالحج.
فالاستخفاف به، ولو بغير تركه من الكبائر، واما كون نفس الترك مع الاستخفاف من الكبائر على ما افاده العروة (قدس سره) لا دليل عليه كما مر في كلام السيد الحكيم (قدس سره).
[1] . العلامة، خلاصة الاقوال، ص181، الرقم1.
[2] . الشهيد الثاني، الرسائل، ج2، ص1068.
[3] . السيد الخوئي، معجم رجال الحديث، ج9، ص294-295، الرقم5518.
[4] . الماعون، الآية 1-7.